الأهداف الاستراتيجية للتنويع الاقتصادي (3)
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
تم تناول الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي يسعى التنويع الاقتصادي لتحقيقها في مقالات سابقة(1) و(2)، والآن سيتم تناول الأهداف الاستراتيجية التي تجعل اقتصاد البلد أكثر قوة ورصانة في التعامل مع السياسات الدولية في أغلب المجالات خصوصاً في الوقت الراهن المعروف عنه بزمن العولمة.
في ظل عدم تنوع واستمرار احادية الاقتصاد، أي اعتماده على مورد واحد أو موارد محدودة جداً، خصوصاً إذا كانت ريعية، سيجعل اقتصاد البلد اقتصاداً تابعاً لا يتمتع بالاستقلال الاقتصادي من جانب، ومعرض للازمات التي تحصل في الاقتصاد الدولي من جانب آخر، ولذا فالتنويع الاقتصادي يهدف لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، والتصدي للازمات التي تحصل في الاقتصاد الدولي، ويمكن توضيحهما بإيجاز وكما يلي:
1- الاستقلال الاقتصادي
يعد تحقيق الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الذات في تلبية الاحتياجات المحلية المتنوعة، أمراً في غاية الأهمية، بالنسبة للدول النامية، وذلك من أجل إنهاء حالة التبعية الاقتصادية التي تعني" تخصص الدول النامية في تصدير المواد الاولية تلبية لاحتياجات الاقتصادات المتقدمة" [i].
إذ ان استمرار حالة التبعية الاقتصادية تعد سبباً في استنزاف الموارد الاقتصادية لهذه الدول، من خلال العلاقات غير المتكافئة، في ظل تقسيم دولي متخلف، مما أبقاها في حالة لا تحسد عليها من التخلف قياساً بمستويات التطور التي بلغتها الدول المتقدمة، وأبقاها مصدرة للمواد الأولية وبعض المنتجات الزراعية بأسعار منخفضة ومستوردة للمواد المصنعة المتنوعة بأسعار ترتفع باستمرار [ii].
تسعى أغلب البلدان النامية إلى إنها حالة التبعية الاقتصادية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، حتى وإن حصلت على استقلالها السياسي بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لان تحقيق الاستقلال السياسي يعد الخطوة الاولى نحو تحقيق الاستقلال الاقتصادي وإلا ما فائدة الاستقلال السياسي من دون تحقيق استقلال اقتصادي؟!! حيث إن بلد ما فاقد للاستقلال الاقتصادي، يكون خاضع ومُلبياً لقرارات وسياسات ذلك العالم والقوى المهيمنة عليه، فيفقد البلد كنتيجة لفقدان استقلاله الاقتصادي، كل مقومات سيادته حتى وإن كان يتمتع بالاستقلال السياسي وذلك لان هذا الاستقلال استقلال فارغ المحتوى.
ان استمرارية احادية الاقتصاد أي اقتصاره على تصدير المواد الأولية وبعض المنتجات الزراعية لا يمكن أن يفي بمتطلبات تحقيق الاستقلال الاقتصادي، وذلك لان الاقتصاد الاحادي يضع البلد في خانة التبعية الاقتصادية كونه لا يُشبع حاجاته المتنوعة ويتم اشباعها عن طريق الاستيراد من البلدان الاخرى [iii].
وبما إن التنويع الاقتصادي يخرج البلد من التبعية الاقتصادية ويذهب به نحو الاستقلال الاقتصادي، كونه يستطيع إشباع حاجاته المتنوعة، من خلال إقامة القاعدة الإنتاجية المتنوعة وتطويرها، ولا يذهب للدول المتقدمة إلا بمقدار الضرورة أو على الأقل إنه يستطيع تحقيق تكافؤ العلاقات الاقتصادية
مع البلدان المتقدمة، ولذا فإن الاستقلال الاقتصادي يعد أحد أهداف التنويع الاقتصادي.
2- مواجهة الازمات
إن الاقتصاد الاحادي الذي يعتمد على مورد واحد أو موارد محدودة جداً، خصوصاً إذا ما كان ذلك المورد أو الموارد ريعية، يتم تصديرها للخارج واستخدام عائداتها لتلبية الطلب المحلي المتنوع، سيكون ذلك الاقتصاد اقتصادا هشا لا يملك أبسط مقومات المقاومة للازمات التي تحصل في الاقتصاد العالمي، خصوصاً في زمن العولمة الذي أخذ الذي جعل العالم كالقرية الصغيرة بحكم الثورة المعلوماتية وثورة الاتصالات فضلاً عن المؤسسات الدولية المتمثلة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالية التي تدعو إلى التحرر في حركة رأس المال وانتقال السلع والخدمات والايدي العاملة وغيرها.
فالاقتصاد الذي لا يعمل على زيادة كفاءة إنتاجه وتنوعه واقتصاره على مورد واحد سيصبح بلدا مُعرضا للأزمات كونه سيستنفذ موارده من جانب ويصبح سوقا لتصريف منتجات البلدان ذات الاقتصادات المتقدمة والمتنوعة من جانب آخر، وهذا ما يزيد من سوء الأمر لان دخول منتجات البلدان المتقدمة للاقتصاد المحلي يعني محاربة منتجات الاقتصاد المحلي وعدم قدرتها على المنافسة كونها أقل كفاءة من المنتجات المستورة، واستمرار زيادة الاستيراد يؤدي إلى الجانب الأول وهو نفاذ الموارد والاحتياطيات من العملات الأجنبية الناجمة عن تصدير الموارد الطبيعية.
إن هذا المورد أو الموارد المحدودة جداً كالنفط مثلاً، التي يعتمد عليه الاقتصاد المحلي، هي موارد لا يمكن التحكم بها والسيطرة عليها محلياً، إذ إنها موارد استراتيجية يتم التحكم بها دولياً خارج نطاق الدولة، وذلك لأسباب قد تكون سياسية أو اقتصادية أو مناخية أو غيرها.
فضلا عن ذلك فان الدول الصناعية فرضت إجراءات حماية في الأسواق العالمية على صادرات الدول النامية مما زاد من الأثر السلبي لتدهور معدلات النمو[iv]. وعليه فمجرد حصول تذبذب طارئ على هذا المورد أو الموارد القليلة، سينتقل هذا التذبذب بشكل مباشر نحو الاقتصاد المحلي فتحصل الآثار غير المرغوبة، وذلك لأحادية الاقتصاد وعدم بناء المصدات التي تواجه تلك الآثار أو على الأقل التخفيف من حدتها، أي عدم بناء اقتصاد متنوع.
حيث زيادة قدرة الاقتصاد لمواجهة الازمات الخارجية تتم من خلال تطوير وتنويع القواعد الإنتاجية والتصديرية[v]، في حين يزيد عدم وجود تنويع في الصادرات من تعرض البلد للصدمات السلبية وعدم الاستقرار في الاقتصاد الكلي[vi]، لان احادية الصادرات تعبر عن احادية الجهاز الانتاجي، فيكون الاقتصاد هشا لا يستطيع التصدي للازمات التي تحصل في الاقتصاد العالمي.
وعليه فإن البلد ذي التنويع الاقتصادي يستطيع تجنب أو بالأحرى التقليل من اثار الازمات الاقتصادية خصوصاً الازمات التي تحصل في الاقتصاد العالمي، وذلك لان البلد الذي يتمتع بالتنويع الاقتصادي فإنه يتمتع بالكثير من الاجراءات الوقائية التي تحول دون انتقال الازمة للاقتصاد المحلي، أو التخفيف من آثارها.
يكُمن العمل في تحقيق تلك الأهداف من خلال:
1- بناء المناخ الاستثماري المشجع على جذب الاستثمارات وذلك من خلال تسهيل الاجراءات الادارية والاعفاءات الضريبية والضمانات السياسية وتحقيق الاستقرار الامني والسياسي.
2- أن توضع تلك الاهداف كرؤية استراتيجية في مقدمة الأولويات لدى أصحاب القرار والمخططين ويتم تسخير كل الطاقات المادية والمالية والبشرية لتحقيقها.
3- معالجة التحديات التي يعاني منها الاقتصاد كالفساد وضعف البنى التحتية مثلاً.
4- تحديد الآليات التي تستخدم لتحقيق التنويع الاقتصادي كالقطاع الخاص وبناء الصناديق السيادية وغيرها، إذ لا يمكن تحقيق هذه الأهداف من دون آليات التنويع الاقتصادي.
5- تقوم الدولة بممارسة دور الاشراف على اداء الاقتصاد وممارسة تعديله حين يقتضي تدخلها وذلك لضمان سير الاقتصاد نحو تحقيق تلك الأهداف.
وسوم: العدد 778