المعايير الوطنية لضمان نزاهة الانتخاب في العراق

د. علاء إبراهيم الحسيني

رؤية مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات لمتطلبات المرحة المقبلة

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات 

تدور العملية الانتخابية وكل فعاليات العمل الديمقراطي بين طرفين رئيسين، وهم كل من المواطن الناخب الذي يرسم بإرادته معالم السلطات العامة، والمرشح الذي يحمل برامج انتخابية واضحة والذي دخل السباق الانتخابي لتحقيق مصلحة عامة بالأساس محاولاً إقناع الناخب ليمنحه الثقة، والى جوارهما هنالك طرف أخر يقوم بعمل كبير ومهم يسهم في ترجمة خيارات الشعب ويعمل على أن تسير الأمور بنحو من الانسيابية في التداول السلمي للسلطة، وهذا الطرف يتمثل في السلطات العامة القائمة التي تلعب دوراً محورياً في رسم معالم الظاهرة الانتخابية بوضعها قانون الانتخابات والأحزاب وتنفيذهما عبر تحديد آليات الانتخاب وضمانات نزاهة وحيادية الجهة التي تتولاه، ولعلنا نلحظ إن دور الجهات الأخرى الإعلامية ومجاميع المراقبين الدوليين والمحليين والهيئات الدولية كالأمم المتحدة فلا يعدو دورها عن مراقب محايد يسجل الملاحظات ويقدم النصائح.

 وفي بلد مثل العراق كان ولا يزال يخوض صراعاً مسلحاً داخلياً ذو أبعاد دولية واضحة فلابد لتكتمل الصورة أن يقتنع القادة أو الأشخاص المؤثرين في سير هذا الصراع بضرورة ترك العمل المسلح والانخراط كليا في اللعبة الديمقراطية وكذلك كل الأحزاب والشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية النافذة، فهذه العملية السلمية هي التي ستحدد من يتولى الوظائف العامة في البلد.

 وبهذا الصدد إن نجح العراق في جلب الكثير من هؤلاء وساهموا في القوائم المختلفة فلابد من وضع الضمانات القانونية الحقيقية التي تجعل منهم مؤمنين بمصداقية العمل الانتخابي أو التنافس الانتخابي وجدواه وتيسير السبل أمامهم في رفع الشكاوى والطعون أصولياً بالنتائج إن لاحظوا خرفاً ما، بدل الحديث عن تزوير أو عمليات سرقة للأصوات أو ما شاكل ذلك، بما من شأنه أن يبعد البلاد عن شبح العودة إلى الصراع السياسي المبطن بصراع طائفي مسلح مقيت لتحقيق نصر حقيقي على الإرهاب وقضاء ناجز على أسبابه من الأصل، ما ينقلنا إلى سلام مجتمعي حقيقي قائم على تداول سلمي للسلطة ومحاسبة جدية لمتولي المناصب العليا.

 ونستعرض فيما يلي أهم المشاكل التي واجهت العملية الديمقراطية في العراق والضمانات التي من شأنها أن تصحح المسار الديمقراطي وتكفل لنا كمواطنين نزاهة العملية برمتها وفق الآتي:

أولاً// تغليب المصالح الذاتية على الوطنية أو العامة:

 هذه العبارة تختصر الكثير من معاناة الشعب العراقي فالكثير ممن عملوا ويعملون في الشأن السياسي والحزبي منذ تغيير النظام في العراق والى اليوم فضلوا مصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية والطائفية على المصالح العامة، فقد لاحظنا في التجارب الانتخابية الماضية محاولة الكثير من المرشحين الاستفادة من الشحن الطائفي والعنصري واستغلال مخاوف الناس لجمع الأصوات ونيل المقاعد البرلمانية والمناصب الحكومية ما أتاح لهم التحكم بموارد الدولة واستغلال السلطة والنفوذ لتحقيق مآرب أخرى، والعلاج يكمن في الآتي:

1- صياغة القانون الانتخابي في العراق الذي ينبغي أن يركز على إلزام المرشح ممن تولى مقعدا أو منصباً سابقاً بعرض ذمته المالية على الملأ قبل وبعد العام (2003) ولغاية الآن معززة باستمارة كشف الذمة السنوية المصادق عليها من قبل هيأة النزاهة وبخلاف ذلك يستبعد من السباق الانتخابي ويقدم إلى المحاكم المختصة.

2- يلزم قادة الأحزاب الكبيرة على كشف الذمة المالية لأحزابهم وقوائم تفصيلية للحزب تبين أمواله العقارية والمنقولة وكيف تم الحصول عليها وتعرض قبل مدة مناسبة على الرأي العام ويتم استضافته في برامج إعلامية توضيحية ليبين للشعب كيف ومن أين تم الحصول على ما تقدم؟.

3- رؤساء القوائم أو الكتل والمرشحون يلزمون بتحديد مصادر تمويلهم ويتم تحديد سقف أعلى للتمويل لا يتجاوز بحال من الأحوال (25) مليون عراقي وبخلافه يتم إدراج اسمه وقائمته في قائمة سوداء كون سلوكه الانتخابي خرق مبدأ تكافؤ الفرص في الانتخابات البرلمانية والأمر يتطلب إعادة المفوضية النظر بنظام تمويل الحملات الانتخابية رقم (1) لسنة 2013 الذي لا يزال سارياً.

4- النأي بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن الحزبية وتقاسم النفوذ من خلال تغيير طريقة اختيار مجلس مفوضيها ليكون إما بالاقتراع الشعبي وان تعذر يكون بالترشح الإليكتروني ونظام النقاط على ان يلي ذلك خضوع المرشحين الذين حازوا أعلى النقاط لاختبار (إمتحان) ولا يستمر بالسباق للظفر بالمنصب إلا من يجتازه بنجاح، ومن ثم إصدار مرسوم جمهوري بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية وإبعاد البرلمان عن دائرة التعيين خشية استثمار ذلك بالتصويت لمرشحي الأحزاب.

ثانياً// الفشل في صياغة وتنفيذ القوانين واللوائح الانتخابية:

 من المعلوم إن العراق تتابعت فيه خلال الخمسة عشر الماضية عدة قوانين كان في مقدمها القانون رقم (96) لسنة 2004 وأعقبه القانون رقم (16) لسنة 2005 الذي جرى تعدياه العام (2009) والقانون الحالي رقم (45) لسنة 2013 والذي جرى تعديله مرتان في العام 2018 وعلى صعيد الانتخابات المحلية فقانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (36) لسنة 2008 الذي جرى تعديله (4) مرات وصدرت تنفيذا للقوانين المتقدمة عشرات الأنظمة ذات الصلة من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، إلا أنها بمجموعها لم تصل في أي مرة مارس فيها الشعب الخيار الديمقراطي إلى غاياتها في كونها الواسطة بين الشعب وسلطاته بل استثمرت واستغلت من قبل القابضين على السلطة وجرى حرف الغاية لوصول البعض واحتفاظهم بامتيازاتهم الحكومية والبرلمانية وما التمسك بنظام سانت ليكو وتعديله ليكون بنسبة (1.7) إلا دليل على ما تقدم وفق ما ورد بالمادة (14) من قانون الانتخابات النافذ رقم (45) لسنة 2013 المعدل، والعلاج يكمن في الآتي:

1- إعادة صياغة شاملة لقوانين الانتخابات من خلال الإطار القانوني المتمثل بالآتي (تشكيل لجنة خبراء من أساتذة الجامعات والفعاليات المدنية المتمثلة بالأساس بالمنظمات غير الحكومية والقضاة والمحامين من مختلف المحافظات العراقية لصوغ قواعد انتخابية نموذجية وعرضها على مجلس الدولة العراقي ليمارس مهمة تدقيقها وفق ما رسم له القانون رقم (65) لسنة 1979 بالمادة (5) ومن ثم ترسل للبرلمان لإقرارها وإعطائها الصفة الرسمية.

2- أن يتم إلزام مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بعرض الأنظمة التنفيذية لقانون الانتخابات التي سنها أو التي ستسن في المستقبل على مجلس الدولة العراقي لمراجعتها وتنقيحها وإجازتها كونه صاحب اليد الطولى في معالجة الثغرات وسد النقص الذي يعتريها.

3- تشكيل لجنة داخل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مختصة باستطلاعات الرأي في كل المحافظات العراقية يتمثل عملها بفتح مكتب دائم للمفوضية يمكن الشعب من الإدلاء برأيه بالمسائل الانتخابية عبر استفتاء ولو غير ملزم يقيم فيه المواطن القوانين والأنظمة ويدلي بمقترحاته بهذا الصدد ويتم نقلها بأمانة لصانع القرار في المفوضية والبرلمان العراقي لتجد طريقها نحو التفعيل بكل الوسائل الممكنة.

ثالثاً// الفشل الذي رافق التجارب الانتخابية السابقة في تحقيق التمثيل العادل للشعب:

 ينص الدستور العراقي للعام 2005 في المادة الخامسة على إن الشعب مصدر السلطات وشرعيتها، إلا إن الالتفاف على هذا النص جرى بشكل صارخ منذ العام 2005 بعد صدور قانون الانتخابات رقم (16) الملغي حيث تم التلاعب ببعض المفاهيم التي حرفت الإرادة الشعبية الحقيقية عن مسارها وساعد على ذلك الظروف الاستثنائية التي رافقت الاستحقاقات الانتخابية بسبب الحرب على الإرهاب والعلاج لما تقدم نجده في الآتي:

1- تحديد سجل الناخبين: الذي يتطلب تحديثاً تلقائياً بالتعاون بين المؤسسات الرسمية المتمثلة بوزارة الداخلية اعتماداً على بيانات البطاقة الوطنية والجوازات والإقامة ووزارة الصحة والتجارة والتخطيط وعدم إلقاء التهمة على المواطن بأنه لم يقم بزيارة المفوضية ليطلب تحديث بياناته، فمن أجهدته الحياة بهمومها لا ينشد الرفاه الذي تريده المفوضية من قيام كل فرد على وجه الاستقلال بزيارة مقراتها ليدلي ببياناته الشخصية.

2- إعادة النظر بالنظام الانتخابي وهجر نظام التمثيل النسبي والركون لنظام الأغلبية الأكثر اتفاقاً مع النظام الديمقراطي واعتماد آلية الدوائر الصغيرة والترشح الفردي ليكون المرشح معلوماً من قبل الناخب ومكشوفاً أمامه فيما قدمه أو سيقدمه في برنامجه الانتخابي.

3- فيما يتعلق بعلاقة الناخب بالنائب فلابد من إعادة رسم حدودها فالمادة (49) من الدستور جعلت النائب يمثل الشعب العراقي ولابد من إلزام كل نائب في البرلمان من تقديم حساب للشعب يتمثل في بيان ما الآتي:

‌أ- مقدار الراتب والمخصصات.

‌ب- بيان وافي للسفر خارج العراق (المقصد، المدة والتكلفة).

‌ج- الانجازات التي حققها في العمل التشريعي والرقابي.

‌د- الغيابات (عددها والسبب).

‌هـ- المنافع الاجتماعية (مقدارها، أين تم صرفها مع تأييد من سلطة ذات اختصاص).

‌و- العلاج على حساب المال العام (السبب، محل العلاج، تكلفة العلاج).

‌ز- وأمور أخرى يضيق المجال لذكرها على شاكلة المسكن، السيارات، الحمايات وغيرها.

رابعاً// تنظيم الرقابة الحقيقية على إنفاذ قواعد التداول السلمي للسلطة:

 القانون الحالي نظم الشكاوى والطعون التي تقدم من الناخب والمرشح ضد إجراءات وقرارات المفوضية المتعلقة بالانتخابات ومنها ما ورد بالمادة (19) من قانون الانتخابات رقم (45) لسنة 2013 والنظام رقم (6) لسنة 2018 الصادر عن المفوضية والمتعلق برسم أسس الشكاوى والطعون والبت فيها من قبل المفوضية ثم الطعن أمام الهيئة القضائية المنبثقة عن محكمة التمييز الاتحادية وبهذا الصدد نقول:

1- إن منح مجلس المفوضين سلطة البت بالشكاوى والطعون يخالف الدستور العراقي الذي كفل الحق في التقاضي أمام القضاء في المواد (19) و(87) وما بعدها وما الركون إلى المفوضية ذاتها لنظر الشكوى إلا نوع من إعطائها سلطة قضائية في الوقت الذي تعد هي مجرد سلطة تنفيذية لتنفذ قانون الانتخابات ما يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي رسمت ملامحه المادة (47) من الدستور العراقي.

2- إن إيكال مهمة الفصل في الطعن بقرار مجلس المفوضين بعد أن يفصل في الشكوى إلى محكمة متكونة من قضاة محكمة التمييز غير متفرغين فيه إجحاف بحق المرشح والناخب لصعوبة الوصول إلى المحكمة في بغداد وصعوبة مراجعتها وكان الأولى اقتفاء أثر الدول ذات التجارب الديمقراطية اليانعة ومنها فرنسا التي عهدت بكل ما يتعلق بالانتخابات إلى محاكم مجلس الدولة الفرنسي الموجودة في كل المدن والمستعمرات الفرنسية، فما المانع من أن نكل لمجلس الدولة العراقي بهذه المهمة لاسيما وان الدستور العراقي بالمادة (101) رسم معيار اختصاص المجلس المتمثل في القرارات والأعمال الإدارية وكل ما يصدر عن مجلس المفوضين والمفوضية عموماً هو قرارات والقاضي الطبيعي لنظر هذه المنازعات هو مجلس الدولة العراقي.

خامساً// لضمان نزاهة وعدالة الإجراءات الانتخابية لابد من إقرار نظام مراقبة صارم لعمل المفوضية والأحزاب والمرشحين قبل وأثناء الاستحقاق الانتخابي وهذا الأمر لن يتحقق إلا من خلال:

1- فتح قنوات للتواصل بين المنظمات غير الحكومية وبقية حلقات المجتمع المدني والهيئات الرسمية ومنها البرلمان والحكومة والمفوضية المستقلة للانتخابات وإلزام الأخيرة على أقل تقدير باستحداث نافذة تفاعلية لتلقي التقارير ذات الصلة والتحقيق فيها واتخاذ الإجراءات المناسبة وإعلان كل ما تقدم للرأي العام.

2- لابد من وجود الإعلام والصحافة الوطنية الهادفة التي من شأنها الدفاع عن المصلحة العامة فحسب بعيداً عن كل الاعتبارات الأخرى.

3- إقرار نظام مراقبة ورصد سريع في كل المحطات الانتخابية لمنع وقوع أي إشكالات من شأنها أن ترجح عدم موضوعية نتائج الانتخابات.

4- إعادة النظر بإجراءات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وتعاقداتها مع وسائل الإعلام وجعل كل ذلك من خلال نافذة الإعلام الحكومي لمنع شائبة الفساد.

5- مراجعة العقود التي أبرمتها المفوضية مع الشركات التي زودتها بالأجهزة الخاصة بالاقتراع أو أجهزة تعجيل النتائج وبيان الحيثيات للرأي العام وتقديم المسؤولين عن شبه الفساد أن تكشفت للمحاكم المختصة.

في النهاية يمكننا أن نرد ما تقدم إلى جملة من المعايير الوطنية التي هي بحاجة إلى صياغة قانونية وإعادة قراءة من قبل الأحزاب والمرشحين والناخبين وهي:

1- حق الانتخاب هو واحد من أهم الحقوق فهو حق سياسي ذو أبعاد مدنية يتطلب ضمانه النظرة الشمولية بكفالته لجميع المواطنين المؤهلين بلا أي تمييز ولأي سبب كان فلا يكفي أن نوكز على الجوانب الفنية والمتعلقة بسير الانتخابات بل لابد من التركيز على الأسس المتصلة به ومنها الحق في التعبير وحرية الرأي والصحافة والإعلام الحر الموضوعي المحايد.

2- التفوق على المشاكل الفنية واللوجستية لضمان حق التصويت للجميع وهو ما يتطلب التخلص من كل القيود غير الضرورية المتعلقة بمشاكل فنية لم تتمكن المفوضية من التغلب عليها بعد أكثر من (13) سنة على تأسيسها رغم إن التقنيات العلمية الحديثة قادرة وبلمح البصر أن تضع حداً نهائياً لها.

3- الحياد والشفافية في كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية في كل مراحلها وجزئياتها ما تعلق منها بالمفوضية أو المرشحين أو القوائم أو الأحزاب مع التذكير إن الشفافية مبدأ متكامل لا يقبل التجزئة.

4- العدالة في توزيع المقاعد وطرق احتساب الأصوات وضمان التمثيل الحقيقي والعادل والمتماثل لجميع أفراد الشعب العراقي.

5- نزاهة وعدالة العملية الانتخابية وذلك بالرقابة وإقرار نظام تحقق والسماح بالشكوى والطعن بكل القرارات المتعلقة بالانتخابات أمام القضاء المحايد المؤهل للفصل في الخصومات وهو ما يمكن أن نسميه (الانتصاف الفعال).

وسوم: العدد 775