ما تبقى مني جزء 4 والأخير
اشتعال .....
كانت قد همت بالخروج
سيارة الاجرة بانتظارها عند بوابة المستشفى
اسرعت نحو البوابة الرئيسية غيرملتفة خلفها
كان كل شيء قد انتهى .
وكانت بقاياها كافية لها كي تعيش ما تبقى لها من حياة .
وداد ... اتاها ذلك الصوت الرقيق ..الحنون ..الدافىء ...
ذلك الصوت الذي كان كفيلا ان يذيب قلبها ويصهر كل جليده ...
كفيلا ان يعيدها لعواصف هائجة واحلام جامحة
نظرت وداد اليه ...لقد بدت علامات المرض واضحة عليه . كان شاحبا للغاية .لقد فقد بضع الكيلوغرامات من وزنه ..ولكن لقد كانت في عيونها ملايين الاسئلة بل مليارات ..
ارادت ان تنفجر في وجهه ان تسئله عن وعن وعن وعن...
لماذا فعل هذا ولماذا كذب عليها
ولماذا
ولماذا ؟؟؟
ولكنها وبمعجزة ما بقيت هادئة تماما.
مرحبا ياسر ..قالت وداد بنبرة جافة .
ماذا تريد؟؟ تساءلت وداد.
لقد تعجبت لماذا لم تقومي بزيارتي ...؟؟؟غير ان كريم اخبرني انك كنت بالخارج. لقد بحثت عنك في كل مكان ..
حقا يا ياسر بحثت عني ؟؟؟..تعجبت وداد
تبا لك ...اضافت وداد وبدأت تفقد اعصابها قليلا قليلا...
لماذا لم تتركني بحالي ..اأنت شخص عديم الاحساس ؟؟ حرام عليك ..وانفجرت باكية ...حاول ياسر ان يهدأها ..ولكنها قاومت ذلك بعنف .
ابعد يدك عني ..لقد اعدت اليك خاتمك ...لا اريد ان اعرفك حتى ...قالت وداد
نظر اليها ياسر ...وبدأ يسعل سعلات قوية ...
وداد هل تسمحين لي ...قال ياسر بضعف
انت تعرفين ما اريد ...اريدك أنت ...قال ياسر
انا لا اريدك ...قالت وداد وعيونها مليئة بالدموع .
انا اريدك ان ترحل من عالمي للابد ... اضافت بحزم
نظر ياسر للارض ...الم استطع ان اكسبك ..قاسية انت ...
وانت ....انت ماذا تصف نفسك ...اجابت وداد
انت اكذب شخص رايته بحياتي ...قالت وداد بعصبية ...
اسمع ليس معي وقت هناك سيارة تنتظرني ... اضافت وداد وهي ترتجف من فرط التوتر .
اجلسي يا وداد ..قال ياسر
مابك لماذا تتحدثين معي بهذه النبرة ...حتى لو رفضتي الزواج بي ...اريد ان نبقى اصدقاء ..ارجوك.. قال ياسر .
انا لا اصادق رجال ...قالت وداد
وهمت بالانصراف ...امسك ياسر يدها وشدها للكرسي ..قلت اجلسي اضاف بحزم
ماذا تريد مني يا ياسر ...وانفجرت بالبكاء ..حرام عليك ..اريد ان استقر ..اريد الراحة .
اريدك انت ...قال ياسر
انت متزوج ولك ابناء ..
غير انك لم تتحدث معي منذ وقت .لقد هربت كما فعلت بالماضي ..لماذا لم تهاتفني
غير انك غير مصاب الا بازمة..اين ذلك المرض الخطير الذي هجرتني لاجله؟
انت كاذب محترف ...
لقد خدعتني ....
قالت وداد وبدأت نبرات صوتها تخفت قليلا قليلا...لقد احست بحشجرة في صوتها ..والم بكل خلية في قلبها ...
جلس ياسرلقد كان متعبا للغاية .....
لقد عدت يا وداد للشكوك والظنون ...
هل تقبلين مني تفسيرا ...ام ستصدرين احكامك القمعية كالعادة...؟
لقد انتهى الامر يا ياسر ...قالت وداد
هل معك سيجارة ..قال ياسر
نظرت اليه وداد بدهشة ..ولكن انت ...مرض!
هل معك سيجارة ..اعاد ياسر السؤال ..انا لا افضل الموت بجلطة قلبية ...افضل الموت باي شيء اخر...
اجل معي . اضافت وداد
.واشعل كليهما سيجارة ...
وداد
لقد اخبرتك بزواجي .وهذه طليقتي...جاءت لتطمئن علي ...فنحن لا زلنا نطمئن على بعضنا .فقد كان بيننا حياة. ..
اما عن ابنائي .فهما بالتبني يمكنك ان تتاكدي من اسمهما
.فقد حاولت انا وزوجتي اجراء عملية زراعة ولكن دون اي نجاح. اما مرضي مرض هودجكين
فقد شفيت منه منذ زمن وانا اعمل فحوصات دورية والحمد لله كلها طبيعية حيث ان نسية الشفاء منه عالية .غير اني في الماض لم اعرف شيئا عنه .ولكن الاطباء اكدو لي انني تعافيت .
انا الا اخبر احد عنه غيرك انت حتى هؤلاء الاطباء هنا لا يعرفون
كان عليك ان تتاكدي من الفحوصات التي اعطيتها لك
لا ان تهربي كعادتك من الاحداث .
لقد اعطيتك حقيقة بعدي عنك في الماضي
اما عدم اجابتي عن رقمك لقد اردت ان تفكري وجيدا .
ثم اصابتني نوبة الازمة هذه فانا اعاني من الربو هذا فانا اعاني منه منذ الطفولة . ولكنها كانت شديده.
مهما كان تفسيراتك فهي لا تهمني ..اضافت وداد.
ولا استطيع ان اضل صديقة لرجل احببته قالت وداد بحزم.
ساد صمت طويلا ..نظر كلاهما لبعضهما ...لمعت عيناهما
وقفت وداد
وداعا يا ياسر....
امسك ياسر بيدها و
ضمها بقوة
و طبع قبلة على شفتيها
ثم حررها من حبه
وداعا يا حبيبتي ...
لا استطيع ان اعدك انني لن اراك
لكنني ساحاول....اضاف ياسر
صدمت وداد من ردة فعل ياسر
وان كان المشفى فارغا من الناس تقريبا
و رغم ان وجنتاها احمرتا من الخجل
الا انها احست بدفىء الحب ...
تمنت ان تكون تلك اخر لحظات حياتها ..بين يدي من احبت ومن تحب
لم تعلق وداد على كلمة مما قاله ياسر ولا على ردة فعله .
غادرت المشفى بهدوء
لقد كانت استقالت من العمل
ومن الحب
ومن الحياة
************************************************
رحالة....
ساسافر يا امي ..
لقد وجدت عملا في بلدة جيده .وبراتب ممتا ز
كما انني ساشتري شقة جيده
اريد منك ان تاتي معي
لا ....اجابت امها
لقد عشت بعد والدك بهذا البيت وحدي .وساموت هنا ...اضافت امها
ولكن يا ابنتي ..الى متى ستظلين هاربه؟ تساءلت
اريد منك ان ترعي ابنتي فيحاء .سابعث لها مصاريف الجامعة بانتظام قالت وداد وهي ترتب حقائبها
كم تمنيت ان اكون مثلك يا امي ..قالت وداد
ان احس بالاستقرار
ان احب المكان الذي اعيش فيه
ولكنني فشلت ...
ربما انه مكتوب علي الترحال طوال عمري .قالت وداد .
حسنا يا ابنتي قالت امها ..
***************.
مؤلم ان تعيش الحياة لانها لابد لها ان تمر
وان تسير الايام لانها ستسير
وان تحمل ما تبقى منك من بلد الى اخرى لتفقد اجزاء منك في كل مكان ..حتى بالكاد ان يتبقى منك شيء لك ...او لمن حولك ..
تصير عندها حطام انسان ...وبقايا روح
كانت وداد تجلس بالمطار منتظرة رحلتها بصحبة ابنتها الصغرى ..
عندما .....
.
مرحبا وداد ..
مرحبا ...اجابت وداد
كم بقي على اقلاع الطائرة ...
ساعة ..قالت وداد
هل تسمحين ان استعيرك قليلا وسترافق ابنتي ابنتك.
نظرت وداد لصاحب الصوت طويلا
و سارت معه بالقرب من نوافذ المطار
جلس كلاهما لاحتساء قدح قهوة ساخنة
اذن اخترت الرحيل يا وداد ...... قال صاحب الصوت
اجل.... يا ياسر .....اجابت وداد
لقد جئت لاودعك ..لم استطع ان احرم نفسي من ذلك . قال ياسر بحزن .
اعلم ان كل وثائق الدنيا لن تؤكد او تدحظ اقوالي في نظرك .لقد اصدرتي حكمك علي دون جلسة استيناف.
ابتسمت وداد
ما اغربك يا رجل ...ولكنني ساشهد لك دائما ببراعتك في الكلام .
ابتسم ياسر
اذن هو الفراق ....قال ياسر
لم يكن هناك لقاء حتى يكون فراق ...صدقني ...قالت وداد
انهت وداد قهوتها بصمت .
اتسمحين لي برقصة وداع..؟... قال ياسر
لا ...اجابت وداد.... لن اجعل من نفسي اضحوكة ..
ارجوك ...قال ياسر
غمز ياسر صاحب المطعم ..فاختفت الاضواء فجاءة ..وحل محلها صوت خافت ...بدات موسيقى جميلة حزينة باللغة الفرنسية تغني ..
مد ياسر يديه .اسمحيلي برقصة اخيرة سيدتي
رقصت وداد كما لم ترقص يوما
مع رجل لم ترى مثله يوما
ولكن كان قرارها صارما
لا تنكر ان دموعها لم تتوقف طوال تلك الرحلة
وربما لسنوات مرت
لم تسمع بها شيئا عن ياسر ولم تراه
ولكن كانت دائما تشك بكل شيء بحياتها
ومنها صدق الاخرين
ربما انها ظلمت ياسر
او اسأت الحكم عليه
ربما ان روحها تشتاقه بقوة وترغب بالبحث عنه بكل شيء
ولكن
ولكنها كانت تخشى ان تفقد بقاياها
ولذلك عاشت على ذكراه ولم تجعله واقعا يوما .
كانت دائما تحاول ان تنسى
ان تتوقف عن لمس جراحها علها تشفى ..
**********
رحيل ....
ما اكثر ما رحلت وداد.ولكن هذه المرة لن ترحل بعدها
لقد كانت جنازة وداد جنازة مهيبة..كبيرة
حضر اليها العديد من الشخصيات
لقد كانت سيدة اعمال راقية وجميلة وانيقة ومحبوبة .ولكنها فشلت ان تحب نفسها .
كانت الدموع من عيني فيحاء تسافر بغزارة على وجنتيها عندما اتاها ذلك الصوت الحنون .
لقد كانت وداد من افضل من عرفت ...
نظرت فيحاء الى مصدر الصوت .كان رجلا عجوزا خط الزمن بوجهه
الكثير من الخطوط .ولكن لا زال يحتفظ بوسامة وسحر خاص.
كانت دموع حزينة تسافر من عيني ذلك الرجل .
افسحت له فيحاء المكان.
وجلس قائلا:
عجبا للحياة .كنت اخشى فيها الموت .فتركت حبيبتي جريحة حزينة .وها انا بعد سنوات طويلة ادفنها وانا الذي كنت اخشى ان لا اعيش. .
يالسخرية الحياة!
وانهمرت عيناه بالدموع. .
وضعت فيحاء يدها على كتف ذلك العجوز مواسية. .
يكفي يا سيد ياسر .ارجوك .انا في قلبي حزن لا يعلم به الا الله .كم رحلت امي بين البلدان . عساها ترتاح الان في المكان التي هي فيه . .
نظر ياسر اليها .لقد فقدتها مرتين .لم استطع ان احصل عل ثقتها .لقد خسرتها ...خسرتها ..
اخذت فيحاء نفسا عميقا .
وكانت دموعها لا تتوقف...
النهاية ... .
انتهى كل شيء
رحل الجميع بقي ياسر جالسا يودع حبه الذي لا يعرف حتى كيف مات .
جاءت فتاة جميلة متوشحة بالسواد
كان الصمت مطبقا على المقبرة ...الا من وقع اقدام تلك الفتاة ..وكأنها شبح ظهر وسط الظلام
سيد ياسر كانت امي تعلم انك ستجد طريقك لهنا .
هذه الورقة لك.
.
واختفت تلك السيدة
فتح السيد ياسر ذلك المظروف
..
لقد كان فيه منديل قديم برائحة الياسمين .كان قد اعطاها ياسر لوداد في الماضي,ورسالة كتب فيها :
ياسر
تعلم انني لم اتوقف عن حبك يوما
لطالما ذكرني عطر الياسمين بك
لقد كنت انت بقايا قلبي. .
كنت ابحث طوال عمري عن نفسي
وقد كنت انت نفسي الضائعة
مؤسف ان يعرف الانسان حقائق الحياة عندما يشارف على مغادرتها .
لقد تاكدت من كل كلامك .ولكنني عشت الحياة دائما اشك بكل شيء. .
سامحني
اما انا فقد سامحتك من وقت طويل
وداعا يا حبيبي
وداد .مشفى البلاد .7،8،2016.
وسوم: العدد 707