نعش الحياة
حرمان ..
من الصغر , ربما أنا , ربما أنت , وربما غيرنا , ربما الكل لم يذق أو لم يتذوق طعم الراحة والسعادة .
منهم من قد يكون قد حُرم منها منذ أن كان طفلا صغيرا , ومنهم من قد يكون قد حُرم منها وهو فى عمر قريب غير بعيد , ومنهم من قد يكون قد حُرم منها من أيام أو شهور أو سنة أو سنين .
الإنسان ,,
ربما وقد يكون بل ومن المؤكد أن من أهم أسباب ماسبق هو أن الحال قد وصل بنا أنْ تغيّر كثيرٌُ ممن يسمى بالانسان ذلك المدعو الذى ينتمى إلى بنى آدم ..
نعم لقد تغيّر وربما قد مات رغم أنه حى يُرزق , مات بأفعاله وسلوكياته الغير مقبولة واندثر , هوت بكثير من الناس الآمال والطموحات فدُكّت دكاً حتى صارت تحت التراب .
هوت وتصدعت لدى الكثير من البشر إنسانيته وفضائله وقيمه وأخلاقياته فلم يعد لها وجود حتى للأسف ممن كنت تحتسبهم أصحاب أخلاق وقيم ومفاهيم .
اسودت كثير من قلوب البشر , الجار , الصديق , الزميل , القريب , الغريب , الرجل , الأنثى , الكبير , حتى الصغير لم يسلم قلبه من القسوة والسواد فى تعامله ولم يعد يعرف قيمة الكبير وأدبيات التعامل معه .
إجمالا , قست النفوس واسودت القلوب وخربت الضمائر وضاعت الأخلاق وانعدمت الذوقيات فى التعاملات حتى صار المقام بشمس الحب بين الناس أنها لم تعد تسكن طويلا داخل القلوب حتى ماتت النفوس .
نعش الحياة ..
لماذا نرى الكثير ممن ارتموا على نعش الحياة و قد استغشوا ثيابهم وأصمّوا آذانهم وغيّروا وتغيّروا وبدّلوا واستبدلوا..
ماذا ياتُرى قد حدث ؟
هل صار الخوف من الله فى عداد النسيان وعدم الحسبان .
همستْ لى نفسى فقالت :.
يا صديقى لقد عدت أستغرب من حال كثير من الناس حين يخطأون فى حق غيرهم ورغم ذلك لا يكون لديهم سوى الاستعلاء والتبرير , بردود أو تبريرات لا شبيه لها ولا مثيل , كأن يقول : مافعلت شيئا فى حقك خطأً , وأن ما فعلته إنما هو أمر طبيعى و عادى , فنحن على الصواب وأنت الذى على الخطأ , لقد باتت الموازين مقلوبة يا صديقى لدى الكثير , ماذا حصل للدنيا ولماذا هكذا صارت أنفس الكثير , لماذا تهاوت أخلاق الكثير إلى الهاوية , ولماذا لا أرى فيك مثلما أرى فيهم من تصرفات مخجلة وسلوكيات وصفها الشيخ الغزالى رحمه الله بوصف بليغ
حين قال : أن إنتشار الكفر فى العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغّضوا الله عزو وجل إلى هؤلاء بسوء تصرفاتهم وبغض تعاملاتهم.
فقلت لنفسى هوّنى عليكِ فالله أكبر من كل تصاريف الحياة وتناهيد العناء وسوء صنيع كل البشر.
ثم رجعتْ إلىّ نفسى بنقاش جديد .. وقالت :
هل تتصور أننى قد صرت أرى كثيرا من دماء الأقرباء والمقربين وكأنها صارت كما يُقال ماءً.
والله لقد رأيت بعضا من خلق الله كالفقاعات تنتفخ فى بدايتها كثيرا ثم ما أن تلبث قليلا من الوقت حتى تأفُلْ وتذبل وينضب منها الماء من معينها فلم تعد ماءً كما كانت تروى و جفّ معينها فلم تعد تنبع منه ولو قطرة واحدة من قطرات القيم والأخلاق والمعاملة الحسنة .
ياتُرى ماذا جرى ؟؟
هل صارت رغبة الكثير فى أن يسبح فى بحر من التيه و الغموض والبعد عن المعاملات الحسنة ؟
هل نسى الناس أم أنهم لم يعلموا من الأساس أنهم متساوون فى دينهم وأنه إذا علا أحدهم على الآخر فى أخلاقه فإنه يكون بذلك قد علا عليه فى الدين وصار عند ربه وعند نبيه أفضل من الآخرين هؤلاء الذين لاقيم عندهم ولا تعاملات مُرضيه لا لله و لا رسوله و لا للعباد .
ياتُرى ماذا جرى ؟؟
ألا يدرك هؤلاء بأنهم قد يغرقون فى ذلك البحر الممتلأ بسوء صنيعهم حتى يتحولون إلى جثة هامدة قد قضت على نفسها بنفسها بالفناء والضياع بعدما إنفضّ الناس من حولهم بسبب سوء صنيعهم وبُغض تعاملاتهم.
ياترى ماذا جرى ؟؟
ماذا صار للكثير من البشر حتى بات الواحد منهم عابثا متفلتا يتمرد على كل شيء , وينكر كل شيء, ولايهتم بأى شيء , ولايعتنى بأى شيء , ولا يكترث بأى شيء .
هل ماتت الأرواح ؟
ثم أى غنيمة قد اغتنمها هؤلاء وإلى أى حد قد وصلت ظنونهم وآمالهم بأنفسهم .
سبحان الله , كثرت تصرفات البشر المريبة والمخجلة فلا هُم من قيود أنفسهم قد نجوا ولا من حظوظهم التى يسعون اليها قد فازوا أو ربحوا .
إيقاع الحياة ..
قد يكون قد تغير ايقاع حياتك قليلا وأنت لاتدرى أنك على غفلة بل فى نوم عميق وتيه رهيب.
قد تستهويك أشياء جديدة أو أفكار جديدة أو أشخاص جدد من حولك ثم ما أن تلبث قليلا حتى تعود عليك تلك الأشياء الجديدة والأشخاص الجدد بموتك أو هلاكك أو إقترابك من عتبات النار أو التعرّض لغضب الله الجبار . أما يدرى هؤلاء أن الشيطان هو الشيطان نفسه سواء كان فى صورة الجن أو فى هيئة الانسان وما أكثر شياطين بنى آدم اليوم وما أصعبهم وما أخطرهم .
لكن , أين الواعون ..
لكن أين الواعون و أين المنتبهون و أين الكيّسون الفطنون وأين الذين هم على أخلاقياتهم الطيبة ومواثيقهم ووعودهم يحافظون وفى تزكية منظومة قيمهم القيّمة كل يوم يرتقون ويبدعون ويتميزون .
ألم يعلم أمثال هؤلاء أن نقيق الضفادع الهين البسيط حتما وبعد فترة لابد له من أن يلوث الماء الصافى .
ألم يدرك هؤلاء أن قطرة ماء صغيرة حين تنسكب على حجر بانتظام كل فترة هى كافية لثقب الحجر .
لقد وصل الحال بكثير من الناس الى البكاء سنين طويلة تائهين هائمين ، وسالت عيونهم سيلاً وتدفقت كالشلالات تدفقًا , حتى أبَى القريب أن يدنو من الوفاء ، وأبى العدوُّ أن يَشبَع من الجفاء.. يا الله رحماك من هذا البلاء ..
وكأنى أرى الزمان غاضبا ..
وكأن الزمان قد غضب وكشّر عن أنيابه فصار الكثرة من الناس مفلسون أيما إفلاس , ومن ثم لم نعد نحن نبرح الخيبات ليل نهار يوما يتلوه آخر .
لقد خيمَّْت على كثير من المخلصين الطيبين كثير من غيومٌ التوجع و الأنين ، وحاصرته لججٌ من النُّواح كل ليل وكل صباح وهو معذور فى ذلك..
وصار معظم الطيبين الخلوقين يجلسون الساعات على أبواب الليالى يفترشون أمامها الهموم ثم ينظرون لها
يتوجعون ويتألمون , ولله يبثون الحزن وله يشكون.
لقد صار الحال بأصحاب النفوس الطيبة كل يوم أن يرفعون الدموع والأنين قبل أن يرفعوا أياديهم إلى ربهم
يشكون سوء أفعال كثير من عباد الله القريب قبل البعيد .
يشكون ربهم وله يقولون : يارب إن لدينا آمالا عالية كعلوّ المآذن رغم قصر قاماتنا وضآلة علمنا وعملنا , فهل تقبلنا سيدنا وتحقق آمالنا وتكفينا شر عبادك ؟.
الحياة مع الله ..
لكن مادامت حياة الطيبين الخلوقين تنصهر مع الله فسيبقى هؤلاء يخطون خطوات نحو السماء , تترقب نفوسهم ذلك اليوم الذى يسمعون فيه ألحان التفاؤل لتتمايل عليهم فرحة مستبشرة بألحان تخرج من أوتار قلوبهم وتعزف لهم أجمل الألحان وتطربهم وتسعدهم .
سيظل هؤلاء الطيبين الخلوقين يسعون ويترقبون أن يروا أمام أعينهم سطوع الشمس و بزوغ القمر ..
سيبقى هؤلاء يترقبون باذن ربهم إنبهار الأنوار تحتفل بهم وبجميل أخلاقهم وعودة ذلك الإنسان المستحدث الجديد إلى إنسانيته القديمة وأصالته وأصله ومعينه الصافى ومعدنه القديم والأصيل , هكذا كنا فمتى نعود ؟
وسيبقى هؤلاء الطيبون الخلوقون يصارعون دوامة بعد دوامة , ألم بعد ألم , حتى يروا نور الفجر يتسلل في الآفاق يبتسم لهم ويقول ها أنذا قادم فلا تحزن , ها أنا قادم فلا تحزن , ها أنا قادم ومعى الخير كله .
ويبقى فى الله الأمل ...
ورغم هذه المآسى الأخلاقية وإنعدام القيم بين الناس والتى سببت الكثير من الآلام و الأحزان للكثير من أصحاب القلوب الطيبة والنفوس الراقية .
ورغم ذلكم الحزن الذى صرنا نمتطيه فى دروب الحياة وصرنا نمتطى معه كل حزن وهم وألم ... رغم ذلك وغيره فسيظل أصحاب النفوس الطيبة و محترفى منظومة الأخلاق العالية يحملون فى أيديهم باقة من الورود ..
تتقطر عيونهم بقطرات من الدموع , لكنها تبقى تسقى الزهرَ والوردِ , يذرفونها , يسكبونها , ثم يحنون بها على ورودهم ويمسحونها .
فيامولاى ، هؤلاء عبادك الطيبون بين يديك دامعون موجوعون , كن لهم ومعهم , لا تحرمهم لطفك و عنايتك .، وجُد بجودك عليهم وامنحهم من رعايتك , وصُبَّ عليهم الكثير والكثير من عفوك وعطفك ولطفك وكرمك ياخير من سأل ويا أكرم من أعطى .
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى الصحب والآل وبارك وأكرم وسلّم.
وسوم: العدد 652