أسباب عزوف الناخب العراقي عن المشاركة الانتخابية
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
تعد الانتخابات ركيزة العمل الديمقراطي باعتبارها وسيلة التداول السلمي للسلطة بعيداً عن صخب النزاعات والانقلابات والصدامات اذ انها تختصر الوقت والجهد في التغيير السياسي ، اضافة الى كونها تعبر عن ارادة الجماهير الذين هم محور العملية الانتخابية عبر الادلاء بأصواتهم لاختيار ممثلين عنهم وبحسب النظام المعمول به في كل دولة سواء برلماني او رئاسي بشرط ان تتوفر الظروف الطبيعية وحرية التعبير ، اما بالنسبة لحجم المشاركة الفعلية في الانتخابات فهي ليست مقياساً يؤخذ به خصوصاً في بعض الديمقراطيات ذات الباع الطويل والتجربة العريقة ففي بعض الاحيان لا تتعدى نسب المشاركة حد الـ50% او اقل والامور تجري بصورة طبيعية وتأخذ سياقها العام في الخطوات اللاحقة من تشكيل الحكومة وتحول الخاسرون الى خانة المعارضة .
اما بخصوص الانتخابات العراقية الاخيرة وتحديداً ما يتعلق بتدني مستوى المشاركة الى حد الـ45% من مجموع من يحق لهم التصويت فالموضوع يحتاج الى وقفة جادة ، فمن الناحية الدستورية والقانونية فنسب المشاركة لا تغير في المعادلة شيئا بمعنى لم يشترط الدستور او القانون على حد اعلى او ادنى لنسب المشاركة، لكن على المستوى السياسي والاجتماعي والشعبي فإن نسب المشاركة تترك تأثيراً، فعلى سبيل المثال تدني مستوى المشاركة يعزز من زيادة حظوظ المرشحين من ذوي الحضور المقبول او ممن يمتلكون قاعدة حزبية، فكلما انخفضت نسبة المشاركة ينخفض معها العتبة الانتخابية التي تسمح بتخطي المرشح حاجز الأصوات، فإذا كانت نسبة المشاركة قرابة 75% يحتاج المرشح بما لا يقل عن 20 الف صوت او انخفاضها لحد الـ40 قد يحصد مرشح حاجز ال 8 الاف صوت لحجز مقعده في البرلمان بعد اجراء العملية الحسابية التي تخص سانت ليغو بعد ان تتخطى قائمته حاجز المقعد.
ايضاً تؤثر نسب المشاركة على صعود ذوي القواعد الحزبية باعتبارهم مؤدلجين وموجهين بضرورة المشاركة والتصويت لقوائمهم الامر الذي سيضر بالقوائم المستقلة ، الشيء الآخر من الناحية المعنوية او الرؤية الدولية لمجريات العملية السياسية فربما تتولد قناعات لدى البعض بعدم شرعية العملية السياسية لتدني مستوى المشاركة فيها.
اما عن اهم الاسباب التي ادت بعزوف الناخب العراقي عن حقه الانتخابي فيمكن اجمالي بالتالي:-
1- قانون الانتخابات: بدأ يشعر المواطن بغياب دوره في تقرير ارادته نتيجة لصياغة الكتل السياسية لقانون انتخابي وفق مقياسها الخاص وبالتالي مصادرة ارادة الناخب، وفي الوقت ذاته قطع الطريق على الوجوه الجديدة او الاحزاب والكتل السياسية الناشئة باعتبار القانون يخدم مصالح الكتل الكبيرة.
2- التوافقية والشراكة والمحاصصة هذه الثلاثية اصبحت السمة المميزة لأية تشكيلة حكومية بعيدة عن النتائج التي تفرزها الانتخابات والسبب دستوري قانوني اضافة الى تفسير المحكمة القاضي بتفسير الكتل الاكبر التي تتشكل في اول جلسة وليس الكتلة الاكبر التي تصدرت المشهد الانتخابي مما يضطر حتى الفائز بالدخول بالتوافق والشراكة للحصول على اغلبية الثلثين او نصف زائد واحد للمضي قدماً بالعملية الحكومية.
3- حالة الاحباط التي اصيب بها الناخب نتيجة لتكرر المشهد وانعدام الخدمات وقلة فرص العمل والتهرب من تطبيق الوعود الانتخابية وغيرها من الاسباب.
4- حملة مقاطعون والتي أقدم عليها مجموعة كبيرة ومن جهات شتى انتشرت في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات وهو نوع من الاحتجاج وعدم الرضا فيكون خيار المقاطعة الاصوب بحسب اعتقادهم.
5- ساد مفهوم خاطئ روجت اليه بعض الاطراف مفاده انخفاض نسب المشاركة الى ما دون ال 30% سينجم عنها الغاء الانتخابات وتشكيل حكومة انقاذ وطني وهو امر لا صحة له.
هذه الاسباب وغيرها ادت بالنهاية الى عزوف انتخابي كبير يحتاج الى وقفة جادة من قبل الجهات الحكومية والمجتمعية لمعالجة الاخفاقات التي رافقت مسيرة العملية السياسية والانتخابية بشكل أخص، ولا ننسى اقبالنا على انتخابات محلية لمجالس المحافظات في نهاية العام الجاري مع احتمالية تأجيلها، الا ان الهدف هو حث الناخب على ممارسة حقه والتصويت لمن يستحق والامر هنا متروك لما تتمخض عنه محادثات تشكيل الحكومة ومدى جدية الاطراف السياسية في احداث تغيير نوعي حتى يشعر المواطن بالفرق ويبادر للمشاركة وتصحيح المسار.
وسوم: العدد 780