أين الخير يا رمضان؟!
طالت قائمة المشتريات لشهر الخير، والعربة لم تتغير، ولم تعانق هام السحاب ( حالها حال غيرها ) لا أعلم ( ليش )؟!
بعض العيون تصطاد تواريخ الصلاحية، والأُخريات يوجعها مقدار الثمن لكل سلعة معروضة، وتكتفي بحزن الكلام: " فلوسنا ما تكفي "
.. يا الله كم هذه الكلمة موجعة؟!
هذا يجر عربته بشموخ شاهق، وتلك تجر أذيال الحسرة لعوزها، ووجه المقارنة بالنظرات!
تلك تُربت على كتف ابنها بالدلع، والمباهاة بلون آيس كريم باسكن روبنز، وأخرى تُتمتم بالوجع بـ أصبر يا ( ولديّه ) ما يخالف بنشتري لك بكره إن شاء الله إذا صار ( عنديّه )!
لا أُخفيكم سراً لي خمس سنوات تقريباً، وأنا أذهب إلى بعض الحواري قبل وقت أذان المغرب لاستنطاق المشاهد..
ولك أن تُحدد موقعك من خارطة الموقف والطريق لتلك الأطباق التي زينتها ماركة صحن الهريس، والجريش واللقيمات المتراقص على همسات السمسم، وحبة البركة..
وعد واغلط لحقول التجارب في هذا الشهر ( وما حولك أحد يا أبو سداح لمخاسير أيدي النواعم للزعاطة والهياط )
لك أن تقف دون أن تتحدث هناك على أطراف ( عايرٍ ) أو زاوية بجوار البقالة بُغية تلمس الحال، وكتابة الحقيقة والمآل!
تتعطل سيارة عطية صاحب الثوب اللماع، والحذاء الماركة ( كرمكم الله )، وكل الأيادي تتعاضد، وتشمر عن سواعدها لنجدته ومساعدته ( بالدف، وتعشيق القير في اثنين )،
وما أن ( تنتع )، ويدور مُحركها إلا وتتصاعد الصلوات، ويحلو التصفيق في ذاك الجو اللاهب والملتهب!
همس محمد في أذن عطيه: عاد بخهم بكم ريال لأنهم ساعدوك!
فتبسم عطية وقال: اشلون بيدخلون الجنة أجل، ما يبون الأجر؟!
ما علينا الشاهد هنا ( بتشوف ) الفوارق والصواعق بكل شيء، ليس فقط نوعية الطعام، فحتى بين الخزف، والبلاستيك، ونوعية المعدن الذي صدّعه الزمن لتعففهم..
فاصطد ساعة الغروب في عيونهم لحظة الفرح، ودهشة الركض لرد الجميل.. وكأن لسان حالهم يقول: حتى أحنه عطيناكم من بيتنا..!
ولك أن تُقسم العطاء في من يُبرهن لك بقوله: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"..
وبين من يُلملم ما تبقى من طعامه، أو ما جلبه له ذاك الفقير لبساطته.. ليتفضل به على شريكه الآخر بالإنسانية، والخلق، والدين!
المهم بيني وبينكم، ولا تقولون إني قلت لكم، ولا أحد يدري..
انعزمت ذات مرة على وجبة سحور، ولكم تعداد حضورها، وتنوع أطباقها هناك..
جلست بجانب أحدهم، وكان يُشير إليّ بهذا فلان الفلاني، وذاك اللحم يطبخونه بكذا، وعلى حطب كذا، وعلى الفقير أن لا يمد ارجوله إلا على قد الحافه.. حتى ذيل همسته:
على الفقير أن لا يتلذذ بالكباب كل يوم ويشغلنه رايحين رادين عليه، الفلافل يسد محله، ويوفي بالغرض.!
في حين قاعد يسبح في جدر المندي، والعيش الحساوي المُعطر بالسمن والمستكة!!
غسلت يدي، وطوالي لسيارتي العنود المُدللة، وما إن هممت بالمسير إلا ونافذة السيارة تُطرق بيدٍ مزينة بحجر العقيق اليماني والفيروز..
فتحت النافذة بالترحيب والتهليل، فطلب مني إيصاله إلى منزله!
طال المسير، وسالفة تجر سالفة..
وقلت له: ألم تلاحظ أن السحور لذيذ؟
قال: نعم.
فقلت: ولكن الأطباق لم تتغير لكثرتها، ولبذخ الالتفات، فأطرق برأسه وسكت!
قال: هل تُريدني أن أتحدث مع صاحب الوليمة؟
قلت له: وإذا لم يدعك في المستقبل على وليمة أخرى؟!
.. تدارك الموقف وقال: ( أكو واحد مشكوك بأن شغله كله ربوي)!
قلت: عجيب!
قال: لكن له مخرج شرعي!
قلت له: اشلون على بند كيف معلوم؟!
قال: جاهل الحكم الشرعي!
ولنا في شهر رمضان أسوة حسنة بكثرة الولائم باسم الفقراء والأيتام!
والسؤال هُنا: ما هو مقدار التناسب بينهم، وبين من يحضرون باسمهم، ولأجلهم بالتعداد والفوارق؟!
ـ هل للتصوير وتوثيق الحدث؟
ـ أم للإعلان، ومن باب البركة؟
وسوم: العدد 670