خواطر من الكون المجاور الخاطرة 62..حقيقة التقمص (الولادة من جديد)
موضوع هذه المقالة (التقمص) له علاقة بسلوك الروح وهو موضوع حساس جدا ﻷنه أولا قد يبدو للبعض أنه يعارض تعاليم الديانات السماوية الثلاث ( اليهودية والمسيحية واﻹسلامية )، وثانيا ﻷنه من مواضيع الغيبيات المطلقة حيث أنه لا يمكن تقديم أي إثباتات مادية ملموسة سواء لإثبات صحته أو إثبات خطئه ،
لذلك فهدف نشر المقالة ليس إقناع القارئ بصحة أي فكرة عن هذا الموضوع ولكن الهدف الحقيقي هو دفع فكر القارئ إلى محاولة فهم أشياء أخرى قد تساءل مع نفسه عنها يوما ما أو قد سُئِل عنها من اشخاص يحاولون التشكيك بوجود الروح أو بوجود الله نفسه، ورغم بحثهم عن إجابات مقنعة عن هذه التساؤلات لم يصلوا إلى أي نتيجة ترضيهم . وهذه بعض منها :
- في منطقة سكنية راقية يسكنها فقط اﻷغنياء ، يولد طفل له شكل جميل مسر للنظر شكله لوحده كافي ﻷن يشعر بالمحبة من جميع من حوله، الشكل الجميل مع وجود هذه المحبة يمكن أن تساعده في كل خطوة وتفتح أمامه جميع أبواب الفرص بالنجاح في معظم ما يفعله ، وعدا عن ذلك هذا الطفل يولد في عائلة حيث اﻷب واﻷم فيها حاصلان على شهادات علمية عالية ، يستطيعان أن يؤمنان له كل ما يحتاج لينمو جسده وشخصيته على أحسن ما يرام ، فيكفي لهذا الطفل أن يسمع النقاشات بين اﻷب واﻷم ليكتسب ثقافة إجتماعية وعلمية عالية تساعده في تكوين شخصية متزنة قوية يمكن أن تشق طريقها إلى المستقبل بخطوات جريئة وواثقة. .... بينما في مكان آخر في منطقة سكنية فقيرة ، قذرة حيث اﻹنسان والحيوان يعيشان جنبا إلى جنب في نفس المسكن ، يولد طفل حظه معاكس تماما للطفل اﻷول ،له شكل قبيح حيث سوء التغذية وتلوث البيئة من حوله و الفقر والتخلف الثقافي يجعل أبويه في مشاجرات دائمة فلا يهتم به أحد منهما، جميع هذه الظروف السلبية تجعل من نموه الروحي والجسدي على أسوأ أشكاله ، فتجعل منه شخصية ذات سلوك عشوائي همجي ، فيكبر بدون تعليم وبدون توعية، فيجد نفسه يسير نحو مستقبل مظلم لا يعلم مصيره أحد ........ قد يتساءل البعض هنا : أين العدالة اﻹلهية في حق هذا الطفل الذي كتب عليه منذ ولادته أن يعيش الحرمان بجميع أشكاله ونواحيه ؟ من له الحق أن يحاسب هذا الطفل البائس التعيس إذا كان مصيره طريق السوء واﻹجرام والحقد على كل من حوله ؟
- يوجد بعض اﻷطفال منذ ولادتهم تظهر فيهم موهبة في شيء معين ، كموهبة الغناء أو براعة في الحساب أو في الرسم، أو غيرها من المواهب رغم أن اﻷبوان أو بقية أفراد العائلة جميعهم لا يملكون هذه الموهبة ولا يمارسونها نهائيا ، أو قد نجد أن الطفل يحمل عدة مواهب مختلفة معا ، رغم عدم وجودها في أي فرد من أفراد العائلة. على الرغم أن مستوى الذكاء في هذا الطفل ليس أعلى من ذكاء بقية أفراد العائلة في التعلم أو تدبير اﻷمور أو حل المشاكل. فمن أين أتت هذه الموهبة وبهذه المستوى العالي في هذا الطفل ؟
- هناك بعض اﻷطفال يعانون من عقد نفسية معينة ، مثل الخوف من الظلام أو الخوف من المرتفعات العالية أو الخوف من العناكب أو من النار أو من أمور أخرى عديدة ، مثل هذه العقد النفسية والتي لفتت إنتباه المفكرين منذ قديم الزمان لها مصطلح علمي (الفوبيا) ، مثلا الطفل المصاب بفوبيا اﻷماكن العالية أثناء لحظة وجوده في مكان عالي ، نجده يتصرف بسلوك غريب لا يبرر نهائيا شدة خوفه والذي قد يصل به إلى حالة اﻹغماء ، على الرغم من أن الطفل لم يكن له أي سوابق في حياته من قبل لها علاقة باﻷماكن العالية لتبرر وجود هذه العقدة النفسية فيه. فمن أين ظهرت هذه العقدة النفسية في هذا الطفل؟
- بعض اﻷشخاص يشعرون فجأة بألم معين وكأن سكين حاد يغرز في منطقة معينة من جسدهم ، هذا الألم يأتي إليهم كل فترة وفترة ورغم ذهابهم إلى الطبيب و إجراء عدة فحوصات وتحاليل طبية وصور إشعاعية لتلك المنطقة ، ولكن لم يظهر أي سبب عضوي يمكن أن يبرر وجود ذلك الألم الفجائي. ... هذه الظاهرة البعض يفسرها بوجود مس شيطاني ، طبعا هذا التفسير مرفوض ﻷن الشخص المصاب يتمتع بصحة نفسية جيدة وشخصية متزنة تماما تسمح له القيام بواجباته الجسدية والروحية على أكمل وجه..... فكيف نفسر وجود هذا اﻷلم؟
- بعض المصابين بمرض اﻹنفصام ( الشيزوفرنيا) أو كما يسموهم في المجتمعات التي تؤمن بوجود عالم الجن (ممسوس ) ، نجد شخصية المريض النفسي تتحول فجأة إلى شخصية مختلفة نهائيا وكأنه شخص آخر ، وفي بعض المرضى نجدهم في لحظة وجودهم في ذروة حالتهم المرضية يتكلمون لغات غريبة أو ربما لغات قديمة ، هذه الظاهرة يستخدمها كإثبات الكثير من الرقاة ليؤكدوا على صحة إعتقادهم بأن الجن قد دخل جسد المريض أي أنه (ممسوس ) وأنه هذا الجن هو الذي يتكلم وليس المريض.... فما هو التفسير العقلاني لهذه الظاهرة ؟ فأن نقول بأنه تلبس شيطاني هذا ليس تفسير منطقي والسبب هو أن هذه الظاهرة أيضا يمكن أن تظهر في أشخاص طبيعين جدا بعد دخولهم في غيبوبة التنويم المغناطيسي أو عندما يصابون بالهلوسة نتيجة تعاطي المخدرات أو المهدئات بشكل مفرط ، أي أن الجن أو الشيطان ليس له مكان في حدوث هذه الظاهرة .
- بعض اﻷحيان نرى شخص فنشعر وكأننا نعرفه وأننا عشنا معه لحظات سعيدة .... كيف نفسر شعورنا بالسعادة التي غمرتنا فجأة بمجرد رؤية ذلك الشخص، رغم أننا لم نراه أو نلتقي به من قبل نهائيا ؟
- بعض اﻷحيان نسافر إلى منطقة أثرية أو طبيعة ، فنشعر فجأة بأننا نعرف جيدا هذه المنطقة وكأننا قد أتينا إليها من قبل. ... كيف نفسر هذا الشعور رغم أننا فعلا لم نأتي إلى هذه المنطقة من قبل نهائيا.
هذه اﻷشياء التي ذكرتها ، بعضها سمعت بها وبعضها رأيتها بأم عيني وبعضها عشتها شخصيا ، ورغم أنني لم أبحث بشكل مقصود ﻹيجاد تفسير منطقي لهذه الظواهر ، ولكن نوعية اﻷبحاث - أبحاث عين الروح - التي شغلت فكري منذ أن وعيت على هذا العالم ، والتي حاولت فيها إستخدام الرؤية الشاملة بهدف واحد وهو تفسير اﻷسباب التي دفعت إلى ولادة ظاهرة ( الجريمة الطفولية ) هذا النوع من الجرائم حيث الطفل يشارك فيها سواء بدور القاتل أو بدور الضحية ، هذه الظاهرة التي لم يعرفها التاريخ ولم يسجل التاريخ عنها في صفحاته إلا في عصرنا الحاضر هذا النوع من اﻷبحاث قادتني مع مرور الزمن إلى رؤية الكون بأكمله (فيزيائيا وروحيا) كرواية واحدة كتبها الله عز وجل ، أحداثها مترابطة فيما بينها ترابط محكم له جهة تطور واحدة وهي الوصول إلى الكمال الروحي والمادي ، والذي في نهايته كان ظهور اﻹنسان كأرقى الكائنات الحية .
عندما خلق الله اﻹنسان نفخ فيه من روحه فكان تكوين اﻹنسان في أحسن تقويم ، ولكن عندما إستطاع الشيطان إغوائه ، هبط اﻹنسان في تكوينه إلى أسفل السافلين ، لذلك طرده الله من الجنة ، فكان على اﻹنسان خارج الجنة أن يعيد تصحيح تكوينه ليصل ثانية إلى الكمال الروحي والجسدي ليستطيع العودة ثانية إلى وطنه اﻷم الجنة. والسؤال الذي يمكن أن يطرحه اﻹنسان هنا ، هل يمكن للانسان أن يصحح ذلك الخطأ الذي حدث في الجنة خلال حياة واحدة فقط والتي تستغرق بشكل عام مدة زمنية تعادل من 35 - 70 بشكل متوسط حسب الزمان والمكان ؟ فمتوسط عمر اﻹنسان الذي عاش قبل عدة آلاف عام كان حوالي 35 عام فقط ، أما متوسط عمر اﻹنسان اليوم في الدول المتقدمة فيعادل حوالي 75 عام. أما في الدول الفقيرة فقد لا تتجاوز ال 35 أو ال40 عام. فإذا كان تصحيح هذا الخطأ يمكن أن يحدث خلال هذه المدة البسيطة ، لماذا طرد الله اﻹنسان من الجنة ، ولو كانت اﻷمور بهذه البساطة لكانت الجنة قريبة جدا من اﻷرض ، فمنطقيا يجب وجود علاقة تناسب وإنسجام بين هذه اﻷمور من الناحية الزمانية والناحية المكانية مع حجم الخطأ الذي يجب تصحيحه. ولكن اﻷمور من جميع اﻷطراف تعارض هذا التصور. فمن يبحث جيدا في تطور الحياة يجد أنه منذ ظهور الحياة على سطح الكرة اﻷرضية كان تشكل الكائنات الوحيدة الخلايا ذات تنوع كبير جدا يشير وكأنها تنبئ عن ظهور كائن حي في المستقبل البعيد جدا ( 4 مليار عام ) له تكوين إنساني يحمل في جسمه جميع أنواع تلك الخلايا وبشكلها اﻷرقى.. ومن يتمعن جيدا في تطور الذرات وتنوعها وطريقة إتحادها سيجد أنه منذ بداية ظهورها بعد ظاهرة اﻹنفجار الكبير بأنها كانت تنبئ عن ظهور مادة في المستقبل البعيد ( 10 مليار عام ) لها المقدرة على تشكيل نفسها ( توالد ) والتي ستسمى مادة حية الDNA.
بالمختصر المفيد من يتمعن جيدا في تطور الكون منذ بدايته سيجد أن تصحيح خطأ اﻹنسان الذي كان سببا في طرده من الجنة ،قد بدأ منذ مليارات السنين . وأن الجنة أرض الميعاد هي خارج هذا الكون فهذا الكون اللامتناهي كان حجمه في بداية تشكله لا يتجاوز حجم ثقب اﻹبرة. وهذا يعني أن الخطأ الذي إرتكبه اﻹنسان في الجنة كان قد شوه تكوين اﻹنسان روحيا وجسديا ، وجعله غير مناسب نهائيا ليتابع معيشته في الجنة ، فوجب طرده. لذلك فإن فكرة مقدرة اﻹنسان على تصحيح هذا التشويه خلال حياة واحدة فقط (35-70 عام ) تعتبر غير منطقية نهائيا. . فاﻷمور أعقد بكثير مما يمكن أن يتصوره عقل إنسان ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .فهل من المعقول أن يكتسب اﻹنسان تلك المعارف في حياة واحدة لتجعله مؤهل ليعود ثانية إلى الجنة ؟
ثم هناك أشياء أخرى ، مثلا ، إذا كانت حياة واحدة فقط تكفي لتصحيح الخطأ ليعود إلى الجنة ، عندها سيكون وضع الجنة غريب وعجيب كمجتمع إنساني ، فهناك أشخاص يموتون وهم في سن الطفولة وكما يقال بان الطفل لا يحاسب على أخطائه ويذهب إلى الجنة مباشرة ، فكيف هذا الطفل سيعاشر إنسان صالح حائز على شهادة دكتوراه في العلوم وعاش عمرا طويل إكتسب فيه معارف وخبرات كثيرة نتيجة بحثه الطويل في تفاصيل اﻷشياء والاحداث ، أو كيف سيعيش هذا اﻹنسان ذو الدرجة العالية في المعارف مع إنسان طيب القلب عاش في العصر الحجري. فكما هو معروف فإن إرتفاع مستوى المعارف عن اﻹنسان يصاحبها إرتفاع درجة اﻹيمان لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف ( أطلبوا العلم حتى ولو كان في الصين ) ، أو كما تقول اﻵية القرآنية (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) وهذا يعني ان مستوى معارف اﻹنسان تلعب دور في مستوى إيمانه ، فكيف سيجتمع الطفل وإنسان العصر الحجري مع ذلك العالم الذي قضى حياته يبحث في طبيعة اﻷشياء واﻷحداث ، كيف يمكن أن يجتمعوا في مكان واحد حيث كل شخص له عالم خاص جدا به يختلف نهائيا عن عوالم اﻷشخاص اﻵخرين. فهل من الممكن إقامة علاقة بين نملة وحصان مثلا ، طبعا لا وذلك بسبب الإختلاف الجذري في طبيعة العالم الذي يعيش به كل كائن. الشيء نفسه ينطبق على عوالم الطفل واﻹنسان الحجري وإستاذ الجامعة.
هناك أيضا نقطة أخرى تولد الكثير من التساؤلات. لماذا اختار الله ذلك الطفل بالذات ليضعه في عينيه ،ويحميه ويرعاه ليصبح عندما يكبر نبيا إسمه موسى عليه الصلاة والسلام. فهذا الطفل منذ ولادته قد صنفه الله من أصحاب الجنة. فما ذنب إبن فرعون الذي ولد تحت رعاية وتربية فرعون ، فهذا الطفل منذ ولادته قد صنف مباشرة من أصحاب النار.
قد يجيب البعض على هذا اﻹستفهام ، بأن الله يفعل ما يشاء ، وأنه لا يحق لأي شخص أن يتساءل عما يفعله الله ، الله عز وجل يفعل ما يشاء هذا شيء لا يمكن ان يتجادل به اﻹنسان، ولكن كل ما يفعله لا يتم بشكل عشوائي لا معنى له ولكن تحت خطة محكمة تدل على عظمة خلقه كما تذكر اﻵيات القرآنية ( ..أنزل الكتاب بالحق ووضع الميزان. ..والسماء رفعها ووضع الميزان....) واﻹنسان معه كامل الحق لأن يبحث عن تلك الخطة وهو أيضا مجبور أن يبحث عنها ليفهم شيئا عن المخطط اﻹلهي ليستطيع إختيار الجهة الصحيحة في مسيرة حياته ، فإختيار الله لذلك الطفل وليس غيره من بقية اﻷطفال ليكون رسوله لم يحدث بالصدفة ولكن لا بد أن يكون هناك سبب واضح يحقق العدالة اﻹلهية المطلقة ، وهو أن هذا الطفل كان نموه الروحي أرقى بكثير من جميع أطفال العالم الذين عاشوا معه في تلك الفترة الزمنية. وإن إكتساب الطفل الرضيع النمو الروحي العالي المستوى طبعا لم يحصل خلال أشهر قليلة في بطن أمه. ولكن حتما قد حدث خلال سنوات طويلة في حياة سابقة عاشها قبل أن يولد ثانية بإسم موسى. لذلك إختاره الله هو من بين جميع أطفال العالم ﻷنه مؤهل أكثر من غيره. طبعا هذا التفسير ليس إلا تكهنات فقط ، فالحقيقة لا يعلم بها إلا الله عز وجل، فلا يوجد أي إثبات ملموس يمكن إقناع الجميع على أن موسى عليه الصلاة والسلام قد ولد وعاش حياة ماضية قبل ولادته مرة أخرى بإسم موسى، ولكن الله خلق للإنسان دماغ ليفكر ويبحث ورغم صعوبة إيجاد إثباتات ملموسة ، يمكن إيجاد إثباتات عقلانية تساعد على فهم ما يحدث ، فلا أحد رأى الله بعينيه ، ولكن هناك نسبة كبيرة من سكان اﻷرض تؤمن بوجوده ، ولديها إثباتات عقلانية تثبت وجوده. وأبسط إثبات يمكن أن يؤكد على أنه قد يوجد إحتمال أن يكون موسى قد عاش فعلا حياة سابقة قبل ولادته من جديد بإسم موسى، هو ما يذكره إنجيل يوحنا في اﻵية 58 من اﻹصحاح الثامن (قال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن ) إي قبل ان يولد إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان عيسى موجودا. وهذا يمكن أن ينطبق أيضا على موسى ،فإحتمال أن يعيش اﻹنسان حيوات عديدة قد يكون حقيقة وليس وهم، فليس من الصدفة وجود مئات الملايين من الناس يؤمنون بعودة الروح بعد الوفاة لتحيا حياة جديدة لمرات عديدة والمعروفة بإسم ( التقمص).
مصدر الكلمة التقمص هي كلمة ( قميص ) . وتعني أن جسد اﻹنسان ليس إلا عبارة عن قميص ترتديه الروح أثناء ولادتها لتتابع تطورها ، حتى تصل إلى مرحلة لا تستطيع بها اﻹستمرار بسبب وجود اﻹنسان في بيئة طبيعية مليئة بالشوائب الشيطانية ، فتضطر الروح إلى التخلي عن الجسد الذي يحويها ( القميص ) فتحدث عملية الوفاة ، لتعود بعد فترة زمنية طويلة إلى الولادة من جديد فترتدي جسدا جديد ( قميصا جديد ) لتتابع نموها الفكري الروحي. ..... وهكذا إلى أن تصل إلى الكمال المطلق وعندها تتحرر من الجاذبية الشيطانية ، وتعود الروح إلى الجنة وتكتسب هناك صفة الخلود.
( التقمص ) بمعنى آخر هي عملية تطهير الروح من جميع الشوائب الشيطانية حتى تصل إلى مرحلة الصفاء الروحي المطلق ، وتتم هذه العملية عن طريق الولادة من جديد بعد كل وفاة لعدة مرات ، حيث يولد اﻹنسان في كل مرة ويعيش حياة جديدة حتى يهرم ويموت ،وفي كل حياة من الحيوات التي يعيشها اﻹنسان يقوم بتطهير روحه عن طريق إكتساب المعارف والسلوك الحسن واﻹبتعاد عن الشهوات الدنيئة . وأول من عبر عن هذه الفكرة هو إمحوتب حكيم مصر القديمة ( الصورة) و الذي يعتبر أكثر شخصية غامضة ظهرت في تاريخ البشرية. والذي حتى اﻵن علماء التاريخ لا يعلمون عن حياته وعلومه إلا القشور.
إمحوتب هو أول طبيب وأول مهندس معماري و أول فلكي و أول فيلسوف عرفه التاريخ. وهو أيضا أول من تكلم عن يوم الحساب ، فحسب تعاليمه كل إنسان بعد وفاته سيحاسب على كل عمل قام به ، فإذا كانت أعماله للخير أكثر من أعماله للسوء عندها سيكون جزاءه العودة إلى حياة ثانية ليعيش حياة أجمل وأسعد. أما إذا كانت أعمال السوء في حياته اثقل من أعمل الخير فجزاءه سيكون أشد العقاب عن طريق وحوش ضارية ستنهش لحمه حتى تموت روحه وتختفي من الوجود.
أمحوتب عبر عن فكرة ( التقمص ) من خلال شكل الهرم الذي بناه والمعروف اليوم بإسم هرم سوزير المدرج ( الصورة ) ، والذي يعتبر أول بناء حجري يحمل تعبير روحي في تاريخ البشرية ، فعدا عن ضخامة حجم هذا الهرم الذي أذهل عقل كل من رآه في تلك الفترة الزمنية، فهو أيضا يحمل في شكله شرح مفصل للمراحل التي تمر فيها روح اﻹنسان أثناء تطورها في حيواتها العديدة. فهرم سوزير المدرج لم يكن قبرا كما يظن علماء التاريخ ولكنه كان سلم مدرج لصعود الروح نحو السماء.
شكل الهرم يتألف من ستة مدرجات، ومن يراه يشعر وكأن الهرم ليس إلا سلم للصعود نحو السماء ، وهذا السلم يتألف من ستة درجات كل درجة منه هي حياة جديدة اي مرحلة جديدة من التطور روحي ، فكما ذكرت الكتب المقدسة عن خلق الكون بأنه حصل في ستة ايام . والمقصود منها هو ليس الرقم ستة ولكن ( 3+3) أي ثلاثة أيام للتطور المادي وثلاثة أيام للتطور الروحي، هكذا هي أيضا مراحل تطور اﻹنسان على سطح اﻷرض ، ثلاث مرات يتم بها تطور الروح وثلاث مرات يتم بها تطور الجسد ، اﻵية القرآنية 28 من سورة البقرة أيضا تعبر عن هذه المراحل الثلاثة ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ) فهذه اﻵية تتكلم عن مراحل التطور الثلاث في كل نوع من النوعين الروحي أو الجسدي ( تكرار - ثم - ثلاث مرات ). بينما في اﻵية 11 من سورة غافر فتذكر الرقم إثنين للتعبير عن وجود نوعين من التطور - الروحي والجسدي - ( فقالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا أثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى الخروج من سبيل) .
فكرة التقمص وللأسف تحولت فيما بعد عند المصريين القدامى إلى مفهوم مادي فراح كهنة المصريين القدامى وإستخدموا علوم أمحوتب في طريقة حفظ المأكولات عن طريق تمليحها لتمنعها من التلف و العفن ، في عملية تحنيط أجساد الموتى ظانين أن روح الميت ستعود في المستقبل إلى نفس الجسد ليحيا من جديد.
يتبع في الإسبوع القادم إن شاء الله
وسوم: العدد 645