الإنسـان.. ديـّان
زهير سالم
أطلقت
تعريفات كثيرة على الإنسان للتمييز بينه وبين سائر الأحياء.. الآية القرآنية أشارت
إلى الإنسان، بسر ما نفخ فيه من روح سامية، أنه (خلق
آخر)،
علماء الأنثربولوجيا يؤكدون على أن الإنسان بطبيعته (حيوان
ديان)
كما قالوا عنه في سياق آخر (حيوان
ناطق).
ويبدو أن المجتمعات البشرية على اختلاف مواطنها وتباين مراحل نموها وتطورها لم تنفك أبداً عن عقيدة دينية. يحاول الإنسان أن يربط واقعه العابر بما (قبل) وبما (بعد)، فكل إنسان يطرح، بشكل أو بآخر، السؤال (من أين) و(إلى أين). وهذا هو جوهر القضية الدينية. تعددت الأجوبة على هذا السؤال فكانت الملل والنحل والعقائد والأديان ولكن الله سبحانه لم يخل عباده من جواب شاف واف يحل أمام أعينهم اللغز ويفسر لهم أمر بدايتهم، ويخبرهم عن شأن نهايتهم.
بقيت ظاهرة (الدُهريين) أو (الطبيعيين) أو (الوجوديين) أو (الماديين)، مصطلحات متشابهة حسب اختلاف العصور والتي تعني في جوهرها (الإلحاد) و(الكفر) و(الجحود)، ظلت ظاهرة شاذة ومحدودة في تاريخ الإنسانية. وظلت كذلك ظاهرة تقوم على مناكفة المجتمعات أكثر مما تقوم على علم واعتقاد حقيقي. وكانت من جهة ثالثة صورة من صور الهروب من عقيدة إيجابية إلى أخرى سلبية بمعنى آخر من (دين) إيجابي بناء وفعال إلى (دين) سلبي يملأ نفس صاحبه باليأس والقنوط.
ويبقى النزوع الديني أصل أصيل في تكوين الإنسان أو في فطرته، مثله مثل القانون الطبيعي الذي يهدي الإنسان تلقائياً إلى تحديد معالم الحسن والقبيح والخير والشر والحق والباطل.
المحاولات المشبوهة التي تشهدها الحضارة الإنسانية اليوم للعبث بهذه القواعد، وتزييف الحقائق المستقرة للقانون الطبيعي، وتجريد الإنسان من أساسيات القيم التي يؤمن بها، والتي يقوم عليها استقراره النفسي، وحياته الداخلية تعني فيما تعني خلق حالة من الفوضى والعبثية يسيطر فيها الهوى والنزوع إلى أشكال من تدمير الإنسان والحضارة. تأليه الهوى الذي تشهده البشرية اليوم تحت لواء الرأسمالية التي تطرح لذائذ الإشباع هدفاً للحياة البشرية حالة أشار إليها القرآن الكريم بوضوح وندد بأصحابها فقال: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) ولقوله تعالى في سياق الآية الكريمة وأضله الله على علم مغزى وأي مغزى ؟!
ربما تكون المعركة التي تدار حالياً على قواعد الحياة الإنسانية وثوابتها أشرس معركة شهدها تاريخ الأفكار.. حيث يتسلح الشر المؤدلج بكل عناصر القوة، ويمتلك القدرة على النفوذ إلى أخص خصوصيات الإنسان، ستكثر الضحايا ربما من أصحاب الإعاقات النفسية والسلوكية والمادية، من الأناسي المستضعفين، ولكن حقيقة خلق الإنسان (الخلق الآخر) ستبقى هي المستعلنة والغالبة، وإن بدا لنا غير ذلك حتى حين.
أعتى
الملاحدة الوجوديين الذي عاش عمره ينافح عن (هراء) الإلحاد والكفر عندما واجه الموت
كفاحاً نادى: ادعوا لي القسيس..