خواطر من الكون المجاور.. الخاطرة 91 : حقيقة يأجوج ومأجوج

في السنوات اﻷخيرة وبعد دخول اﻹنترنت في النشاط اليومي في حياتنا نجد ظهور الكثير من المقالات ومقاطع الفيديو التي تتحدث عن كل شيء غريب يجذب فضول اﻵخرين سواء كانت مكتوبة من مختصين أو غير مختصين ومن بعض هذه المواضيع موضوع قوم يأجوج ومأجوج ، فنجد عنه مثلا أن أحد مقاطع الفيديو يصور قوم يأجوج ومأجوج بأشكال مخلوقات غريبة قذرة وقبيحة تثير اﻹشمئزاز مشابهة لتلك المخلوقات التي ظهرت في سلسلة أفلام سيد الخواتم Lord of the rings ، و نجد فيديو آخر يشبّههم بمخلوقات سكان الفضاء ذات رؤوس متطاولة وعيون كبيرة جدا كتلك التي رأيناها في أفلام سكان الفضاء ، وبعضها أيضا يذكر بأن قوم يأجوج ومأجوج هم مخلوقات تنتمي إلى سلالة إنسان نياندرتال التي إنقرضت قبل حوالي 35 ألف عام ( الصورة ) .

من يبحث في موضوع قوم يأجوج ومأجوج من خلال الكتب والمقالات العربية واﻷجنبية سيحتار كثيرا في أمر هذه المخلوقات بسبب شدة تناقضها مع بعضها البعض وكذلك بسبب شدة غرابتها والتي في كثير من اﻷحيان تصل إلى مستوى الخرافات الساذجة.فهل من المعقول مثلا أن تعيش مخلوقات في باطن اﻷرض بدون طعام ولا ماء ولا نور الشمس، في مثل هذه البيئة القاسية قد تستطيع الحياة فيه كائنات حية على مستوى الجراثيم أو أرقى بقليل ولكن على مستوى مخلوق قريب من مستوى تكوين اﻹنسان فهذا مستحيل ، وخاصة عندما تكون مدة اﻹقامة في هذه البيئة القاسية فترة طويلة تعادل الفين عام أو أكثر. فهذه الفكرة علميا مرفوضة ، وهنا لا نستطيع أن نبرر هذه الفكرة بأنها معجزة إلهية ، فالمعجزة اﻹلهية مهما كانت خارقة لقوانين الطبيعة ولكنها كفكرة تبقى متوافقة مع منطق التطور الروحي للحياة. ولكن هنا في موضوع قوم يأجوج ومأجوج فاﻷمر متناقض تماما. فكأن يبقوا في الظلام دون طعام أو شراب ﻵلاف السنين ثم بعد ذلك يخرجون ومعهم قوة هائلة ليحاربوا بها المؤمنين ويكادوا أن ينتصروا عليهم لولا التدخل اﻹلهي ، فهذه الفكرة تعارض نفسها بنفسه طالما أننا ننظر إليها بالمنطق المادي الذي تم به فهم و تفسير المعنى الحرفي لما كتب عن يأجوج ومأجوج.

لعل سبب تشويه معنى قوم يأجوج ومأجوج هو محاولة الربط بين ما كتب في الديانات السماوية الثلاث ولكن بطريقة خاطئة وذلك بسبب إعتماد المنطق المادي مما أدى إلى عدم فهم رموز مضمون الموضوع ، لذلك سنحاول في البداية عرض بشكل مختصر ما تم ذكره عن يأجوج ومأجوج في الكتب المقدسة.

في الديانة اليهودية تم ذكر يأجوج ومأجوج باختلاف بسيط في اﻷسماء جوج وماجوج في سفر حزقيال ( النبي حزقيال ظهر في 593 - 570 قبل الميلاد ) في اﻹصحاح 38 -39 ( وكان إلي كلام الرب قائلا يا ابن آدم اجعل وجهك على جوج أرض ماجوج روش ماشك وتوبال وتنبأ عليه وقل........) ويصفهم بأنهم قوم من الشمال يأتون ومعهم أقوام كثيرة تساعدهم للإنتقام من شعب إسرائيل ( المؤمنين في ذلك الوقت ) ولكن يرسل الله عليهم النار ويدمرهم ليكونوا عبرة بأن الله لا ينسى الذين يعبدونه ، وعندها يخرج سكان مدن إسرائيل ويشعلون ويحرقون سلاح جوج وماجوج وترساناتهم وسهامهم ورماحهم ويوقدون بها النار لمدة سبع سنين ( من كثرة عددهم ). وهكذا يتم تطهير اﻷرض في ذلك اليوم من كل الفاسقين والكافرين.

في الديانة المسيحية تم ذكر جوج وماجوج في اﻵية 8 من اﻹصحاح 20 في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي (ثم تمت اﻷلف السنة يحل الشيطان من سجنه. ويخرج ليضل اﻷمم الذين في أربع زوايا اﻷرض جوج وماجوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر ، فصعدوا على عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم. وإبليس الذي يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب وسيعذبون نهارا وليلا إلى أبد اﻵبدين ) ... أيضا نجد أنه تم ذكر جوج وماجوج في تنبؤات القديس أندريا التي كتبت في نهاية القرن التاسع ( في ذلك العام سيفتح الرب البوابات التي أغلقها إسكندر ملك مقدونيا وسيخرج منها 72 ملك مع أقوامهم البشعة المقرفة .... .... وسينتشرون في جميع بقاع اﻷرض. ......الويل ثم الويل لتلك المناطق التي سيعبرون منها. ....) فكما يذكر في تنبؤاته أن الله عز وجل أرسل إسكندر المقدوني أثناء حملاته العسكرية بمهمة إنقاذ المؤمنين من شر قوم شيطاني يدعى جوج ومأجوج كانو قد فتحوا بوابات في سطح اﻷرض وبدأوا يخرجون من جوفها ليفسدوا في اﻷرض ولكن إسكندر إستطاع أن يعيدهم ثانية إلى جوف اﻷرض ويغلق عليهم هذه البوابات بالحديد والنحاس لسجنهم هناك لينقذ الناس من شرهم ،ولكن قبل يوم القيامة الله سيرسل بعض الملائكة لتعيد فتح البوابات لتخرج هذه المخلوقات الكافرة من سجنها حيث ستحدث معركة فظيعة بين هؤلاء وبين المؤمنين. وسيتم التدخل اﻹلهي لنصر المؤمنين.

نبوءة القديس أندريا عن جوج وماجوج مشابهة قليلا لما هو مذكور في القرآن الكريم. وطبعا الله وحده يعلم فيما إذا كان القديس أندريا قد أخذ قصة قوم ياجوج ومأجوج من القرآن أو أنها رؤيا أوحى بها الله له لتؤكد على صحة ما ذكر في القرآن الكريم.

في الديانة اﻹسلامية تم ذكر يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم في سورة الكهف في اﻵيات ( 93-99) ويذكر إسم الشخص الذي أقام عليهم السد بإسم ( ذي القرنين ) وهذا اللقب كان مشهور به إسكندر المقدوني في الروايات التي كتبت عنه قبل ظهور اﻹسلام لذلك كثير من علماء المسلمين يعتبرون أن المقصود من ( ذي القرنين ) هو إسكندر المقدوني وهذا الرأي كان سائدا عند أكثر المسلمين والدليل هو وجوده أيضا في تنبؤات القديس أندريا الذي عاش بعد ظهور اﻹسلام ب 400 عام تقريبا ، ولكن هناك علماء مسلمين وخاصة في الفترة الأخيرة يرفضون هذا الرأي. وحسب أبحاثي (والله أعلم ) أن ذي القرنين هو نفسه إسكندر المقدوني وذلك لتطابق الرموز واﻷرقام المذكورة في القرآن مع سيرة حياة إسكندر ، فللأسف العلماء الذين يرفضون هذا الرأي ينظرون إلى إسكندر نظرة سطحية لذلك يرفضونه بسبب كونه وثني الديانة ، ولكن من يبحث في مضمون أحداث سيرة حياة إسكندر سيجد أن الله قد إختاره ليجعل من حياته كتاب فلسفي يصحح به أخطاء فلسفة أرسطو ذات المذهب المادي. هذه الفكرة بالذات سنعود إليها ثانية بعد قليل إن شاء الله.

أيضا تم ذكر يأجوج ومأجوج في سورة اﻷنبياء اﻵية 96 (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) . هناك أيضا أحاديث عنهم ولكن كثير منها ضعيفة أو مشابهة لما ذكر عنهم في الكتب المقدسة اﻷخرى التي شرحناه أعلاه. لذلك من يريد المزيد عنها يمكنه الرجوع إلى اﻹنترنت أو الكتب ، ولكن هنا سنحاول شرح مضمون هذا الموضوع لنصل إلى فكرة تفيدنا في فهم ما يحصل حولنا هذه اﻷيام. فالحقيقة هي أن موضوع يأجوج ومأجوج كما تم طرحه حتى اﻵن سواء في الكتب أو المقالات أو مقاطع الفيديو يبقى موضوع مستقبلي لا يفيدنا في تحسين وتصحيح سلوكنا على اﻹطلاق وذلك ﻷن جميع الشروحات التي كتبت عنه جعلته أكثر غموضا وأبعدته أكثر عن سلوكنا اﻹجتماعي.وجعلته وكأنه خرافة من خرافات اﻷقدمين و هنا سنذكر حادثة لها علاقة بموضوع يأجوج ومأجوج لنرى مدى تهور البعض في فهم هذا الموضوع :

في إحدى اﻷيام تلقى الرئيس الفرنسي جاك شيراك هاتف سري من الرئيس اﻷمريكي جورج بوش حيث طلب منه أن يشارك الجيش الفرنسي الجيش اﻷمريكي في مهمة مقدسة ﻷن ( يأجوج ومأجوج بدأوا بالظهور في آسيا الوسطى. وأن تنبؤات الكتب المقدسة بدأت تتحقق لذلك يجب محاربتهم قبل تدميرهم للقدس ) طبعا الرئيس الفرنسي بعد سماع هذه الكلمات من الرئيس اﻷمريكي لم يصدق أن رئيس دولة عظمى يملك مثل هذا التفكير السطحي والتعصب الديني . ولكن مهما كان اﻷمر فالنتيجة كانت دخول القوات اﻷمريكية العراق وإسقاط نظام صدام حسين. هذه الحادثة ذكرها توماس رومير أستاذ اللاهوت الذي إستعان به الرئيس جاك شيراك ليشرح له ما أخبره جورج بوش عن يأجوج ومأجوج.

إذا تمعنا جيدا في كل ما تذكره الكتب المقدسة سنجد أن كل ديانة تعتبر قومها هم المؤمنون وأن شعوب يأجوج ومأجوج عند خروجه سيحاول القضاء على هؤلاء المؤمنين وأن الله سيتدخل لحمايتهم والقضاء على تلك الشعوب الفاسدة. فحسب الرئيس اﻷمريكي السابق جورج بوش - كما ذكرنا أعلاه - بأن قوم يأجوج ومأجوج هم المسلمين بقيادة صدام حسين. .. وهناك آخرون يعتقدون أن روسيا هم شعب يأجوج ومأجوج. . وآخرون يعتقدون أن أمريكا هي المقصود بها. ...

فهناك آراء عديدة متناقضة فيما بينها عن يأجوج ومأجوج تجعلنا نرفضها تماما ﻷن كل رأي نجده يأتي من قاعدة فكرية عشوائية يسيطر عليها التعصب الديني وليس من فكر منطقي يعتمد رؤية شاملة هدفها الفائدة العامة للإنسانية بأكملها.

من خلال ما تذكره الكتب المقدسة نشعر وكأن قوم يأجوج ومأجوج يظهر كل فترة وفترة ويقوم بالفساد وإضطهاد المؤمنين ولكن دوما يحدث التدخل اﻹلهي ليينقذ المؤمنين من وحشية يأجوج ومأجوج، فكما رأينا في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي حيث يذكر بأنه كل ألف عام الشيطان يأخذ حريته مرة أخر ليفسد اﻷرض فيخرج معه يأجوج ومأجوج لمساعدته.فهذا يعني أن يأجوج ومأجوج قد ظهروا في الماضي عدة مرات ولكن الله أرسل أشخاص أو ديانات جديدة للقضاء عليهم لذلك القرآن الكريم يذكر يأجوج ومأجوج في سورة اﻷنبياء ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) وهذا ليس صدفة ولكن دليل على أن سبب نزول اﻷنبياء هو القضاء على قوم يأجوج ومأجوج . وأيضا تم ذكرهم في سورة الكهف التي تأتي قبل سورة مريم وهذا له معنى أن الله أرسل إسكندر المقدوني الذي ولد قبل عيسى ب350 عام ليقوم هو بالقضاء على يأجوج ومأجوج وذلك ﻷن عيسى عليه السلام هو وأتباعه لن يحملوا السلاح ولن يشاركوا بأي معركة أو أي عملية عنف.

كل هذه اﻷشياء المذكورة في الكتب المقدسة ليست صدفة ولكن تحمل داخلها رموز تشرح لنا حقيقة يأجوج ومأجوج بشكل يفهمه عقل اﻹنسان. وسنحاول شرحها واحدة تلو الأخرى لنصل إلى المعنى الشامل ليأجوج ومأجوج :

لماذا أختار الله عز وجل إسكندر المقدوني ليكون رمزا لذلك الشخص الذي سيصنع سدا بين يأجوج ومأجوج والمؤمنين ؟. فهنا نجد أن إسكندر المقدوني لم يقضي عليهم كما يحدث في سفر حزقيال وسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي ، ولكن أغلق عليهم البوابة لكي لا يستطيعوا الوصول إلى المؤمنين ﻹيذائهم ، وسبب ذلك هو أن إسكندر لم يكن نبيا أي لم يكن قائدا روحيا. فالشخص الذي بإستطاعته قتل هؤلاء يجب أن يكون نبي من أنبياء الله ، وهذا يعني أن يأجوج ومأجوج هم رمز يعبر عن صفات روح السوء وليس عن أشكال جسدية قبيحة، أي أنهم ناس عاديون ساروا في طريق السوء لتحقيق رغباتهم وشهواتهم وليسوا مخلوقات خرافية كما يصورها البعض.

إسكندر المقدوني هو رمز يعبر عن إستخدام الرؤية المادية في صالح الرؤية الروحية بهدف الوصول إلى رؤية شاملة من جميع زوايا الحدث أو الشيء. لذلك نجد إسكندر المقدوني قد رفض منطق أرسطو المادي وخرج بجيش صغير ليتحدى جيوش العالم بأجمعها لينقذ شعوبها من حكامها الفاسدين في ذلك الوقت. وليثبت لإستاذه أرسطو أنه هناك منطق أرقى من المنطق المادي الذي يؤمن به وهو المنطق الروحي الذي تم به خلق الكون والذي يقول بما معناه ( وكم من فئة الصغير غلبت فئة كبيرة بإذن الله ) إي هنا النصر يأتي من الله وليس من حجم القوة كما هو في منطق أرسطو.

قد يتساءل البعض ما علاقة القمار والسحر في قصة يأجوج ومأجوج. . القمار والسحر هنا هي صفات تعبر عن مدى تشوه نفسية اﻹنسان عن حقيقتها الطبيعية لتجعله يسلك سلوك لا علاقة له بأي منطق عقلاني. وللأسف جميع علماء اﻹنسان واﻹجتماع والتاريخ عند دراستهم لتطور اﻹنسانية عبر تاريخها الطويل وشرحهم ﻷسباب ظهور الحضارات الجديدة وكذلك أسباب إزدهارها وأسباب إنحطاطها لم يتطرقوا نهائيا لدور ( القمار والسحر ) في إنحطاط هذه الحضارات. ولكن الكتب المقدسة تذكرها بهذه الرموز البسيطة لتفسر جوهر أسباب ظهور الحضارات وإنحطاطها.

اﻹنسان هو كائن روحي أولا لذلك فهو يختلف في تكوينه الروحي عن جميع الكائنات الحية فالكائنات الحية هي كائنات تسعى إلى تحقيق حاجاتها المادية لغياب الحاجات الروحية ونوعية سلوكها يعتمد على الحفاظ على حياتها أو الحفاظ على نوعها وذلك عن طريق التزاوج ، ولكن اﻹنسان بتكوينه الحقيقي يسعى أولا لتأمين حاجاته الروحية لذلك كانت جهة تطور مجتمع الإنسان تختلف عن تطور مجتمعات الكائنات الحية اﻷخرى. فاخترع اﻹنسان الكتابة واﻷرقام فظهرت العلوم وشيئا فشيء وبعدها الحضارات والديانات لتفرض عليه واجبات تضمن سعادة المجتمع بأكمله. لذلك كان اﻹنسان دوما يسعى إلى عبادة الله ليساعده بمعجزاته لينتصر على قوى الشر ليحقق أحلامه الخارقة لقوانين الطبيعة كتحقيق السعادة القصوى والتي تتمثل بالجنة وكذلك اﻹنتصار على الموت عن طريق الخلود وأشياء كثيرة أخرى. جميع هذه اﻷشياء الخارقة التي كان يرغب اﻹنسان في تحقيقها دفعته إلى اﻹيمان بوجود قوة إلهية تسيطر على الكون بأكمله وهذه القوة اﻹلهية فرضت عليه واجبات مختلفة كالصيام والصلاة والعبادة ،حيث تحقيق هذه الواجبات الدينية في معظم أفراد المجتمع كان يؤدي إلى ولادة حضارات جديدة ساهمت في زيادة سمو اﻹنسان في سلوكه و أخلاقه وأيضا في تطوير علومه.

عندما كانت الحضارة تصل إلى قمة إزدهارها كانت العلوم أيضا تتطور وتصل إلى مرحلة أرقى من السابق فكان هناك بعض العلماء المطففين الذين يأخذون نتائج هذه العلوم فيستخدمونها بطريقة سلبية لتحقيق رغباتهم الشهوانية (المجد، المال، الجنس. .) فكانوا يحولون هذه العلوم إلى وسيلة نصب وإحتيال ﻹستغلال صفة حب تحقيق الرغبات الخارقة عند الناس، فبدلا من تحقيقها عن طريق العبادة والواجبات الدينية كانوا يحاولون تحقيقها بطريقة سريعة فكان العلماء المطففين يخترعون ألعاب خفية تبدو لأعين اﻵخرين وكأنها معجزات حقيقية. مشابهة لتلك التي يحلمون في تحقيقها عن طريق الدين والعبادة.

وﻷن الثروة الطائلة كانت ولا تزال تعتبر في نفوس الضعفاء قوة عظيمة تجعل اﻹنسان قادرا على أن يفعل ما يشاء ، لذلك كانت ألعاب القمار تسير جنبا إلى جنب مع تطور ألعاب السحر وذلك بهدف الربح المالي السريع دون الحاجة إلى أي تعب أو جهد، وﻷن عادة القمار تعتبر قوية جدا تصل إلى مرحلة اﻹدمان فكان لاعب القمار عندما يرى نفسه قد خسر يراهن بالتدريج على كل ما يملك من أراضيه أو بيته وأيضا على زوجته أو أولاده، هذا اﻹدمان كان له صفة العدوى ، فكان ينتقل في المجتمع مثل عدوى الكوليرا فسرعان ما كان يصيب معظم أفراد المجتمع فكان بين ليلة وضحاها يتحول اﻹنسان من سيد يملك كل ما يحتاج إليه إلى عبد لا يملك شيئا. وبين ليلة وضحاها يتحول أفراد القرية من أشخاص ميسوري الحال يعملون في أراضيهم إلى أشخاص عبيد لا يملكون شيئا و يعملون عبيدا عند شخص واحد إستطاع أن ينصب عليهم ويستولي على ممتلكاتهم عن طريق القمار والسحر.

اليوم أيضا من يتابع بعمق حقيقة الحروب والدمار اﻹقتصادي التي تعاني منه الدول وخاصة الفقيرة سيجد أن خدعة القمار والسحر هي السبب اﻷول في هذا الدمار، وأفضل مثال على ذلك هو ما حصل في رأسمال الضمان اﻹجتماعي للعمال في اليونان ، حيث ذهب رؤساء هذه المؤسسة ووضعوا رأسمال هذه المؤسسة كأسهم في إحدى الشركات العالمية ، فعندما كانت تزيد قيمة هذه اﻷسهم كانوا يأخذون اﻷرباح لهم شخصيا ، ولكن عندما كانت تخسر كانوا يضعون الخسارة على المؤسسة نفسها. واليوم معظم المؤسسات الحكومية في اليونان تشكوا من عجز مالي بحيث أنها لا تستطيع دفع رواتب تقاعد أولئك العمال الذين دفعوا قسم كبير من رواتبهم شهريا لهذه المؤسسات لتضمن لهم راتب تقاعدي محترم عندما يصلون إلى مرحلة الشيخوخة . ولكن للأسف في الواقع أموالهم كانت قد تم سرقتها بهذه الطريقة واليوم هؤلاء وقد وصلوا إلى مرحلة الشيخوخة يشكون من سوء المعيشة بسبب اﻷزمة اﻹقتصادية التي تعم البلاد ،فمن المعروف اليوم أن التعامل باﻷسهم أصبح مثل اللعب في القمار فقيمة اﻷسهم تتغير نحو اﻷسوا أو اﻷفضل كل يوم بحيث أصبحت مثل لعب القمار تماما ، وكما حدث في اليونان يحدث في جميع الدول وخاصة الدول النامية والديكتاتورية. لذلك ليس من الصدفة أن هناك فئة قليلة من الناس عددهم لا يزيد عن اﻷلف أو اﻷلفين يملكون أموال طائلة يستطيعون السيطرة على إنتخابات الحكومة في أكبر الدول كأمريكا وروسيا وألمانيا وغيرها والسبب ﻷن هذه الدولة العظمى نفسها مدينة لهم بمبالغ خيالية.

وكتأثير لما سبق اليوم نجد أيضا بأن كل شيء أصبح له علاقة بالمال. .فجميع المسابقات التلفزيونية تتكلم عن المبلغ الذي سيربحه المتسابق. وكذلك الرياضة بجميع أنواعها أصبحت تحت سيطرة مؤسسات الرهان والقمار.واليوم نسمع برواتب لاعبي الكرة لا يتخيلها عقل إنسان ﻷن اللاعب نفسه أصبح أداة الرهان.

أما بالنسبة للسحر فكان في الماضي متوقف على المشعوذين والمنجمين ولكن اليوم أصبح في كل شيء حولنا ،فمن يتمعن في الروايات السينمائية والتلفزيونية سيجد أن جميعها تعتمد على السحر وخاصة اليوم حيث وصلت التكنولوجيا السينمائية إلى مستوى تستطيع به التلاعب في جميع المشاهد لتخلق عالم خيالي ينافس العالم الخيالي الذي تتكلم عنه الكتب المقدسة ، فالسينما اليوم لم تعد فنا حضاريا يقدم لمشاهديه عمل فني يساهم في تنمية الروح وسموها ، ولكن أصبح أشبه بسيرك يقدم العجائب والمعجزات من خلال العنف والجنس.

سواء أعجبنا أو لم يعجبنا فنحن اليوم محاطين بقوم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون إلينا. ..

وسوم: العدد 675