الحلقة الثالثة من سورة التكوير
الحلقة الثالثة من سورة التكوير
الحلقة (34)ب الجمعة 16 رمضان 1396 / 10 أيلول 1976
العلامة محمود مشّوح
(أبو طريف)
إن الله مـع الذين اتقوا والذين هـم محسـنون .. أما بعـد أيها الإخوة المؤمنون :
ونحن نتعرف على فاتحة سورة التكوير ، ولو كنا نبحث السورة وأشباهها على نحوٍ مما يفعل المفسرون ودارسو القرآن الكريم لكان حقاً أن يطول الشوط أكثر مما طال . فالقرآن الكريم لا تنقضي عجائبه ، ولا يخلَق على كثرة الردّ ، ولا تشبع منه العلماء ، ولكنا ندرس هذه السورة وأضرابها مما نزل في بواكير الدعوة لنتعرّف على المهمات التي كُلّف المسلمون بالنهوض بها ، وعلى الأساليب التي أدّوها عليها ، وعلى الوقائع الاجتماعية التي هدفت الدعوة إلى تغييرها ، وعلى ردود الأفعال التي قابل بها المشركون هذه الدعوة .
لقد كانت نفسي تنازعني إلى أن أختصر الكلام اختصاراً لأنفذ من هذه السورة إلى سواها مما ينتظرنا في هذا المجال ، ولكني لا أظن أنني قضيت نحبي من الكلام عن فاتحة سورة التكوير ، وسيكون ظلماً للمرحلة التي تجتازها البشرية الآن أن نسرع الخطى إزاء أوضاع من هذا النوع قد يجب أن تأخذ من اهتمامنا ومن تفكيرنا الشيء الكثير . لأول مرة ونحن نرود سبع سور مما نزل في بواكير الدعوة نواجه وصفاً وتمثيلاً وتخييلاً وتجسيماً وتقريباً لموضوع اليوم الآخر بالكثافة وعلى النحو الذي تحدثت عنه فاتحة سورة التكوير .
وبالرجوع إلى سائر السور التي استعرضناها فنحن نلحظ أن الله جلّ وعلا ومنذ أول سورة لم يُخْلِ سورة من هذه السور من حديث عن اليوم الآخر في موضع أو في أكثر . ثم يأتي الحديث في فاتحة هذه السورة على هذه الدرجة من الكثافة والتنسيق والتركيز ليوقع في روعنا وليقرّ في أذهاننا نحن الذين نحاول بعد مئات السنين أن نتعرّف على تلك الجواء التي تنفست فيها الدعوة الكريمة ، وتحرك فيها قائدها المظفر النبيل محمد صلى الله عليه وسلم ، لنعرف من خلال ذلك أنما نحسبه اليوم يقع موقع البداهة قد كانت اللجاجة من قبل تمزقه تمزيقاً ، وأنما نحسبه اليوم موضوعاً هيناً كان يحتل من اهتمام الدعوة حيزاً هائلاً .
فليس معقولاً ـ والله أعلم ـ أن يأتي القرآن الكريم بهذه الأحاديث المتلاحقة عن اليوم الآخر واليوم الآخر في اعتباره هين ، أو اليوم الآخر في اعتبار المشركين لا شأن له . وسريع أقول إنه ليس مشروطاً أن يكون المجتمع المكي يظهر قدراً قليلاً من الاهتمام بقضية من القضايا حتى يمرّ عليها القرآن مرّ الكرام ، فقد لا يكون للقضية في المجتمع الجاهلي ذلك الضجيج ، ولكن القرآن بحكمته البالغة يركّز على هذه القضية ، أولاً : لما يعلّق عليها من أهمية من وجهة نظر الإسلام ، وثانياً : لما لهذه القضية من تشعبات في صميم الحياة الجاهلية توشك الحياة العامة أن تغطي عليها وتطمرها .
وموضوع اليوم الآخر من هذه القضايا ، ليس صحيحاً أن الإنسان الجاهلي لم يكن يكترث باليوم الآخر ، ولكني أحسب ـ والله أعلم ـ أن الإنسان الجاهلي بعد معاناة هذه القضية الصعبة ألقاها عن كاهله وحاول أن يتناساها ، لأنها في اعتباره كانت عصية على الحل . ولكن الواحد منا يحاول حيال كثير من القضايا أن يتجاهلها وأن يحذفها من دائرة اهتمامه ، فما تكون النتيجة ؟ هل يستطيع الإنسان أن يغسل حياته من قضية من هذا النوع ؟ أبداً ، إنها سوف تبقى تعكر عليه صفوه وتربكه في كل حين ، وكذلك الجاهليون في الوقت الذي حاولوا أن يصفوا حسابهم مع قضية اليوم الآخر بنوع من التفلسف الصبياني ، وبأفانين من الهزء والسخرية ، كانت هذه القضية تعمل عملها المخرب في سلوكهم وفي معتقداتهم .. وفي الأسبوع الماضي أو في الذي قبله ذكرت لكم أن هذه العقائد عكست نفسها على الحياة الاجتماعية فتركت لديهم تصورات وأوهاماً لولا هذه المعتقدات ما كان ينبغي لها أن تكون .
قلت إني ما قضيت نحبي من الكلام عن اليوم الآخر ، بقي علي أن أقول شيئاً قليلاً وأن أحتفظ للمستقبل بالشيء الكثير انتظاراً لما تعرضه علينا آي الكتاب الحكيم من هذا القبيل .
لقد كان الإسلام يقود المسلمين في معركتهم مع الجاهلية ، ولقد كان القرآن يترجم عن الوقائع وعن احتاجات الحركة ، ولو شئنا لقلنا باختصار إن القرآن هو الجواب الكامل عن الجاهلية برمتها ، بما فيها ما مسالك وأخلاقيات ، بما فيها من أعراف ونظم ، بما فيها من عقائد وتصورات .
والعرب الذين ابتُعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم قوم على إرث من إرث إبراهيم عليه السلام ، فهم ـ نسباً ـ يتحدرون من تلك السلالة الطيبة الطاهرة ، إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن . ومن الطبيعي أن تتسرب إليهم عقائد من عقائد الحنيفية التي جاءت بها إبراهيم ، ولكن طبيعياً أيضاً أن تعبث بها الأوهام والخرافات والأساطير .
ولقد كان للعرب تصورٌ حيال اليوم الآخر ، ولست أظن أن أمة من الأمم يمكن أن تكون من غير تصور على نحوٍ ما من اليوم الآخر . حتى اليهود الذين تخلو كتبهم المقدسة من الحديث عن اليوم الآخر يتصورون أن جنة بني إسرائيل على الأرض وليست في السماء ، فإنهم لا يفعلون شيئاً حيال صورة اليوم الآخر أكثر من أن يحولوا مكانها لا غير . والشيوعيون كذلك ، فقد قالوا كما قال السفهاء الأقدمون ( إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) اليوم الآخر في أذهانهم ليس بعد هذه الحياة ، ليس خارج هذه الحياة ، جنتهم في هذه الأرض وليست في السماء كما قال أساتذتهم ومعلموهم اليهود حذو النعل بالنعل .
فالأمة التي واجهها بالخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لو شئنا أن نضرب صفحاً عن المماحكات والمجادلات الصبيانية الصغيرة التي عرض القرآن لأنماط منها لوجدنا الأمر عندهم يستقر على النحو الذي عبّر عنه حكيمهم وشاعرهم قس بن ساعدة الإيادي الذي أدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً جمله الأحمر في سوق عكاظ وهو يخطب العرب الجاهليين متحدثاً عن المأساة التي مزقت الإنسان العربي لأنه لم يستطع لها حلاً في الجاهلية ، كان يطوف على الناس في سوق عكاظ وهو ينشد بعد خطبة طويلة مسجوعة ومحفوظة لدى الرواة يقول : في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر ، لمّا رأيت موارداً للقوم ليس لها مصادر ، ورأيت قومي نحوها يسـعى الأصاغر والأكابر ، أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر .
تلمسون من هذا الكلام الذي قاله حكيم من حكماء العرب في الجاهلية ، فرّ من المعاناة التي استعصت على الحل ، إنه يقرر ما هو واقع ومشهود ، الشيء المشهود أننا نرى الإنسان أنه يموت ، هذا أمر مقرر ومقطوع به ولا مجال إلى المماراة فيه أبداً ، ولكن ما بعد هذا ؟ أهي النومة الأبدية التي لا قيامة بعدها ؟ أم هي نومة موقوتة بعدها قيامة ومن بعد القيامة حساب ثم نعيم أو عذاب ؟ لا يستطيع الذهن الإنساني بما أوتي من طاقات وبما أوتي من قدرات أن يقضي في هذا الأمر على نحوٍ عقلاني تستقرّ عنده العقول والقلوب . ولهذا فنحن إذا عبرنا القرون ووقفنا في القرن الرابع عند حكيم من أعظم حكماء العرب وشاعر من أبلغ شعرائهم وكاتب من أمتن كتابهم هو أبو العلاء المعري رحمه الله تعالى نجد أنه يردد ذات الخلجات التي كانت تتخالج في نفس الإنسان الجاهلي :
أما اليقين فلا يقين وإنما أقصى اجتهادي أن أظن وأحبسا
هل هناك يقين بقيامة بعد هذا الموت ؟ اليقين أننا نموت ، ولكن لو نحينا الشرائع جانباً ، ولو نحينا أحاديث الأنبياء وتقريرهم أن قيامة الأموات حق وأن الآخرة حق ، فوسائل العقل لا تسمح لنا بأن نقطع بذلك قطعاً يقينياً .
وكما كان العرب الجاهليون يجبهون محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه طالبين برهاناً على اليوم الآخر حسياً يتمثل في إحياء الآباء والأجداد ليخبروا عما شهدوا وعاينوا ، كانوا يقولون ( فاءتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) فكذلك كان أبو العلاء يعبّر عن ذات النزوع ليس زيغاً في العقيدة ولكن تحدثاً من إطار عقلي خاص يريد بذلك أن يقرر عجز العقل عن الاستقلال بإدراك هذه القضايا العالية الرفيعة ، كان يتحدث عن ذات النوازع :
فهل هبّ من جدث ميت فيخبر عن مسمع أو مرا
ولو هبّ صدقّه معشـر وقال أناس طغى وافترى
الإنسان بما هو إنسان مفطور على أن يعرف ما يرى وما يحس وما يلمس ، أما ما تهديه إليه بديهة الحياة ، ما تهديه إليه قضية العقل ، ما تهديه إليه المقايسات الصحيحة ، فما أشد ما يماري الإنسان فيها ويجادل ويأخذ في اللجاجة . القرآن الكريم عرض لهذه القضية ، وجميل جداً وممتع جداً أن نتعرّف على الطرائق التي عرض بها القرآن لهذه القضية ، ولكن ذلك موضوع يأتي متسلسلاً في الآن بعد الآن تبعاً لبروز الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع أمامنا ، إلا أننا ونحن نواجه هذه الفاتحة على هذا النحو نحب أن نقول كلمتين في هذا الموضوع ، استعينوا الفاتحة من أولها ( بسم الله الرحمن الرحيم ، إذا الشمس كورت ، وإذا النجوم انكدرت ، وإذا الجبال سيرت ، وإذا العشار عطلت ، وإذا الوحوش حشرت ، وإذا البحار سجرت ، وإذا الموءودة سئلت ، بأي ذنب قتلت ، وإذا النفوس زوجت ، وإذا الصحف نشرت ، وإذا السماء كشطت ، وإذا الجحيم سعرت ، وإذا الجنة أزلفت ، علمت نفس ما أحضرت ) تصور هذه اللوحة المعروضة عليك في اثني عشر مشهداً ، تصورها ، تجد أن الكون كله يختلج بالنُذُر التي ستؤدي إلى انقلاب شامل في وضعية الكون ، الشمس ليست الشمس ، والنجوم ليست النجوم ، والجبال ليست الجبال ، وما كان في هذه الدنيا من حركة واضطراب قد أصيب بشلل ، ونسيت الوحوش غرائز الشر والعدوان والافتراس ، وألقت كل ذات بطن ما فيها وتخلّت ، ثم تصوّر دقائق الحسـاب ، يسأل الله تعالى عما كان في الدنيا ، ثم تصور هذه السماء مكشوطة أي أن مكانها خالٍ تماماً من كل ما يزينها الآن ، ثم هذه الجحيم المتسـعرة قد سُعّرت بانتظار أن تلتهم العصاة والمذنبين ، ثم هـذه هـي الجنة قـد أزلفت وقُرّبت ليدخلها المتقون والطائعون .
تصوّر هذا المشهد أمامك ، ستجد أن القرآن الكريم كان من الممكن أن يخبر عنه بتفاصيله كلها على غير هذا النحو وبغير هذه الصورة ، ولكن القرآن عُني بإخراج المشهد على هذا النحو الأدبي البليغ الرائع الذي يُحرك المشاعر ، وعلى نحو جسّم لك موضوع اليوم الآخر كأنك تشهده رأي عين وكأنك تلمسه لمس يد . تلك طريقة من طرائق القرآن يجب أن نرد فيها الحق إلى أربابه ، وألا نعتدي فندّعي لأنفسنا ما ليس لنا ، فنقول إن علماءنا الأقدمين رحمهم الله تعالى من الذين نظروا في كتاب الله وفسروا آيات الله تعالى كانت لهم حياله محاولات ، لا ندري هل نقول أنها نجحت نجاحاً تاماً ، وأظن أننا لو قلناها لجنينا على الحقيقة وظلمنا الواقع ، ولكنا نستطيع أن نقول باطمئنان : إن العلماء الأوائل كانت لهم في هذا الميدان محاولات ، ولكن المحاولة التي يشبه أن تكون محاولة علمية كاملة ، والتي لم يسبق إليها سابق ولم يلحق بها لاحق ، هي محاولة أستاذنا شهيد الإسلام الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى ، فلقد كان أول من اهتدى إلى أن التخييل والتصوير والتجسيم والتمثيل واستحياء المشاهد وعرضها على هذا النحو الحي المتوثب وسيلة من وسائل القرآن في التعبير وفي الإقناع كذلك .
لأول مرة يتمكن باحث فـي القرآن الكريم من أن يضع يده علـى قضية مـن أضخم قضايا القرآن ، ولقـد كتب رحمه الله تعالى فـي ذلك كتابين رائدين همـا ( التصوير الفني ) و ( مشاهد القيامة في القرآن ) ثم توّجهما بما أعجله الظالمون والسفاكون عن تمامه بـ ( الظلال ) . فرحم الله الأستاذ سيداً وأسكنه فسيح جنانه وجزاه عن الإسلام والمسلمين جزاء العاملين الجادين فيما يعملون .
تأسيساً على القواعد التي وضعها أستاذنا الكريم رحمه الله تعالى نستطيع أن ننفذ إلى ناحية هامة . من النواحي التي نريد تقريرها ونستخلصها قطعاً من مراجعتنا لمختلف أطوار النقاش والحجاج ووسائل الإقناع التي استخدمها القرآن الكريم لإقرار موضوع اليوم الآخر في أذهان الناس ، قلت قبل قليل وأنا أروي شيئاً لكم مما قاله أبو العلائل معري رحمه الله تعالى من أنه كان ينطلق من موقف عقلي جاف ، ولعمري إن هذه القضية قضية ينبغي أن يُنظر إليها بما تستحقه من اهتمام ، فنحن ما زلنا نشنّع على بعض الناس الذين يتخيلون ويتصورون ويستشفّون بأنهم أناس خياليون عاطفون غير عقلانين ، ينبغي علينا أن نفهم ماذا نعني بكلمة عقل وبكلمة عقلي وبأسلوب عقلي وبأسلوب عاطفي وما أشبه ذلك ، كي لا نتيه ، كي لا نضل .
المتبادر أن العقل عند القائلين به هو هذه الأقيسة المنطقية ، هو هذا البناء المحكم من المحاكمات الذي يشبه قوانين الرياضيات ، وهذا لا شك عقل ، ولو رجعنا إلى مدلولات اللغة لوجدنا أن العقل مشتق من العقال ، والعقال هو الحبل الذي تُشد به ركبة البعير حين يناخ في الأرض كي لا ينفلت هارباً . فالعقل في اعتبار الناطقين في لغة العرب الوسيلة التي تمنع الإنسان من الشرود بلا ضابط في تصوراته وفي تخيلاته وأوهامه . وطبيعي أن خضوع الأمور لمقاييس دقيقة أو لمشاهدات حسية عقل وعقال ، شيء يمنع الإنسان من أن يتجاوز الحقيقة الراهنة ليضرب في التيه الذي لا يوصل إلى شيء ، ولكن ونحن نقرر هذه البدهية علينا أن نمد أبصارنا إلى أمام ، هل صحيح أننا لا نقتنع إلا بهذا الذي تهدينا إليه محاكماتنا العقلية وأقيستنا المنطقية وتجاريبنا الحسية ؟ نقول : لا ، فنحن بمنطق وبعقل نعتقد الإسـلام ديناً صائباً ، ويصلي أحدنا ويصوم ويحج ويزكي ويتبتل إلى االله تبارك وتعالى وهو في غاية الحماس المؤسس على قناعة راسخة ، ذات الشيء الذي نفعله يفعله الآخرون . النصارى الذين يقولون إن المسيح ابن الله أو أن المسيح هو الله ، كذلك يا إخوة منهم من يترك الدنيا ويخلف وراءه مباهجها ويفر إلى الصحراء ، أو بالشيء المؤسس على الأقيسة المنطقية فقط ، فقد يقتنع معك بهذا ، ولكنه يقتنع بأساليب أخرى ، باستجاشة العاطفة ، باستثارة الأحاسيس ، بتصوير الأشياء على نحو مهوّل ، برسمها أمام ناظريه كأنها مشهد يتحرك وكأنه هو عنصر من العناصر التي يتحرك بها المشهد ، بأفانين طويلة ، باختزانٍ للتجارب وجزئيات القناعات يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وسنة بعد سنة حتى تراه فجأة يؤمن بشيء معين .
منافذ الاقتناع ليست واحدة ، ومن الجناية على الإنسان أن نتصور هذا الإنسان لا يفهم إلا لغة منطق أرسطو ، هذا خطأ ، فلغة أرسطو في منطقه لغةٌ قد يفهمها الخاصة الذين تعمقوا العلم ومحّصوا قضايا المنطق ، ولكن عوام الناس وأوساط الناس بل حتى المثقفين الكبار منهم ، هؤلاء الذين يملكون من شفافية النفس ونقاء الضمير وطهر القلب قدراً هائلاً ، لا يحتاجون إلى هذه الأقيسة الجافة وإلى هذه المحاكمات المقيتة الثقيلة الغليظة على الإنسان . هم يكفيهم أن يُلفت نظرهم مرة واحدة أو مرتين إلى شيء مشـهود أو إلى شيء متخيل ، ثم دعهم ، ثم دعهم بعد ذلك ، دعهم لأنفسهم فسوف يصلون إلى هذه القناعات . لو رجعنا إلى ساحة الحوار التي ملأها القرآن الكريم مع المشركين لوجدنا في رأس هذه الساحة استثارة المشاكل كالذي كان من فاتحة سـورة التكوير ، تقرأها فتشعر كأنك في المشهد ، ضمن المشهد ، ضمن هذه الحركة التي تتمخض عنها الساعات الآخيرة للدنيا ، والتي تتحرك بها الساعات الأولى للآخرة . ضمن المنظر الكوني الهائل الذي كان بالأمس على أحكم ما يمكن من النظام ، فإذا هو الآن يتخرب ، الشمس الي كانت تمد الحياة بأشعة الضوء والحياة انطفأت ، النجوم التي كانت تزين السماء فهي لها بمثابة المصابيح انكدرت ، البحار والأنهار التي كانت رياً وسلسبيلاً وماءً عذباً رواءً نميراً أصبحت بحراً واحداً مسجوراً مكتظاً ممتلئاً بالهزة الهائلة التي ترشح لليوم الآخر .
ثم ينقلك المشهد إلى الموقف العظيم الهائل ، موقف السؤال وموقف الحساب بعد أن بطلت الدنيا وبطلت أشياء الدنيا ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) حينما كان القرآن يُقرأ على العرب على هذا النحو ، كانوا يتحركون به ويتأثرون به ويعيشون هذه المشاعر ، قد لا يؤمنون بهذه القيامة على النحو الذي عرضه القرآن ، ولكنهم بما هم أهل اللسان وأرباب اللغة كانوا يحسون ويدركون جيداً إيحاءات هذه اللغة وإشعاعات هذه اللغة . وهنا لا بد أن نشير إشارة عابرة إلى أن من أكبر الجنايات على هذه الأمة ، ومن أضخم المؤامرات التي تدبّر لاغتيال حاضر ومستقبل هذه الأمة المؤامرت الخبيثة على لغتها الفصحى ، فالمبشرون والمستشرقون وأبالسة اليهود وغلمانهم الذين يعيشون بين المسلمين ممن تتلمذوا على أيديهم وحملوا مبادئهم وأفكارهم وأهدافهم من بقايا الصليبية الغابرة ونبت الصليبية الجديدة التي تتحرك اليوم في ديار المسلمين ، صليبية واضحة مكشوفة في لبنان ، وصليبية تتردى رداءً اليهودية في فلسطبين ، وصليبية أخرى هي أشد وأنكى تلبس ثياب الماركسية تتزيا بزي التقدمية .. كل هؤلاء يشكلون تياراً واحداً جارفاً له غرض واحد ، أن يقضى على هذه اللغة الفصيحة الشريفة التي نزل بها القرآن ، وأن تحل محلها اللغات واللهجات العامية ، كي يبتعد الناس عن القرآن ، ولعمري إن أعظم خدمة يقدمها الإنسان المسلم اليوم لأمته ولدينه ولمستقبله هي أن يعض بالنواجز على هذه اللغة الفصيحة الشريفة ، وأن لا يقرأ إلا بها ، وألا يتحدث إلا بها ، وواجبه الأول والأخير أن يقرأ باسـتمرار كتابها الأول وكتابها الأمثل كتاب الله تبارك وتعالى .
كان الإنسان العربي يا إخوة يسمع الآية والآيتين من كتاب الله جلّ وعلا ، فإما أن ينقاد ويزعن ويسلم ، وإما أن يتفلّت ويتأبى وينصرف كما يفعل الكافر المعاند . كم من المسلمين آمنوا إعجاباً بشخصية محمد صلى الله عليه وسلم ؟ هم قلائل ، هم فقط الذين اتصلوا به وعرفوه وأسَرَتْهم شخصيته الكريمة ، وأما الآخرون فإنما أسلموا انبهاراً بهذه الآيات التي تتلى من كتاب الله تعالى . تسأل لماذا ؟ هل لهذا القرآن كل هذا السحر ؟ هل هو قادر على أن يمارس أسْراً كهذا على النفوس ؟ نقول : نعم . ولكن الجناية جناية الزمان ، بيننا وبين اللسان في فصاحته ونقاوته أربعة عشر قرناً ، في ذلك التاريخ كان العربي يتكلم الفصحى كما تتكلم أنت العامية ، كانت لغته ، وحين نقول إنها كانت لغته فإنما نعني أنها كانت حياته بكل معنى هذه الكلمة ، لغة الإنسان ، كلام الإنسان ، عنوان حياته ، ترجمة أحاسيسه ، تعبير عن جمّاع وجوده كله ، ولهذا فالكلمة التي يسمعها الإنسان بلغته الأصلية وهو سليم السليقة مستوي الفطرة تحرك منه أعمق أعماق الوجدان . ولكننا نحن اتخذنا العامية عن الفصيحة بدلاً فبعدت الشقة بيننا وبين التأثر بهذا الكلام ، سمع الوليد بن المغيرة وهو من سادات قريش بعضاً من القرآن يتلوه محمد صلوات الله عليه فتأثر له ، وما له لا يتأثر ولا يرق وهو ابن اللسان ؟ فلما رأيت قريش منه ذلك قالوا : صبأ والله الوليد ، والله لئن صبأ لتصبأن قريش كلها . فذهب إليه أبو جهل يسعى ، قال له : إن قومك لا يرضون منك إلا أن تقول في القرآن قولاً يرضونه ، يعني أن تذم القرآن وأن تهجو القرآن ، قال : ماذا أقول فيه ؟ والله ما منكم أحد أعلم مني بأفانين القول ولا بالشعر ، هزجه ورجزه ، والله لقد سمعنا سجع الكهان وشعر الشعراء ، والله ما يشبه كلام محمد شيئاً من هذا ، والله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى عليه . شهادة إنسان يتذوق الكلام ويتأثر بالكلام ويعرف مقدار مضاء سلاح الكلام ، ولكنه إنسان كافر . قال له أبو جهل : إن قومك لا يرضون بهذا . قال : فدعني أفكر ، فلما انتهى من تفكيره قال : إنه سحر يؤثر ألا ترونه يفرق بين المرء وزوجه وولده ومواليه ؟ ونزل القرآن بهذا على نحو مما مرّ معنا في سورة المدثر .
هذه الواقعة تشهد أن سلاح اللغة إذا استخدم على النحو الصحيح سلاح ذو فعالية ، ولكنه سلاح يفقد كل معناه حينما نسخره لغايات بعيدة عن نطاق الحق ، لا يمكن مثلاً أن يكون سلاح اللغة فعالاً في مجال الباطل ، ولكنه يكون فعالاً في مجال الحق ، لسبب بسيط ، وهو أن اللغة تعبير عن الفطرة ، تعبير عن الحياة وعن الوجود الإنساني ، ترجمة لهذا الوجود ، والوجود له احتياجات ، كيف ترون الكون كله قائم على الحق وبالحق ؟ فكذلك الوجود الإنساني في صفائه وفي نقائه وفي فطرته الأساسية لا يتلاءم إلا مع الحق ومع أساليب الحق .
ولقد كان القرآن حكيماً جداً في استخدام هذا السلاح ، مضى يستخدم سلاح اللغة فيعرض لليوم الآخر ، ويعرض لأفانين أخرى مما جاء به هذا الإسلام هداية للناس وإرشاداً وإنقاذاً مستخدماً هذا السلاح الفعّال ، ولكنه سلاح واحد . سلاح ينقل إليك الحقيقة ، وسلاح يثير أمامك وبين جنبيك هذا الانفعالات التي تمهّد ساحة النفس لقبول القناعات الجديدة .
هل اكتفى القرآن بهذا في موضوع اليوم الآخر ؟ لا ، القرآن أيضاً سلك من أجل تقرير هذه الحقيقة لما يعطيها من أهمية شرحناها من قبل مسالك أخرى ، سلك مسلك النقاش والحجاج فأبان لهذا الإنسان العاتي المتجبر ، أبان له أنك أيها الإنسان إذا كنتَ تستكثر أن تُبعث بعد الموت فما أنت ؟ ما أنت في هذا الكون الهائل الكبير ؟ أنت هباءة تائهة تافهة لا تشكل شيئاً ولا تُعجز القدرة لا في قليل ولا في كثير ، الذي خلق السماوات والأرض والذي رتّب هذا الكون عاجز عن خلقك ؟ والذي خلقك عاجز عن إعادتك ؟ كان يقول لهم : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . وكان يقول لهم ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) وإلى آخر هذه المناهج الحجاجية التي كان القرآن يقودها معهم . ومع ذلك فالقرآن أيضاً عرض ، وأبادر فأقول إن هذه الأمور نافعة بالنسبة إلى الذين يعاينونها ويرونها وتحصل أمامهم ، وبالنسبة للمؤمنين ، عرض القرآن وقائع تقرأونها في القرآن كدلائل حسية وواقعية على إمكان قيامة الأموات ، اقرأوا مثلاً في سورة البقرة ( ألم ترَ الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال الله لهم موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) قبائل من الناس وضع الطاعون أو المرض في بلادها ففرّت من هذا البلد خوفاً من الموت ، فلما كانوا فـي الطريق قال لهم الله موتوا ، ثم أحياهم ، لكي يوقنوا بأن الله قادر على الإماتة فـي كل مكان وفي كل زمان ، ثم هو قادر على الإحياء .
وفي نفس السورة عرض الله تعالى قصة الذي مرّ على قرية قال ( أو كالذي مرّ قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) أحياه ( قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ) طعامك وشـرابك بقي على حالهما بعد مائة عام ، لم يتطرّق إليهما الفساد ولم تتغيّر لهما رائحة ( فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً ) تبيّنوا قدرة الله وتصوروا ، إنسان يركب حماراً ويمشي في الطريق ، يمر ّ على قرية خاوية ، لا ناس فيها ، مهدمة البيوت ، خاوية من الأحياء ، ويتساءل من خلال خاطرة مرّت على باله ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) بعد هذا الخراب والدمار الشامل ، هل من المعقول أن تقوم الأجساد مرة أخرى ؟ فيأتيه قدر الله ويميته ميتة واحدة مائة عام ثم يبعثه ، يركب الحمار ، الحمار يبلى ، يذهب اللحم ويتقطع العصب ويتفسّخ اللحم عن العظام ويكون رمة من الرمم ، بقية من بقايا حيوان ، معه طعام وشراب ، كذلك الطعام والشراب في مكانهما لا يصيبهما تغيّر ، ولا يدركهما فساد أبداً ، ثم يبعثه الله ويسأله ( كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم ) كأنما يتصورها نومة ضحوة أو نومة عصر ، يقول الله له ( بل لبثت مائة عام ) انظر .. هذا طعامك وشرابك على حالهما لم يتغيرا ، ولكن انظر إلى حمارك ، اليد في مكان والرجل في مكان والرأس في مكان ، اللحم لا لحم والجدل لا جلد ، وإنما هي كومة من عظام ، ثم يأمرها الله بأن تحيا ، فترى العظام تقفز وترى اللحم يأتيها فيكسوها ، ثم يتكامل الحمار عضواً فعضواً حتى يستقل كائناً حياً ، فلما يكون ذلك يقول هذا الذي تساءل ( أنى يحيي هـذه الله بعد موتها ) يقول ( أعلم أن الله على كل شيء قدير ) .
ويقصّ الله تعالى أيضاً قصة إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء وشيخ الأنبياء جميعاً ، الإنسـان الموقن عظيم الإيمان بالله تعالى ، ومـع ذلك يقول الله تعالى عنه ( وإذ قال إبراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ) إبراهيم يسـأل ، لا يسأل الله : هل تستطيع أن تحيي الموتى ولكن يريد أن يعرف الصورة كيف تحيي الموتى ؟ يسأله الله ( أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهنّ إليك ثم اجعل على كل جبل منهم جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم ) ويذهب إبراهيم فيأخذ أربعة من الطير يذبحهن ويوزع أشلاءهن على أربعة جبال ، ثم يقول لهن : تعالين ، فيأتينه سـعياً يتفجّرن حياةً .
وكذلك يضرب الله قصة المسيح عليه السلام إذ يخلق من الطين كهيئة الطير ، وكذلك يقصّ الله تعالى قصة أهل الكهف الذين ضرب على آذانهم سنين عدداً ، وكذلك يقصّ في سورة البقرة قصة القتيل الذي ادّارأ فيه أهله فيأمرهم الله تعالى بأن يذبحوا بقرة وأن يأخوا شلواً من أشلائها ويضربوا بها القتيل فإذا ضُرب القتيل بهذا الشلو قام حياً بعد الموت فأخبر عن قاتله .
هذه الوقائع نثرها القرآن الكريم بين يدي عمليات الإقناع باليوم الآخر ، ولكنها مفيدة بالنسبة لصنفين من الناس ، الصنف الأول هو الذي عاين الحادثة ، شاهدها ، يُفترض فيه أن يؤمن ، مع الاحتفاظ بأن بعض الناس تبلغ بهم اللجاجة الحد الذي ينكرون فيه ما يرونه رأي العين ، وكما كان يقول المعري رحمه الله :
ولو هبّ صدّقه معشـر وقال أناس طغى وافترى
الإنسان قادر على أن يُكذب الشيء المشهود المرئي المحسوس ، هذا صنف .
والصنف الثاني هم الذين يؤمنون بإخبارات الكتب الإلهية ، فنحن نؤمن بهذا استناداً إلى صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا أن هذا الكتاب جاءه من عند الله تبارك وتعالى ، وهذا الكتاب يتضمن هذه الإخبارات ، فنحن بهذه المثابة نؤمن بهذه الإخبارات .
فالقرآن كما ترون سلك في إقناع الناس باليوم الآخر مسالك متعددة لا مسلكاً واحداً ، إدراكاً منه بأن منافذ التعقل ومنافذ الاقتناع عند الإنسان ليس واحدة ، وإنما هي متعددة ، وأن الدعوة الناجحة هي التي تضرب على جميع الأوتار وتسلك إلى النفس الإنسانية جميع السبل وجميع النافذ لا تغادر منها شيئاً . وكل ذلك مؤسس على الأهمية البالغة التي يضفيها الإسلام على ضرورة الاقتناع والاعتقاد باليوم الآخر ، لأن الاعتقاد باليوم الاخر اعتقاد بكشف الحساب أمام الله تعالى ، وبأن الإنسان حين يعمل ويتصرف في هذه الدنيا فهو مسؤول ، وما لم يشعر الإنسان بالمسؤولية الحقيقية والمسؤولية الحقيقية هي المسؤولية أمام الله ، ليست النقد ولا النقد الذاتي وليست المسؤولية أمام القاضي وليست المسؤولية أمام أية هيئة حكومية . فكل هذه الجهات نستطيع أن نتلاعب بها ، ونستطيع أن نمرر عليها تزييفنا وتمويهنا للأمور ، ولكن هناك حينما يقف الإنسان أمام الله تبارك وتعالى لا تزييف ولا تغطية ، وإنما هو انكشاف كامل ، يُحصّل ما في الصدور ، ولا يستطيع الإنسان أن يخفي شيئاً ، وإذا حاول الإخفاء شهد عليه سمعه وبصره وجلده ( وقالوا لجلودهم لمَ شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ) .
فلا يمكن أن تستقيم حياة الإنسان على الجادة الصحيحة ، لا سيما الجادة ذات التكاليف والتي هي جادة الإسلام لمجرد أن يوكل الإنسان إلى ضميره ، ولمجرد أن يُترك لوجدانه ، ولمجرد أن يُترك لرقابة المحاكم ولسطوة القانون وسلطان الدولة ، لا يمكن أن تستقيم الحياة على هذا ، وإنما لا بد من أن يستقر في وعي المسلم وفي ضمير المسلم أن الحساب الكامل سوف يؤدى أمام الله تعالى ، وأن ذلك سوف يكون يوم القيامة . ومن هنا يأخذ اليوم الاخر أهميته الكاملة في نظر الإسلام .
أرجو أن يكون الكلام الذي قلته لكم الآن آخر ما أتحدث به عن اليوم الآخر في هذه السورة ، وأرجو أن يكون هذا الكلام حافزاً لنا جميعاً لكي نزداد رسوخاً ويقيناً بإحاطة علم الله تعالى فينا ، وبأنه تبارك وتعالى سوف يقفنا في يوم لا مردّ له من الله ، وسوف يسألنا ، فلينظر امرؤ كيف تكون حجته يوم تبلى السرائر وينكشف المخبوء ويكون باطن الإنسان كظاهره ؟ اللهم غفراً واللهم ستراً ، اللهم لا تهتكنا على روؤس الأشهاد ، وكما سترتَ في الدنيا فاستر علينا في الآخرة وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .