من أيام الإسلام الخالدة في مدينة الباب
ذكريات ....
١/ استقبال الحجاج
استقبال الحجاج موسم من مواسم الخير في المدينة ، وهي عبادة يؤجر المشارك فيها ، إن الحجاج هم ضيوف الرحمن القادمون من مدينة الرسول عليه السلام وأنوارها تشع من وجهوهم ، وصور الكعبة المشرفة ينضح طيبها من ثيابها وقبلاتهم للحجر الأسود لازالت آثارها على شفاههم .
كل المدينة شيبا وشبابا ، رجالا ونساء يتراكضون ، اللقاء عند العقابيات مكان فرن الاحتياط اليوم ، المزاهر تطرب ، والنوبات الخضراء المتوجة بالهلال النحاسي الأصفر تمشي على أنغام المزاهر
النساء يزغردن بقوة والأطفال يتراكضون ، هاهي سيارة تلوح من بعد على الطريق القديم ، يتراكض حملة الأعلام صوب السيارة ، ينزل الحاج وكأنه ملك متوج ، وزعيم محبوب ، ويسير الموكب وكلمة الله أكبر تدوي حتى يصل الحاج إلى بيته المزين بابه ، المدهن ، والمنظرة تعلوه
اسأل العجائز عن المنظرة التي توضع على الباب المدهن ، الحارة كلها كسيت بالأبيض ، والخراف تذبح شكرا لله ، وشعب فقير يلتهم الرز باللحم ، موائد منصوبة ومواكب الفقراء تتناول الطعام ، طعام الحجاج بركة قد يغريك بالحج ، لاتنس أن الحج قديما كان بالسيارات الشاحنة ، ونادرا مايحج بالسيارة الصغيرة ، كما حدث للحاج مصطفى الأحمد الخضر باني جامع اليماني
بل أن أحد أقاربنا ومن معه من رفقاق حج ماشيا ، إنه الحاج حمادو الخضر بعد أن صاح بأعلى صوته خاطركم ياأبناء بلدي ؟؟؟
لاتستغربوا فقد حج هارون الرشيد وهو خليفة من بغداد إلى مكة ماشيا ، ومات رحمه الله في طوس غازيا ، هذا الذي صورته روايات جرجي زيدان بأنه صاحب جواري وغلمان ، وكذبوا ،
لقد أنصفه فخري البارودي حين وضع اسمه موضع الفخر بالنشيد الوطني منا الوليد ومنا الرشيد .. من الوليد ؟؟
الوليد باني المسجد الأموي وصاحب قبة النسر تحتها درّس الأعلام من الفقهاء والمؤرخين والنحاة ، بنوأمية هم أمجاد سوريا ، والشيعة الحاقدون يريدون طمس تاريخ سوريا بسبهم لسيد سوريا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، كان يحكم من بيت اسمه الخضراء أعظم وأعظم من البيت الأبيض .
٢/ يوم استقبال الشيخ مصطفى السباعي :
يوم من أيام مدينة الباب المجيدة ، يوم استقبلت العالم المجاهد وفارس السياسة السورية ونجم برلمانها ، صاحب عمامة يهابها الغرب والشرق ، هو الذي وضع في الدستور السوري مادة الفقه الإسلامي مصدر رئيس للتشريع ، وهو الخصم القوي للشيوعي الأحمر النائب خالد بكداش ، والسوري الملحد عصام محايري ممثل القوميون السوريون وكان لهم فرع واتباع في مدينة الباب ولانريد أن نسمي الاسماء فقد طواها الزمن وصارأصحابها رميما في القبور وسبحان الحي الذي لايموت
خرجت مدينة الباب وهي تلبس أزهى ثياب الاستقبال مع النوبات والمزاهر ، وتقدم ركب المستقبلين رجال صالحون أمثال أبو طاهر والشخ صافي الأخرس ، لما وصلت سيارة الضيف الكبير إلى معمل البلاط على طريق حلب وقف الصالحون يعترضون سيارة الضيف العظيم ،فنزل رحمه الله من السيارة وخلع الجبة والعمامة ، وكان يلبس سروالا قضويا ، بنطلون عريض جدا ، ومسدسه على جنبه ، ومشى مع الشيوخ حتى جامع فرحات ، والمسافة ٢ كم حتى وصل الى مركز الإخوان في دار فرحات والقى كلمة بليغة مكتوب بعض عباراتها في أعلى جدران مدرسة طارق بن زياد الذي رفع راية محمد عليه السلام فخلده التاريخ وصار مضيق جبل طارق علما في قلب البحر
رأيت الضيف المجاهد صاحب العمامة ابن حمص ونائب دمشق رأيته والله باللباس العسكري والغترة الحمراء والعقال قادما من صور باهر حيث كان يرابط دفاعا عن الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين وكان معه الوزير العظيم سفير سوريا في باكستان عمر الأميري ، رحم الله العالم والوزير ، وحيا الله شعب مدينة الباب الوفي المكرم للمجاهدين والعلماء الربانيين
٣/ يوم استقبال المرشد حسن الهضيبي :
مهرجان شعبي شهدته مدينة الباب لأول مرة عندما استقبلت إخوة مصر صالح أبو رقيق وسعيد رمضان والسباعي والمرشد القانوني الذي وقف كالطود شامخا في وجه الطغاة المستشار حسن الهضيبي ، وكان ذلك سنة ١٩٥٤ .
قبل يوم من الزيارة أرسل إخوان حلب فرق الفتوة ، وهم كشاف بلباس طويل ومعهم الموسيقى والطبول ، واخترقوا أسواق مدينة الباب تعلوهم الراية الخضراء سيفان ومصحف وكلمة الله أكبر
كما اخترق أسواق البلدة فرقة السيوف اللامعة بقيادة حمدان الشيخ علي المعروف بالزعيم ، في اليوم الثاني يوم الزيارة كان فريق من العائلة الشهابية عند قرية المديونة يقودهم الشهم النبيل عادل لطوف
وما أن وصل الركب الى المديونة حتى انطلق الرصاص من مسدسات أبو لطوف وصحبه ، وكان المرحوم إن شاء الله أمين يكن قد أعد موكبا من الخيول العربية الأصيلة الحقة
وانطلق ركب الضيوف بسيارات تسابق الريح لكن الخيول العربية من ترحين سابقت السيارات الفخمة ، ووصل الحصان الأول جامع فرحات قبل السيارة الأولى سيارة المرشد رحمه الله ، واسمه حسن على اسم حسن البنا ، وترجل المرشد ليحي الجماهير المكتظة ، ولا أظن أن رجلا أو صبيا أو امرأة لم يحضر هذا المهرجان الذي يكرم ضيوف المدينة ، وعندما وصل الركب سيرا على الاقدام أقسم الزعيم الشعبي أبو عمر العيسى أن الضيف يجب ألا يمشي على الأرض ، فكان يمد له عباءته الجديدة فاذا انتهت أقدام الضيف إلى آخرها رفعها ومدها ثانية أمام الضيف وهو يصرخ الله أكبر ولله الحمد
واستراح الموكب في بيت الحاج اسماعيل الخطيب وهو مكان المصور أديب وحلويات العلي ، ثم انتقل الضيوف إلى الجامع الكبير حيث تكلم فرسان البلاغة الشيخ مصطفى السباعي وسعيد رمضان المصري
حقا وصدقا إن شارع خللو ليس فيه موطئ قدم ، وكان ينظم السير في هذا الحشد الرائع الشيخ حمدان الصالح خطيب الجامع الكبير رحمه الله والشيخ العلامة الفقيه الحنفي محمد سعيد المسعود مفتي البلدة الذي استقبل الضيوف في بيته رحمه الله
أخذ الرجلين حماس كلام رسول الله عليه السلام فليكرم ضيفه ، وقد أجادوا وأحسنوا رحمهم الله وبللت قبورهم قطرات السماء بالرحمة والغفران
وصدف أنه في هذا اليوم اقتحم العبد الخاسر ناصر أسوار الشهامة العربية فاعتقل الآلاف بتمثيلية الاغتيال في المنشية ، وهي من صنع المخابرات الاميريكية ، كما أعلن رئيس مكتبه بعد تقاعده
ونصح الهضيبي بالبقاء في سوريا فأبى قائلا إخواني في السجون وأنا على موائد الكرم ، وسافر رحمه الله بالطائرة واعتقل في مطار القاهرة وسجن في زنازيين منفردة ، ونام على البلاط أشهرا ،وكتب بذلك الصحفي مصطفى أمين ، ونال من التعذيب الوحشي ماالله به عليم ، وأوصى الزعيم الكبير ضيف مدينة الباب بعد حجه أن يدفن في مقابر الصدقة مع الفقراء والمساكين رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، ونبينا عليه السلام يقول :
اللهم أحييني مسكينا ، وامتني مسكينا ، واحشرني مع زمرة المساكين ، أبشروا يافقراء ، ويامساكين بجوار النبي وصحبته عليه السلام
والله اكبر ولله الحمد
وسوم: العدد 675