قضية المؤامرات على هذه الأمة
19 / 4 / 1985
العلامة محمود مشّوح
(أبو طريف)
إن الله مـع الذين آمنوا والذين هـم محسـنون .. أما بعـد أيها افخوة المؤمنون :
ففي الجمعة الماضية لا أعرف على وجه الدقة تفاصيل الكلام الذي قلته ، لم أكن في حالة ذهنية ولا نفسية تجعلني واعياً تمام الوعي للصغيرة والكبيرة من حديث زاد على ساعة ، إلا أنه يخيّل إلي أنه كان هناك خيط ينتظم أجزاء الكلام ، وكان الخيط فيما أتصور تعبيراً على نحوٍ ما عن الهمّ الذي يعانيه ويعالجه كل معنيٍّ بشؤون هذا الدين وبشجون هذه الأمة . في كل ما جرى ويجري ـ وبقطع النظر عن كل تحفظ قد يقوم في الذهن ـ فالإنسان في مسيرة الحياة والناس مجتمعين كذلك يجد نفسه والناس أيضاً يجدون أنفسهم أمام حقائق ، لا أعني بالحقائق معناها العقلي ، فقد تكون هذه الحقائق غير عقلانية بالمرة ، ولكنها موجودة . وحين أقول يجد الناس أنفسهم أمام حقائق فإنما أعني بالضبط ومنعاً لأية أوهام الواقائع المادية الموجودة بالفعل بقطع النظر عن صحتها أو خطئها . وغني عن البيان أن هذه الحقائق الماثلة تفرض نفسها على الناس ، بالتالي توجب عليهم أن يحسنوا التعامل معها ، بمعنى أن يكونوا قادرين على استثمارها واستخدامها لصالح الهدف الكبير الذي يتحركون نحوه جميعاً .
باعتقادي أننا اليوم وإلى سنوات قابلة بالتأكيد سوف نجد أنفسنا مرغمين على أن نكون في غاية اليقظة والحذر ، وعلى أقصى درجات المسؤولية والحس بالرقابة الإلهية أمام إحدى أكبر هذه الحقائق إن لم تكن أكبرها بإطلاق ، وهي ما ألمحت إليه في الجمعة الماضية من أن الأحداث التي مرت بالبلاد وما تزال ، والتي أحسب أنها ستستمر ، لأن كل ما في الجو يوحي بذلك ويحتم ذلك . إن هذه الأحداث ستفرز إن لم تكن أفرزت بالفعل طوائف من الناس ، أجيالاً ، ما كان الإسلام يشكل بالنسبة إليهم هماً ولا موضوعاً من موضوعات الفكر ، كانوا على هامش الحياة حتى انتبهوا من خلال عجيج الحوادث وضجيجها إلى أن هناك شيئاً اسمه الإسلام ، وأن هذا الإسلام يخوض إحدى معاركها القاسية ، وأن هذا الإسلام يتعرض لمحنةٍ قد تكون أشد رهبةً وأعظم فتكاً من كل ما مر به في تاريخه الحديث . كذلك فإن عجيج الأحداث وضجيجها بالرغم من عدم كفاءة الإعلام الإسلامي الذي رافقها أيقظ لدى الذين كانوا في الصف الآخر مشاعر كانوا ينيمونها ويخدّرونها عن عمد ، لأن لهم في الأنظمة المعاشة التي تعتمد الإغراء والترهيب والتخويف وسيلةً مثالية لجمع الأنصار وضم الأتباع وشراء الذمم واستغلال البشر . من هؤلاء الذين كانوا في الصف الآخر أناس استيقظت مشاعرها ورأوا أنهم يقفون على أرضٍ من الرمال المتحركة ، الأنظمة التي أولوها ثقتهم عبارة عن شباك ومصائد تجذب في حبائها البله والأغرار والحمقى وطلاب الشهوات وعشاق الدعة والراحة ، وليس لهؤلاء من وظيفة إلا أن يؤسسوا مجداً ويؤسسوا سلطاناً وينشروا سمعةً لزعامات وتوافه لو استقامت في الدنيا موازين الحياة فإن الواحد منهم لا يباع في فلسين في سوق الرجال .
وكشفوا كذلك أن نسيج الإنسان في هذا الوطن العربي الكبير ليس على نحوٍ مما صوّره له هؤلاء الأفاقون والممترون ، وفي الاخير أصبحوا يراجعون الأسس للمناهج والنظم والدعوات التي راجت في هذا الوطن منذ منتصف القرن الماضي وإلى اليوم ، واكتشفوا وللأسف متأخرين أن رؤوس هذه الدعوات يهود ونصارى وكفرة وملاحدة ، وأن من استنصح العدو فقد عرّض نفسه للبلاء المستطير ، وأن من استرعى الذئب فقد ضل . لذا كان الاكتشاف متأخراً جداً بعد أن أُثخن جسد الإسلام بالجراح ، وبعد أن أُعطي الاستعمار الفرصة التي كان يريدها ويحرص عليها لكي يمعن في تمزيق الأمة وزرع الخبال بين صفوفها . هنا اكتشف هؤلاء الناس أن نسيج الإنسان في هذا الوطن مرتبط ارتباطاً مصيرياً بالحقيقة الكونية العظمى التي هي الإسلام ، وأن أي إنسان وأية مجموعة وأي حزب وأية منظمة تتجاهل الإسلام أو تحذفه من ساحة الشعور والفكر والعمل ستنتهي لا محالة ومهما بذلت من مجهولات إلى ما انتهت إليه كل الأنظمة في هذا الوطن العربي المنكوب ببناء الفوقية بأنظمته الحاكمة ، ليتحول أذناباً صغيرةً ذليلةً منها ما يتبع الشرق ومنها ما يتبع الغرب ، وليس منها بالقط ما يشعر أن له أصالة يفيء إليها وأن له حقيقة يجب أن يكون وفياً لها .
هنا كانت صحوة الإسلام قدراً ، لكن لا يمكن إلا أن يصحو الإسلام ، لأن الإسلام حين تحلله هو أنا وأنت وهو وإلى آخره ، ونحن بشر ، حينما يكون الإسلام قوام شخصيتنا وعماد وجودنا فالمؤكد أننا سنرفض العدوان علينا ، لأن هذه هي سنة الله في أبسط مظاهر الحياة في هذا الكون ، حتى حيوان الأنيبيا الذي ليس فيه من علائم الحياة إلا ما يُلحظ في مبادئه الأولى تحت المجاهر القوية حينما تحرّضه يستجيب للتحريض . ونحن كبشر نتمتع ـ أي هذه البشر ـ بمعنى أطوار الحياة وأقصى درجات الحيوية ليس معقولاً أن نصبر على الهمز واللمز والغمز والطعن ، بل ليس معقولاً أن نصبر طويلاً على الأهاجي التي برع فيها ناس ليس لهم عرق يضرب في هذا الوضع ، وليس فيهم دم يجري من دماء أبناء هذا الوطن منذ كان ، وفي التاريخ القريب عونٌ للاستعمار الذي أناخ بكلكله على هذه الأمة ، وعما قريب سـيضعون أيديهم بأيدي الصهاينة الذين احتلوا قلب وطننا .
الأهاجي التي تنطلق من الأفواه الدنسة والملوثة ، التي توجه إلى أقدس شيءٍ في هذا الوجود في هذا الكون ، إلى الإسلام الذي هو كلمة الله والذي هو أمانة الله في عنقي وعنقك ، لم تفلح في زعزعة الإسلام ، ولم تفلح في تهوين اليقين لهذا الإسلام في قلوب المسلمين ، لكنها جاءت على العكس ، فتحت عيوناً بالأمس القريب كانت ترى في محترفي الزعامة وفي مذلي الشعوب وفي سرقة خيراتها وفي اللصوص المحترفين وفي الأفاقين وقطاع الطرق ، كانت ترى فيهم نماذج للوطنية والصدق والإخلاص ، حتى أحرجهم هذا الإسلام ، فأرجعهم إلى حقيقتهم ، أناساً ليسوا من الأمة لا يبكون لتاريخها ولا يبكون لحاضرها ولا يبكون للمستقبل . هذه الأجيال التي أفرزتها الأحداث التي مرت وستمر هي الهمّ الذي أحمله في رأسي وفي قلبي ، التعامل معها همٌ من الهموم الكبيرة التي تعيش معي دائماً ، هذه النقطة أتصوّر أنني أثرتها في الجمعة الماضية ورجوت أن يتنبه كل مسلمٍ بعد الآن إلى أن في أعناقنا واجباً ثقيلاً ، هو أن نمنح هذه الأجيال الطالعة الأسلوب الذي يستوعبها كي لا تنتشر وتفلت ، وأن نمنحها الأسباب التي تزيد في قناعتها بهذا الإسلام ، والتي تزيد من ارتباطها بهذا الدين ، والتي تزيد من قناعتها بأن الصحوة وحدها لا تكفي ، وأنه لا بد للإنسانٍ بعد أن يصحو من أن يتبين مواطئ قدميه وأن يفحص كل شيءٍ حواليه ، فإذا انتهى من ذلك فلا بد له من أن يعمل على ردّ العادية التي توّجه إلى دينه وإلى أمته وفي التحليل الأخير إلى شخصه بالذات ، هذه واحدة .
وأخرى .. أظن أنني لمستها لمساً خفيفاً ، أية ذلك أن الأسئلة التي طُرحت علي خلال الجمعة التي مرت ما كانت تنصب على هذه المسألة ، لقد قلت فيما أتذكر إن الإسلام كان هو المبرر وراء كل عملٍ عدوانيٍ وُجه ويوجه إلى هذه الأمة ، ثم مضيت في بيان بعض الوجوه الواجبات التي يترتب على المسلمين أن يقوموا بها . كانت التساؤلات تنصب كيف نعمل ؟ كيف نفهم ؟ القضية لم يقف عندها أحد ، لماذا كان هذا الإسلام هو المبرر وراء كل عمليات العدوان على هذه الأمة ؟ ما الذي يسوءني إذا كنت يهودياً أو إذا كنت نصرانياً أو إذا كنت شيوعياً ملحداً ؟ إذا لم أتصور أن هذا المعنى يستتبع عملاً يعود عليّ من حيث النتيجة بالضرر فلا معنى للانزعاج ، الشيء الذي أدركه العرب الأوائل منذ بداية الدعوة وقبل أن تكتمل الشرائع يغيب الآن عن أذهان المسلمين ، أو لا يولونه ما يستحق من عناية ، الشيء الذي يعرفه أعداء الأمة شرقيين وغربيين وفاسدين ومنحليين يعيشون بين أظهرنا ويتكلمون لغتنا وهم من جلدتنا نتغاضى عنه نحن ، مع أن معرفة الحقيقة على ما هي عليه تحدد أنماط الرد وأساليب الرد ، وإذا كنت أجهل لماذا يشكل الإسلام خطراً علي إن كنتَ هنا ؟ ولماذا يشكل الإسلام خطراً على اليهودي أو النصراني أو الملك ؟ فلا أدري كيف يتأتى لي أن أعتمد الوسائل المنتجة التي تؤدي إلى النجاح في معركة الحياة أو الموت ، هذه التي تخوضها الأمة .
دعوني أقف عند هذه النقطة وقفة قصيرة ، فقد لا يتسع الزمن للإفاضة فيها وقد لا تحتمل بعض العقول عمق التحليل الذي ينبغي أن يعتمد في تناول ظاهرةٍ من هذا القبيل ، لكن القليل يكفي إن شاء الله لكي يضعنا على أول الطريق ثم يتمحص الواجب على كل أحد أن يواصل التحليل والتعليل ، لكي يكون موقفه أكثر سلامة وأكثر صحة .
الإسلام دين الله طبعاً ، ورسالته إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وميراث هذه الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم ، هذه حقيقة . هذا الإسلام يتعرض للكثير والكثير من الصد والحجود والنكران ، عند هذا الحد لا بأس ، عقل يتحدث إلى عقل ، عاطفة تتلاقح مع عاطفة ، شعور يلامس شعوراً آخر ، لا بأس ، لكن الأمر لم يقف وما كان ينبغي أن يقف عند هذه الحدود ، لا بد للقوة المادية أن تأخذ مكانها في معركةٍ من هذا القبيل ، لا بد ، فكان الصدام عبر تاريخ الإسلام الطويل ، كان اصطدام ، والصطدام من بعد الصطدام أوهن القوى وشتت جسم الجميع وأطمع العدو الشرس ، وكان في التاريخ ما تعرفون ، ما بي من غرض أن أنبش سطور التاريخ ، لكني أحب أن ألفت النظر إلى معالم . حينما استحكم حب الدنيا من نفوس المسلمين في أواخر الدولة العباسية ، وبالرغم من كل مظاهر التمدن والرقي والاستبحار في ميادين العلوم ، وبالرغم من ترامي الرقعة الإسلامية التي امتدت إلى أندونيسيا في الشرق وامتدت إلى إسبانيا في الغرب وامتدت بالجنوب إلى سـواحل المحيط وامتدت في الشمال إلى حدود روسيا . بالرغم من هذا كله فإن المسلمين وقعوا صرعى تحت ضربات المغول ، كيف حصل هذا ؟ حصل بأن المسلمين غفلوا عن حقيقةٍ أساسية يلقنهم إياها القرآن تلقيناً جازماً قاطعاً ، لقد حذرهم القرآن كما حذرهم النبي الكريم الدنيا ، الدنيا ومفاتنها ومناعمها وسـائر ما فيها من مغريات ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ( يا قومي إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار ) والنبي الكريم عليه السلام يقول للمسلمين : والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تُفتح عليكم الدنيا فتنافسوها فتهلككم كما أهلكت من كان قبلكم . هل يسمح الإسلام للإنسان أن يتنعم وأن يتمتع بالطيبات ؟ لا ، وكيف يكون كذلك والله في القرآن يقول ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) لكن الشيء الذي يكرهه الإسلام هو أن تكون الدنيا في قلب المسلم ، الإسلام يريد للمسلم أن تكون الدنيا في يده ، ولكنه يرفض أن تكون الدنيا في قلب المسلم ، لأنها متى سكنت القلب واستقرت فيه أحالت المسلم إلى حرسٍ من أحلاس الدنيا لا يتحرك إلا بوحيها وتنقطع الصلة تماماً بينه وبين المثل العليا والأهداف الرفيعة التي رسمها الله له في القرآن ورسمها له محمد صلى الله عليه وسلم فيما نُقل إليها من سيرته ومن سنته المطهرة صلوات الله وسلامه عليه .
إن المسلمين ليسوا قوماً جاؤوا من الدنيا لعمارة الدنيا وحسب ، لكنهم جاؤوا إلى الدنيا ليعمروا الدنيا من أجل الآخرة ، فإذا وقفوا أول الطريق استووا هم وغيرهم وكانوا سلفاً سيئاً وقدوةً قبيحة للشيوعيين الآن ، الذين لا يجدون للإنسان غاية إلا متعة البطن ومتعة الفرج ، لو كان الأمر كذلك لكان المسلمون أول ناس يمكن أن يعدّوا الممهدين والمهيئين لظهور الشيوعية ، ولكن الإسلام أراد من المسلمين غير هذا ، أراد للمسلمين أن تبقى في قلوبهم خلائق الكفاح والصراع ، لأي سبب ؟ لأن الله العليم يعرف أن الباطل لن يلقي أسلحته وهو يرى الحق يعلو على ظاهر الأرض ، ويعرف أن الرذيلة والفجور لم يتواريا وهما يريان الفضيلة والعفة والطهارة مستحكمة في حياة الناس ، وإذاً فوضع الإنسان المسلم في هذه الحياة الدنيا وضع الجندي في ساحةٍ قتاليةٍ القتال فيها مستمر لا ينقطع إلا بانقطاع الدنيا ، فهو دائماً ينبغي أن يكون أهبة وينبغي أن يكون على بينةٍ من أمر نفسه وأمر عدوه على السواء . هذا الدرس الأولي تناساه المسلمون في أحضان الترف والنعيم التي وفرتها الفتوح وخلوع الأمم للمسلمين ، لكن ما كانت العاقبة ؟ كانت العاقبة أن جيوش التتار والمغول حين غزت في أواخر القرن السادس للهجرة لديار المسلمين نظرتَ فإذا كان ليس فقط غير مسلمين وليس فقط غير بشر وليس فقط حتى بهائم ، إن كان عندك زريبةً من البقر أو قطيعاً من الأغنام وجئتَ تشهر السكين لقتلها لهرب من بين يديك ثور من هنا أو نعجة من هناك ، هذه طبيعة المخلوقات ، حتى هذه الطبيعة المتمثلة في أحط مخلوقات الله أفقدها النعيم مجتمع المسلمين ، كان التتري يجمع في الزقاق الواحد في بغداد مثلاً ثلاثمائة أو أربعمائة من المسلمين ليقتلهم ، يقول لهم : أريد أن أقتلكم ، يفتش فلا يجد لا سيفاً ولا سكيناً ، يصفهم طابوراً واحداً ، ويقول لهم : انتظروا حتى أذهب لأجلب السيف ، فإذا عاد وجلب السيف استعرضهم بالسيف واحداً إثر آخر ، لو أطلقوا عليه بصاقاً لأغرقوه بالبصاق ، لو خلعوا نعالهم وضربوه لجعلوا جمجمته كالعجين ، ومع ذلك كان التتري الواحد في الزقاق من أزقة بغداد يقف الأربعمائة والخمسمائة من المسلمين ويذهب لإحضار السيف فيقتلهم واحداً إثر واحد . كيف حصل هذا ؟ رقابة من الداخل ، عدم وفاء بالعهود مع الله ، تآمر في الخارج على النحو الذي يحصل الآن تماماً .
هولاكو ما جاء إلى ديار المسلمين عن سابق تصور وتصوير ، لاحظوا ، لاحظوا الحوادث بعضها مع بعض ، واربطوا الأسباب بالمسببات وقيسوا وقائع التاريخ لتروا أين أنتم من خارطة التاريخ ، هولاكو لم يكن في نيته بتاتاً أن يغزو بلاد الإسلام إلا أنه تجمعت عوامل ، أولها : اليهودية العالمية منذ البعثة تخطط وتدبر، ولقد أفلحت في زرع الشكوك في نفوس المسلمين كما أفلحت في تقطيع الأواصر بين المسلمين . الصليبية العالمية تخطط وتدقق ، هل تنسى الصليبية أن الإسلام دق عليها أبواب باريس وأبواب غيرها ؟ هذا غير معقول ، لا يمكن أن تنساه ، لكن الصليبية واليهودية كلاهما عاجزتان أن تحدث أثراً حاسماً في حياة المسلمين باتجاه التدمير والتخريب . أين القوة الشابة الفتية ؟ هي القبائل التي انحطت من هضبة التبت التي هي التتار والمغول ، هولاكو أمه مسيحية وزوجته مسيحية ، بالتآمر والتشاور مع البابا في روما وُجد الاتفاق أن يقوم التتار بغزو بلاد المسلمين . رأيتم ؟ إلحاد ووثنية مع النصرانية . كذلك هولاكو يمكن أن يغزو بلاد المسلمين ممكن ، لكن هو لا يملك خارطة لبلاد المسلمين ، إذاً لا بد من العملاء داخل البلد المسلم ، مَن كان هؤلاء ؟ كان الوزير في البلاط المسلم أحد الأبالسة الكبار اسمه ابن العلقم ، شيعي نجس ، كان هو والزنادقة واليهود والنصارى عيوناً للتتار داخل الدولة المسلمة ، وحين حصل الاجتياح ووقعت بغداد تحت سنابك المغيرين كان هذا النفر الخبيث القذر النجس الذي يجد لد بيننا الآن أسلافاً يرفع الأعلام البيضاء فوق بيوته فيتجنبها التتار ، لكن المسلمين يُذبحون كما تذبح النعاج ، فهمتم الآن فهمتم ؟ واحد .
حينما دارت حرب البلقان في الحرب العالمية الأولى عام 1912 لكن الخبث الاستعماري يحاول جاهداً أن يطمس الحقائق ، عام 1912 بالضبط قامت حرب البلقان ، دهاقنة السياسة في أوروبا وفاقاً للموازنات والمقايسات بين القوى المتصارعة كان الغافل في أذهانهم أن القوة العثمانية سوف تتغلب على المناطق البلقانية التي انتقضت على السلطنة العثمانية ، لكي تمنع هذه الدول الدولة العثمانية من أن تحتفظ بنتائج انتصارها اجتمعت وأصدرت قراراً تقول فيه : لا يجوز للمنتصر أن يحتفظ بنتائج انتصاره ، أي أنه إذا احتل أرضاً نتيجةً للنصر ثم وضعت الحرب أوزارها وحل السـلام فمن الواجب أن تعود الأرض إلى أصحابها ، وليس جائزاً أن يحتفظ المنتصر بأرض الغير . هذا كان تحت هاجس إمكانية تغلب العثمانيين على دول البلقان ، لكن النتائج جاءت على خلاف ما كانوا يتصورون ، لم يكن أحد يدري أن الخلافة العثمانية شاخت وهرمت وأن الدود نخر فيها وأن مولانا السلطان فزاعة بساتين ، لم يكن أحد يدري بهذا . دول البلقان تغلبت على الدولة العثمانية المترامية الأطراف ، فأين ذهب قرار دول أوروبا ؟ الدولة العثمانية طالبت هذه الدول بتطبيق قرارها ، يومها أفهمها مسيو كوانت كاريه وزير خارجية فرنسا بأن ما أُخذ من أراضي الهلال للصليب فلا يعود إلى الهلال ، وما أُخذ من أراضي الصليب إلى الهلال فهو يعود إلـى الصليب ، أي أنه هناك صيف وشتاء على سـطح واحد ، إذا كان المسلمون مغلوبين فليبقوا تحت الذل ، وإذا غُلبت النصارى فيجب أن يُرفع عنهم الذل وهذه هي العدالة التي عودتنا عليها قوانين الأمم الكبيرة . لجأت الدولة العثمانية إلى مسيحي من لبنان فذهب إلى فرنسا وتحادث مع مسيو كاريه وقال له : إن هذا التصرف قد يولد نتائج سيئة لدى مئات الملايين من المسلمين ، ماذا كان جواب وزير خارجية فرتسا ؟ قال له : إنك نصراني عاقل ، إن هذه الأمم إذا اجتمعت فهي تشكل خطراً علينا ، ولكنها إذا تفرقت لا يبقى لها أي وزن ، وبالتالي لا خطر لها . لاحظتم ؟ هذه هي المعاملة التي نعامل بها ، لماذا ؟ لأن هؤلاء الناس يدركون تماماً أن كل شيءٍ من عدائهم للإسلام يبرره الإسلام بالذات ، لماذا لا يحمل هؤلاء نفس العقد نفس العداء لأمم كالهند والصين وما أشبه ذلك ؟ لماذا لا يحملون العداء ذاته لروسيا التي تشكل القطب الثاني بالنسبة إليهم لماذا ؟ الجواب بسيط ، تلك أمم لا رسالة لها ، والبوذية والكونفوشية لا تشكل شيئاً ولا تولد سلوكاً عملياً فيه قابلية الامتداد والانتشار . وكذلك فإن الشيوعية ليست خطراً على المجتمع الأوروبي ، لا تغتروا بالكلام الذي تنشره الدعاوى ويروج له الأغرار والتافهون ، إن الشيوعية والماركسية وجه من وجوه الحضارة البيزنطية التي تنتمي إليها شعوب أوروبا وشعوب أمريكا جميعاً ، وإذاً أين بقي الخطأ ؟ إن الإسلام كما قلت مبرر كل حركةٍ عدوانية توجه نحو هذه الأمة على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد المحلي ، الإسلام ماذا يريد ؟ دعك من جانب العقيدة فقد لا يكون مفيداً حالياً أن نتحدث عنه ، خذ جانب العمل ، الإسلام يطلب من المسلم أن يعيش حياةً نظيفة ، نظام الإسلام إذا استعرضته ما تجد فيه ؟ جانب العقوبات بالذات هذا الذي يرعب ويخيف ماذا فيه ؟ العقوبات المقدرة في القرآن وفي السنة محدودة ، القتل لمن قتل عمداً وعن سبق إصرار ، القطع لمن سرق ، الجلد لمن زنا ولمن شرب الخمر ، الرجم لمن زنا وهو محصن . فعقوبات الإسلام إذاً موجهةٌ نحو من ؟ نحو السفلة والأوباش وسيئي الأخلاق ، لا توجه نحو الناس الطيبيبن الذين يعرفون معنى أن يكون الإنسان إنساناً ومعنى أن يكون الشريف شريفاً ، فمن الذي يخاف من نظام الإسلام ؟ زبائن الخمرات ورواد المواخير ورجال النساء واللصوص ، سواء كانوا على المستوى العادي المبتذل أو على المستوى الكبير الذين يسرقون العقول والقلوب والأموال والأمم ، هؤلاء يخافون من الإسلام ، يخافون من الإسلام السكارى ، يخافون من الإسلام المنحطين من الناس الذين لا يرعون لأحد إلاً ولا ذمة ، الذين هانت عليهم كرامات الناس وأعراض الناس ، يخاف من الإسلام الفتاك الذين يعتدون على أرواح الناس ، إذاً هذا التصور يمنحنا القدرة على اعتماد أسلوبٍ في التفكير وأسلوبٍ في العمل يحدد لنا المجال بالضبط . حينما نرى موجةً عارمة تتجه نحو معاداة الإسلام ، فتش في الساحة ، إنك لن تجد بالتأكيد إنساناً شريفاً وطيباً وسوياً يحارب الإسلام ، كل الذين انتصبوا لمحاربة الإسلام مطعونون في أخلاقهم ومطعونون في ولائهم ووطنيتهم ومطعونون في شرفهم ، أما الناس الآخرون فلا يحاربون الإسلام .
في الخارج ، لما هذه الحرب الشرسة على الإسلام ؟ لماذا يكون المسلمون في هيئة الأمم المتحدة الأيتام على مائدة اللئام لماذا ؟ لأن كل أمم العالم تعرف هذه الحقيقة التي يتنساها الغثاء الذي أفرزه الزمن اليهودي حتى كانوا سادةً وقادة وهم في موازين الرجال كما قلت لكم لا يباعون بفلسين لأنهم لا يملكون أي مؤهل ولا أي مرشِّح يرشحهم للزعامة ويرشحهم للقيادة ويرشحهم للرئاسة ، كل الناس يعرف أن الإسلام حين قال لا إله إلا الله ماذا فعل ؟ قال كل مسلم : آمنت بالله ودخلت في الإسـلام ، بقي الكون بقي الوجود ، الكون كله صنفان : معهود وعاهد ، رب ومربوبون ، أما الرب فلن ينازعه أحد رداء الربوبية ، وأما المربوبون وهم العباد جميعاً فهم أسواء وأكفاء ، ليس أحد منهم سلطاناً على أحد ، وليس أحد منهم جباراً على أحد ، وليس أحد منهم مسيطراً على أحد . لهذا كان الإسلام السـلاح الماضي والوسيلة الوحيدة لتفجير النشاط الإنساني على أوسع مدى ، وكان الإسلام هو المنهج الوحيد في الدنيا الذي وفر للإنسان كل أسباب الإنسانية بما حرّم من إذلاله ومن العدوان عليه . وحين يكون الإنسان حراً كريماً على نفسه يرفض أن ينال شخصه الأذى والعدوان ، فبطبيعة الحال سيرفض بنفس القدر وأكثر أن ينال أمته شيء من هذا العدوان .
وبهذا تقرر فيها أعراف أعداء هذه الأمة أن الإسلام هو السد المنيع في وجوه أطماعهم وفي وجوه غاياتهم في هذه الرقعة من العالم ، من أجل ذلك فلا توجد أمةٌ على الأرض أبداً تكنّ شيئاً من الاحترام لهذا الإسلام وتنوي قدراً ولو قليلاً من الوفاء مع أبناء هذا الدين ، ومن هنا كان علينا دائماً أن ننظر لا بريبة بل باتهامٍ وتجريم لكل أولئك الذين يلقون بالمودة بالدولار أو بالجنيه ، لا ، هذا عدو وهذا عدو ، ولماذا ؟ ما الذي يجبرنا على هذه الأشياء ؟ كان المسلمون في الماضي أمةً واحدة ، هم الآن شراذم ، لا بأس ، أليسوا دولاً معترفاً بها وممثلةً في هيئة الأمم المتحدة ؟ بلى ، تعرفون نسبتهم إلى هيئة الأمم المتحدة ، إن الدول الإسلامية في المنظمة العالمية تزيد على ثلث أعضاء المنظمة ، وإذاً فهم قوةٌ هائلة في المنظمات الدولية ، هذا واحد .
أيضاً إن الإسلام بما هو عقيدة نامية ومتحركة تتوفر لها أعلى وسائل الديناميكية ، فهو قوة يمكن الاعتماد عليها ، بل يجب الاعتماد عليها ، لماذا ؟ فإن المسلمين يقعدون الآن في سرة العالم ويتحركون في طرق المواصلات البرية والبحرية والجوية ، ويتربعون على الثروات التي تعيش عليها الأمم الأخرى ، هل تعرفون يا شباب يا إخوة أن بريطانيا العظمى مواردها لا تكفيها ستة أسابيع فقط ؟ هل تعرفون موارد الجزيرة البريطانية لا تكفي الشعب البريطاني أكثر من ستة أسابيع ، وبعد ذلك يأكلون صخر الجزيرة ، هل تعرفون يا إخوة أننا نقدم للناس سبعين بالمئة من الوقود الذي تقوم عليه الحضارة الصناعية المعاصرة ؟ هل تعرفون ذلك ؟ هل تعرفون يا إخوة أننا نملك ضمن المجموعة الدول النفطية مردوداً مالياً نقدياً يوازي ميزانية أكبر دول العالم ثلاثة مرات سنوياً ؟ هل تعرفون أن المورد النفطي لو وُزّع عائده لكل بشر وكل أنثى وكل صغير وكل كبير في هذا الوطن الإسلامي المترامي الأطراف يصيب كل فردٍ في العالم الإسلامي ما يساوي ألفين وخمسمائة ليرة سورية في السنة ؟ هل تعرفون أيضاً أن الأمة الإسلامية تملك ـ وهذه مزية بالرغم من مظاهر المدنية التي تدعو إلى تحديد المبلغ ـ نملك قدرةً على التنامي السكاني يمكن أن تهدد العالم في نهاية عام ألفين ؟ أنتم قد لا تعرفون لكن خصومكم يعرفون هذه الأمور التي ذكرتها لكم ، معرفتها هي التي دعتني إلى أن أقول لكم في الجمعة الماضية وبهذه الجمعة أيضاً إن الإسلام يكمن وراء كل مبرر للعدوان على هذه الأمة ، وإلا فلا مبرر لهذا العدوان ، ما لنا من الخارجيين ، دعونا بمصيبتنا دعونا بمشاكلنا ، هذا الإسلام التي شبعت بلاده ، شبع اتهامات ، شبع بذاءة ، شبع سفاهة ، لم أسمع وعلى مدار التاريخ وعلى مدار التاريخ كله أن دين الأمة يتعرض للهجاء بهذا الشكل أبداً ، أمامكم القرآن اقرأوه ، اقرأوا وقائع الصراع بين الإسلام والوثنية ، لم تقل الوثنية ولا عشر معشارٍ الذي قاله مدعو القومية ، لم تقل الوثنية كذلك ، لماذا ؟ لأنهم على نحوٍ مما حللنا وعلى نحوٍ مما شرحنا في غير هذا المكان ، قلت إنه من غير المقبول أن نربط الإسلام مع الغير ، ورميت القفاز في وجه مدعي الوطنية وقلت لهم : أي نظام في العالم العربي يجد في نفسه الجرأة على أن يرفض علناً وصراحةً مقررات الأمم المتحدة وملاحقها الخاصة بقضية فلسطين وأن يستعد للحرب فنحن مستعدون لأن نموت تحت هذا اللواء وأن نموت تحت يديه ، وقلت : إن أحداً لن يفعل هذا .
حينما كان الإسلام يخوض معركته في هذا البلد كان يتُّهم بأنه عميل للسادات ، في غير هذا المكان قلت إن الإسلام لا يقال له هذا الكلام ، إن السادات رجل خرج على أمته وخرج على دينه ، ولكن أهو سادات واحد ؟ أم سادات كثيرون ؟ ولفتُّ الأنظار إلى أنه بالتأكيد لم يكن عزيز التقدمية في مصر السيد خالد محيي الدين هو الذي قاد المظاهرات من الأزهر احتجاجاً على معاهدة السلام المصرية ، بالتأكيد خالد محيي الدين مكانه ليس في الأزهر ، وكذلك الفريق البطل سعد الدين الشاذلي الذي يقيم الآن في هذه البلاد ، لم يكن هؤلاء بتاتاً هم الذين يقودون المقاومة في وجه التسوية مع إسرائيل ، إن وطئة المقاومة تقع على أكتاف المسلمين في الذات . هذا كلام قلته قبل شهر أو أكثر ، لماذا ؟ كان الله لهؤلاء المساكين ، المساكين ليسوا المسلمين ، المساكين هم المسوخ الذين يسمون أنفسهم حكاماً ، سنرى كيف يكون التفريج وكيف يكون التخريف وكيف تكون التمثيلية ، أمس السادات يحجم الدعوة الإسلامية ، ويلغي الجماعات الدينية ويغلق المدارس الدينية ويعطل الصحف الدينية ، لماذا ؟ من أجل البابا شنودة ؟ لا لا ، إن شنودة ليست له قضية مع السادات إلا قضية المادة الثانية من الدستور ، شنودة زعلان ليش ؟ لأن مصر دولة إسلامية أساس التشريع فيها هو الإسلام ، ولأن مصر فيها جماعات إسلامية تحمل لواء المقاومة ، السادات حينما يضرب الجماعات الإسلامية ويعطل صحفها ويغلق مدارسها ويعتبر هذه الأشياء محرمة بنص القانون وبمجرد قلم يجعل ملايين الناس خارجين على القانون ، فسيرضى البابا شنودة ، سيرضى لأنه ليست لديه قضية إلا هذه . اسألوا المفاليك عندنا ، اسألوا الذين لم يتقنوا بعد فن التمثيل كما أتقنه السادات ، كيف سيخرجون التمثيلية بعد الآن ؟ إذا كانوا المسلمون في مصر هم أعداء التسوية ، فكيف يوفّقون بين هجومهم على المسلمين هنا وبين طرب المسلمين في مصر ؟ إنني أريد أن أؤكد نقطة واحدة هي أن أقولها بملء الفم وبكل الصراحة اللازمة : إن المحاولات الجارية ابتداءاً وانتهاءً من حكام العرب ، كل هؤلاء مرتبطون بالاستعمار ، حينما يضربون الإسلام فلصالح الاستعمار يضربونه ، وحينما يضربون المسلمين فلكي يقضوا على كل أثرٍ للمقاومة لأنهم جميعاً مدعوون إلى أن يضعوا تواقيعهم القذرة على تسوية مذلة ومذلة لهذه الأمة .
أيها الأحباب يحارب الإسلام لهذه الغاية ، لأن القوم مدعوون إلى موقفٍ كهذا ، سيأتونه طائعين أو داخلين راضين أو كارهين ، ومن أجل ذلك يضربون العناصر التي يمكن أن تكون عقبةً في وجه هذه التسوية ، أبشركم لو أن الدنيا بقضها وقضيضها بشرقها وبغربها بشمالها وبجنوبها تكاتفت وتكاثرت وتعاونت على أن تجهض حرفاً واحداً من حقائق الإسلام فلن تقدر ، إن الغلبة لهذا الدين وإن النصر للمؤمنين ، وذلك نص قول الله ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الحساب ) ونص قول المولى تبارك وتقدس ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله لقوي عزيز ) هؤلاء الذين يظنون أنفسهم في حرب مع المسلمين واهمون ، إنهم في حربٍ مع الله ، ومن كان في حربٍ مع الله فهو مخذول وخاسر ومهزوم ، لا أحد ، إن الإسلام بخير ، وأقولها بكل ثقة وبكل طمأنينة ، ولكن هل يتحقق النصر بعد سنة أو أن يتحقق بعد مائة سنة ؟ ذلك هو ما يتوقف بالضبط على أسلوب تعاملنا مع الإسلام ، أسلوب تعاملنا مع الأحداث .
لقد هيأ الله لهذه الأمة يقظةً شاملة ، والله لو أردنا أن نقيسها على حجم ما بذلنا من جهود لرأينا أن النعمة أكبر بكثير مما قدمنا ، فهي إذاً نعمةٌ ساقها الله إلى هذه الأمة ، همي الأول وهمي الأخير ورجائي الأول ورجائي الأخير وأملي الأول وأملي الأخير عند إخوتي جميعاً هو أن يحددوا على ضوء الأفكار التي طرحتها أسلوب التعامل مع الأجيال التي تنبهت إلى أن ثمة شيئاً يسيء إلى الإسلام وإلى أن ثمة نظاماً اسمه نظام الإسلام وإلى أن ثمة حقيقةً تستحق أن يمنحها الإنسان نفسه هي الحقيقة الربانية المتمثلة في هذا الإسلام .
بعد هذا الكلام يغلب على ظني أنني لن أطرق هذا الموضوع مرةً أخرى ، وقد يجب أن أعود إلى الغرض الأساسي الذي يسوغ وجودي في هذا المكان وهو أن أعمل بقدر الطاقة على تهيئة الأجواء لبناء جيلٍ إسلامي نظيف مكتمل الشخصية ، ذلك يحتم علي وعليكم أن نعيد استعراض حقائق الإسلام شيئاً بعد شيء . هذه الكلمة أيضاً أخذت الوقت ، بعد هذه الكلمة لن أمنحكم أكثر من ثلاثة أرباع الساعة إن شاء الله ، سأخفف عليكم وسأخفف على نفسي ، هذه المرة قلت لكم الكلام الذي أشعر أنه أمانة ، الأمانة بكل عريها وبفداحةٍ ثقلها ، أترون سنستطيع أن نكون من الرجال الذين يؤدون الأمانة ؟ ذلك هو الأمل بالله ، والأمل بأمة محمد ، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والحمد لله رب العالمين.