مقتدى الصدر والسنة!
ملاحظة تمهيدية من هيئة تحرير وجهات نظر
هذا المقال يكتسب أهمية استثنائية في هذا التوقيت، لعدة أسباب، منها:
إن كاتبه خبير في كل غاطس الحركات الشيعية ومرجعياتها وتفاصيلها، فهو مرجع شيعي سابق تحول إلى التسنن على المنهج السلفي، ومنها أنه مقيم في المملكة العربية السعودية، ويزعم بعض الاعلام السعودي أن مقتدى الصدر مدعوم من الرياض، أو من بعض مراكز القوى في المملكة، ومنها أن بعض المغفَّلين والموهومين من (السنة العرب) في العراق وخارجه يأمل من مقتدى خيرا.
قراءة هذا المقال بعين الحصيف الدقيق ضرورية جدا، ومن هنا يأتي نشرنا له.
مقتدى والسنة يسألني بعض الأحبة والأصدقاء: بماذا تفسّر موقف مقتدى الصدر؟ وهل الخلاف بين القوى الشيعية حقيقي أو هو سيناريو؟ هذا السؤال مهم جدا، لأن ضبابية الرؤية عند كثيرين أدت وتؤدي الى مواقف وقراءات خاطئة، وتنعكس هذه القراءات والمواقف الخاطئة سلبا على الحالة السنية في العراق ومستقبلها. ولأجل تقديم جواب منطقي بذهن مرتب، أضع النقاط التالية: 1- مقتدى الصدر، ويتبعه التيار الصدري، ليس له أي موقف سلبي مبدئي من النظام الإيراني ولا من مشروعه الطائفي القائم على بسط النفوذ السياسي والديني. بل يرى في النظام الموجود في إيران أنه الكيان السياسي الوحيد للشيعة في العالم وأن قوته هي قوة للطائفة الشيعية ، ويتفق مع القاعدة التي قام عليها هذا النظام وهي الحكم الديني المبتني على ولاية الفقيه، ويؤيدها آيديولوجيا وسياسيا. بل إنه وعلى الرغم من موقف النظام الإيراني السلبي الشديد من مرجعية محمد الصدر والد مقتدى، إلا أنه استعد أن يدوس على شرفه وكرامته وذهب الى إيران والتقى بخامنئي وانفتح على النظام الإيراني الذي أغراه ورسخ في ذهنه أنه الكيان الحامي للتشيع والحاضن للشيعة، واستعد الإيرانيون لدعم التيار الصدري بزعامة مقتدى، وباشروا بالدعم الفعلي منذ ذلك الوقت، وتكرست العلاقة بين مقتدى ونظام الملالي في إيران بحكم أن مرجعية التيار الصدري كاظم الشيرازي الملقب بالحائري من أشد المؤيدين لولاية الفقيه وللنظام الإيراني وهو على ارتباط بخامنئي وبمؤسسات النظام بما في ذلك المخابرات الإيرانية . وسارت العلاقة بين مقتدى وتياره من جهة والنظام الإيراني من جهة أخرى على ما يرام، وكان موقف مقتدى واضحا ضد من يسميهم الوهابية والنواصب وضد المملكة العربية السعودية، وارتكبت ميليشيات جيش المهدي التابعة له أفظع الجرائم الوحشية بحق أهل السنة في العراق تقتيلا وتعذيبا و تهجيرا واحتلال مساجد وتدمير كثير منها وحرقه، وكان جيش المهدي في واجهة التصدي ضد السنة يوم لم تكن هناك ميليشيات مثل ما هو موجود الآن، فكان جيش المهدي وميليشيا بدر يتنافسان في الفتك بأهل السنة وبدعم من إيران. ومن باب الشاهد فإنه لا يزال يوجد المقطع الذي كان قد ظهر فيه المدعو حازم الأعرجي- مدير مكتب الصدر في الكاظمية والذي ما يزال مقربا من مقتدى وضمن فريقه- وهو يدعو ويعلن فتوى لقتل (كل وهابي نجس) حسب تعبيره، فكان الفتك والقتل يطاول كل سني بريء دون التفات الى أنه وهابي أو غير وهابي، لأن كلمة وهابي كانت غطاء للهجوم على السنة عموما. للإيرانيين أسلوب في العمل يحسبون أنه يحقق هيمنتهم و يجعل الخيوط كلها بيدهم، وقد استخدموه مع العديد من القوى والتنظيمات في العالم العربي والإسلامي حين لا تكون هذه التنظيمات من صنعهم هم وإن كانت موالية لهم، أو حين يلمسون وجود نزعة لدى من يقود هذه التنظيمات في عدم الإنصياع ولو بنسبة 5% لما يريدونه. وهذا الأسلوب هو العمل على إيجاد انشقاقات داخل هذه التنظيمات من قادة أو كوادر يتم التفاهم معهم وضمان انقيادهم المطلق . لقد مارسوا هذا مع تنظيمات أفغانية ومع قيادات شيعية في باكستان، ومع حزب الدعوة في العراق، ومع منظمة أمل في لبنان. وقاموا بنفس العمل مع التيار الصدري حيث كانوا خلف انشقاق قيس الخزعلي وتشكيل ما يسمى بعصائب أهل الحق الخاضعة بالمطلق للإرادة الإيرانية، ثم بدأ مسلسل تشكيل الميليشيات. إعتبر مقتدى الصدر أن ما فعله الإيرانيون هو طعنة قوية في الظهر، وحاول الإيرانيون بدهائهم وسذاجته إقناعه بأنهم لا يستهدفونه، فبقي على ارتباطه بهم، لكنه اكتشف أن الجهة التي انشقت هي التي تحظى بالأولوية عند الإيرانيين، وعلى الأرض تأزم الموقف التنافسي بين التيار الصدري والعصائب، ثم اختلف مقتدى مع المالكي ودخل المالكي مع التيار الصدري في نزاع مسلح ووقف الإيرانيون مع المالكي وضغطوا باتجاه دعم القوى الشيعية له ثم التمديد لولايته، وزاد ذلك في مشاعر الإستياء وتوترت العلاقة بين مقتدى وقاسم سليماني، ولكنها بقيت كما هي مع النظام. إن الإشكالية عند مقتدى ليست مع النظام الإيراني وليست مع ولاية الفقيه وليست مع التدخل الإيراني حتى لو كان بنحو الهيمنة إذا لم يصطدم مع مصالح مقتدى، وإنما الإشكالية عنده هي مع الأسلوب الذي اتبعه الإيرانيون معه، وبالذات مع طريقة قاسم سليماني في العمل. ومعنى ذلك أنه لو تبدل قاسم سليماني أو تغير أسلوب تعامل الأجهزة المعنية في إيران مع مقتدى، فستعود الحرارة للعلاقة وسيسير ضمن الأجندة الإيرانية. ولهذا حذّرنا ونحذّر من عواقب الإغترار بمقتدى وخطأ المراهنة عليه، لا سيما وأنه في كلتا الحالتين باقٍ على نفس المضمون والمنهج الشيعي الطائفي ومتمسك بالمشروع السياسي الشيعي ولن يحيد عنه رغم التكتيكات التي يمارسها. 2- منذ بدايات التحرك السياسي الشيعي كانت هناك خلافات بين القوى الشيعية في العراق، واستمرت بعد مجيء خميني إلى إيران وإمساكه بزمام الأمور هناك، تزداد تارة وتخف أخرى، لكن الأجهزة الرسمية الإيرانية كانت هي المسيطرة وهي التي تضبط الخلافات والكل يشعر بالحاجة اليها ولا يستطيع التمرد حتى لو كانت طريقة ضبط الخلافات غير مرضية لكل الأطراف. واستمر هذا الوضع بعد سقوط النظام في العراق واحتلاله، بل زادت هيمنة الإيرانيين باعتبار أن مجيء القوى الشيعية للحكم كان عبر تفاهم إيراني أميركي بريطاني. وهذه القوى كانت بحاجة ماسة لدعم ايران وحمايتها لتثبيت نفسها في العراق فكانت تنصاع للإرادة الإيرانية بما في ذلك التيار الصدري الذي عمل الإيرانيون على شقه وإضعافه ليسهل السيطرة عليه. بعد مضي 15 عاما حصل ما يلي: أ - إن القوى الشيعية قامت بتثبيت نفسها في الحكم وعلى الأرض، وحصلت على مبالغ طائلة جدا من الأموال وصارت تشعر الى حد ما باستقلاليتها. ب - إن النظام الإيراني حاليا في موقف دولي ضعيف جدا ومنهار من الداخل وقدراته المالية ضعفت الى حد كبير وهو يعتمد في ضبط القوى الشيعية على نفوذه المعنوي والسياسي وقدراته العسكرية والإستخبارية . وبالتالي فإن طريقة الإيرانيين النمطية في ضبط القوى الشيعية لم تعد مقبولة لدى بعض هذه القوى ومنها التيار الصدري. لكن هذا لا يعني أن هذه القوى خرجت من المظلة الإيرانية، ولا أنها تقطع الحبال مع إيران، فهي ليست ضد النظام ولكنها غير راضية على طريقة تعامل بعض أجهزة النظام مثل فيلق القدس وقاسم سليماني . لكن ذلك لا يعني خصومتها مع النظام . 3- إن مقتدى يدرك أنه لن يستطيع مناكفة الإيرانيين والتصعيد معهم، في ظل الإنفتاح الأخير للمملكة العربية السعودية على القوى الشيعية في العراق وخاصة مقتدى وتياره، لأن الشارع الشيعي بما في ذلك جمهور واسع من التيار الصدري لا يهضم ذلك ويفسره على أنه انحياز للمملكة العربية السعودية وخضوع لتأثيرها، ولا تزال العقلية الطائفية الشيعية لا تتقبل ذلك، وهو يدرك أيضا أنه لا يمكن أن يتحمل مسؤولية أي تصعيد مع إيران والقوى الشيعية المنافسة له في العراق، لأن الشارع الشيعي سيحمله مسؤولية أي عواقب سلبية ترتد على الشيعة في العراق جراء ذلك التصعيد، ولذلك فهو يحاول الضغط على قاسم سليماني لتعديل موقفه منه ومن تياره وتغيير أسلوب التعامل، ولتأمين مصالح زعامة مقتدى الشيعية في العراق وحينئذ سينسجم مقتدى مع السياسة الإيرانية . 4- إن هذه القوى الشيعية الطائفية، مهما كان بينها من تنافس وإن وصل حد الصراع، إلا أنها تتفق على عدم السماح لهذا التنافس أن يرتطم بسقف المصلحة الطائفية، لأنهم يدركون أن كل الأطراف المتنافسة ستخسر وستفقد مواقعها ومناصبها وسينتهي المشروع السياسي الشيعي الذي تجتمع عليه كل هذه القوى. ولهذا فهي تعمل تحت سقف المصلحة الطائفية، وتتبادل الأدوار في إطار المشتركات، والكل يتحد ضد أهل السنة ولا يسمح بخروج السلطة من أيدي الفريق الطائفي الشيعي. 5- موقفنا نحن السنة في العراق يتلخص في التالي: أ- أي ضعف يصيب القوى القوى الشيعية الطائفية، يصب في مصلحة العراق ومصلحة أهل العراق الوطنيين وعلى رأسهم السنة. ب- يجب أن لا نعطي لهذه القوى الطائفية أي فرصة للإستمرار في السيطرة على مقاليد الأمور في العراق، أو في استغلال السنة لصالح أي قوة من هذه القوى، وليس من مصلحتنا أن نكون طرفا مع أي من هذه القوى. ج- يجب أن يكون واضحا أن جوهر المشروع السياسي الذي تلتزم به القوى الشيعية الصفوية هو سيطرة هذه القوى على الحكم و تهميش السنة، وقد أضيف اليه مخطط تشييع المحافظات السنية، وكل خطاب سياسي ظاهره غير ذلك فهو ليس سوى تكتيك. ويجب أن يكون واضحا أن القوى الشيعية الصفوية مهما اختلفت مع إيران، فإن خلافها ينحصر في الأمور التنفيذية والآليات، ولن يكون في المبادئ والاستراتيجيات، ويبقى انشدادها الى إيران بحكم الشعور الطائفي وبحكم عدم الإستغناء عنها كونها في رؤيتهم العمق الستراتيجي للشيعة الصفويين. د- إن هذه القوى لا تتعامل مع العروبة من موقع الإنتماء وإنما من موقع المصلحة، ولا تثق بالعرب ولا تعتبرهم العمق الحقيقي لها، لأن النزعة الطائفية المتأصلة والتربية البيئية الشيعية تخلق حاجزا نفسيا راسخا إزاء السنة. وبناء على كل ما تقدم، ليس صائبا دعم هذه القوى أو المراهنة عليها أو التحالف معها.
وسوم: العدد 773