المبتدأُ و الخبرُ لدى الأدالبة بخصوص نقاط المراقبة
سؤال يثارُ من عدد من المراقبين، ولاسيما من غير السوريين، أو من أنصار النظام، حول ردّات فعل أبناء المناطق، التي تشرع تركيا بإقامة نقاط مراقبة فيها، في منطقة خفض التصعيد الرابعة، بناء على محادثات " أستانا 8 ":
لماذا يستبشر الناسُ خيرًا، عندما تقام نقاط مراقبة تركية في مناطقهم، فنراهم يستقبلون الأرتال التركية بالتلويح و الزغاريد، و المواكب الراجلة و السيارة؟
جوابًا على ذلك، يقول هؤلاء السوريون، بلسان الحال و المقال معًا:
إنّ أهمّ نعمتين أنعم الله بهما على العباد هما ( الغذاء، و الأمن )، قال الله تعالى : " فليعبدوا ربَّ هذا البيت، الذي أطعمَهُم مِنْ جُوع و آمنهُمْ من خَوف ".
و إنّ إحدى هاتين النعمتين لا تجزئ عن الأخرى، بل هما متلازمتان كتلازم الروح و الجسد، و الوجه و القفا، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، و ليس الأمنُ مغنيًا عن الغذاء، الذي هو حاجة الجسد البايولوجية.
فأمّا عن الأمن: فالناس قد خبرت ما يفعلُه النظامُ و حلفاؤه، عندما يستعيدون منطقة ما، فإنّهم يهلكون الحرث و النسل، و يعاقبون الأهالي جماعيًا بشكل هستيري.
و دوننا ما كان لأبناء المحافظة، الذين هجّروا من قراهم في ريفها الشرقيّ، ليفترشوا طين الشتاء، و يلتحفوا غيوم السماء، و يصافح أجسمَهم زمهريرُ الشتاء، في مشهد سريالي لا تهضمه ملكات الإنسان السويّ.
هذا في وقت كانت فيه الفصائل دون المرجوّ، فلم تبسط الأمنَ للناس، و أدخلتَهُم في صراعات بينيّة، جعلتهم ينفرون منها، و ينفضون عن مشاريعها، و يندمون على النبّاش الأول.
فلقد شكّل انسحابها الدراماتيكي لوحة سوداء، في ذاكرة أبناء المنطقة، تماهت فيها حبائل اللاعبين مع المصالح الفصائلية، لن تمحوها المعاذيرُ التي قدمتها الفصائل، بين يديّ ( 400 ) ألف مهجَّر عن أرضه و بيته، في وقت باتّتْ في حياةُ الترحال، و سُكنى الخيام، من ذكريات الماضي السحيق.
و عليه فإنّهم ليرجون أن تقف المساعي التركية، في إقامة هذه النقاط، حائلاً دون مساعي النظام في استعادة إدلب، و يتوقف معها قصف الطيران، الذي لم يسلم منه حتى الجماد، و لم يرعِ للناس حُرمة، أو يحفظ لهم إلاًّ أو ذِمَّة.
و أمّا عن الطعام: فإنّه يأتي عقب فترة الاسترخاء، التي ستنعم بها المحافظة؛ لأن إدلب محافظة زراعية بامتياز، و أهلها مشهودٌ لهم بالرضا بالقليل، و حسن التدبير، و لهم القدرة على العيش في أسوء الأحوال، بما يتوفّر لهم من السيولة المادية، بعد تحريك عجلة الحياة المتوقّفة بسبب الأعمال العسكرية، سواءٌ من النظام، أو فيما بين الفصائل، و بما يأتيهم من المنظمات، أو من أهل الخير، أو من حوالات أبنائهم.
هذا مبتدأ الحكاية و منتهاها لدى الأدالبة، فهم ليسوا مغرمين بغير أبناء جلدتهم، و لديهم حسٌّ وطنيٌّ نامٍ، لو وُزِعَ على أهل الأرض لوسَعَهُمْ، و لكن كما قالوا في الأمثال (شُو جَابرَك على المرّ؟ قال: الأمرّ منه ).
وسوم: العدد 759