تأملات في البحر

ثمّة أمور تُغري خاطرة في القلب على خروجها من سجنه ...

فقبل سنين حينما كنت أنظر في البحر لا أرتوي ولا أكتفي ...

نظرتُ إليه بالأمس فكان كما هو غامضا ، وأغمض ما فيه أفـُـقُـهُ حيث كأنما يعانق السماء ، جلستُ على شاطئه وصافحته بحبّ واشتياق ، فكانت أمواجه تأتي إلى يدي فتغمرها وتتراجع بدلال ، ثم تعاود الكرة مرّة بعد مرّة فأحببتُ هذا الغزل منه ووددت لو جلستُ أكثر وأكثر لسَبْرِ أغواره .

أأعجبُ من هدير أمواجه أم من كبريائه ومهابته وعظمته وجماله ؟

لمّا وضعت يدي فيه فكأنما لامستُ القارات السّبع لاتصاله بها بالمضائق التي تربطه بأشقائه البحار وأخواته المحيطات والتي تلامس بلادنا .

أحسستُ قبل وداعه كأنه يُـعزّيني في البلاد التي شواطؤه تلامسها بسبب القتل والإضطهاد والتشريد التي تعاني منها أمتنا العريضة الطويلة انطلاقا من مكان وقوفي على متوسطها شرقا إلى حيث جنوب سبتة ومليلة أيام المجد غربا وإلى حيثما اتصل بالبحار والمحيطات الأخرى التي تلامس أرض أمتنا المُمَـزّقة .

تبسّمتُ له ابتسامة ليفهم منها الشكر على عزائه ونظرة توحي إليه أن ثباتنا كثباته وعظمتنا كعظمته مهما تلاطمت الأمواج وأن مساحتنا كمساحته وكذلك سماحتنا .

وسوم: العدد 655