من خطبة العيد 1440هـ بالحرم المكي
إن من تأمل في مناسك الحج، من أجر لمحسن نَسَكَ، وجزاءٍ للمخطيء، ليدرك بحق أثر الثواب والعقاب في توازن المجتمعات والأفراد، كما هو في العبادات.
ولا ينبغي لأي مجتمع مسلم، أن يغفل عن تحقيق ذلك المبدأ العظيم في أوساطه وعلى كافة أحواله، في عباداته ومعاملاته، وتربيته وفكره، وأسرته وبيئته، واقتصاده وإعلامه، وحقوقه على الذكر والأنثى، والشريف والوضيع، والغني والفقير.
كما أنه لن يستقر مجتمع انحاز إلى أحد شطري هذا المبدأ فوضع ثقله على الثواب دون العقاب أو العكس كذلك، فلن يفلح نهج لا يعرف إلا الثواب، ولا يسلك إلا مسلك الإرجاء.، وفي مقابل ذلك لن ينهض نهج لا يعرف إلا العقاب، ولا يسلك إلا طريق التنطع والمشادة والغلو.
ولأجل ذلك وصف الله أمة الإسلام بأنها الأمة الوسط، وما جعلها خير أمة أخرجت للناس إلا بتحقيقها مبدأ الثواب والعقاب، كل بحسبه، وهذا هو سر تفضيلها على من سواها من أمم، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً.
لأنها هي وحدها التي تملك هذا التوازن، وتمسك به مع الوسط حتى لا يغلب طرفا طرفا ولا يبغي جانب على جانب، ولولا هذا المبدأ، لتساوى المحسن والمسيء، والصادق والكاذب، والقاتل والمقتول، والله جل وعلا يقول: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ۚ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ.
إلا إنه ما عم مبدأ الثواب والعقاب مجتمعا إلا كان بين ذويه تعظيم للحقوق واتحاد ووئام، وسياج لا يخرق وحرز لا ينتهك، وما اختل هذا المبدأ في مجتمع ما إلا علا بعضهم على بعض وكره بعضهم بعضا واضطرب لديهم ميزان حفظ الضرورات الخمس.
فاختل أمنهم على *دينهم، وأنفسهم، وأموالهم، وعقولهم، وأعراضهم،* وتمادى المخطئ في خطأه وتراجع المحسن في إحسانه، فيضيع ميزان الله الذي ارتضاه لنفسه، وحض عليه خلقه، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.
وقد أكد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد.
وسوم: العدد 837