هل باتَتْ تركيا مأزومة من العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها ؟

يرى عددٌ من المراقبين أنّ تركيا ليسَتْ مأزومة حقًا، من جرّاء العقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي فرضها عليها الرئيس ترامب، بدءًا من تلك التي طالت وزيري العدل، و الداخلية، و انتهاءً بالرسوم الإضافية التي فرضت على صادراتها إلى أمريكا من الفولاذ و الألمنيوم.

و ذلك كون هذين الوزيرين لا يملكان أية أرصدة لهما في البنوك الأمريكية، و أنّ حجم الصادرات من هذين المعدنين إلى أمريكا ليست بالأرقام القياسية، و أنّ حجم الضرر اللاحق بالقائمين عليهما سيطال الأوربيين و الأمريكان أكثر من نظرائهم الأتراك.

صحيحٌ أنّ التأثير السريع لهذه العقوبات قد انعكس على سعر صرف الليرة مقابل الدولار؛ غير أنّها لم تطل الاقتصاد التركي بعمومه، فماتزال العجلة الاقتصادية في تركيا بذات الوتيرة، التي عليها من قبل، و لم يبطئ من دورانها تداعيات تللك العقوبات، التي يرى كثيرٌ من المراقبين أنّ دوافعها سياسية، و ليست اقتصادية، و هذا ما جعل المؤسسات الاقتصادية المعنية في تركيا لم تتدخل حتى الآن؛ لأنها تدرك أن الأزمة لا علاقة لها بالجوانب الاقتصادية"، و أنّه يمكن معاودة صعود سعر صرف الليرة بمجرد الجلوس بين مسؤولي البلدين؛ للتفاهم على عدد محدود من الملفات.

من أبرزها قضية القس الأمريكي أندرو برانسون، الموضوع تحت الإقامة الجبرية منذ أكتوبر: 2016، بتهمة القيام بأنشطة إرهابية، و العشرين جاسوسًا تركيًا، يعملون في السفارة الأمريكية، و تتهمهم أنقرة بالضلوع في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز: 2017.

يرى علماء و مفكرون أنّه يمكن لأنقرة أن تعتمد على عدة ( أوراق قوة )، في مواجهة الأزمة الراهنة مع أمريكا، منها:

1ـ علاقتها مع مجموعة الدول التي طالتها عقوبات ترامب، كروسيا، و إيران، و الصين، و حتى مجموعة الدول الأوربية الغربية التي نالها نصيب من العقوبات أيضًا، كألمانيا و فرنسا، و كندا في أمريكا الشمالية، و عدد من دول أمريكا اللاتينية.

2ـ القوة الناعمة التي نسجتها مع عدد كبير من الدول، في أوقات أزماتها، ابتداءً من ماليزيا في الشرق الأدنى، و انتهاء بفنزويلا في أمريكا اللاتينية، التي باتت تودع ذهبها المنقى بنسبة ( 80% )، المستخرج من مناجمها؛ لتنقيته بنسب عالية في تركيا.

3ـ ورقة العمل الإغاثي والإنساني، التي مدتها إلى عدد من شعوب المنطقة، كالصومال، و العراق، و سورية، و ليبيا، و البوسنة، فهؤلاء لديهم أرصدة مودعة في البنوك التركية، حيث بلغ حجم المودع من رجال الأعمال السوريين لوحدهم أكثر من (20 مليار دولار )، حتى سنة 2017. 

4ـ كون تركيا ثاني أكبر قوة عسكرية بعد أمريكا في حلف الناتو، و لا يمكن الاستغناء عنها كحائط صد صوب روسيا، و المشرق في العالم العربي و الإسلامي.

5ـ لديها صندوق سيادي يقدر بـ ( 120 مليار ) دولار، و احتياطي من الذهب يقدر بنحو ( 556 طن ) من الذهب النقي من الشوائب.

6ـ إنّ واشنطن لم تتلق بعد أيّة رد فعل من أنقرة، سوى وقف التعامل التكنولوجي الرقمي، و إنّ تركيا لا تزال تسعى إلى محاولة حل الأزمة بالسبل الدبلوماسية و السياسية، فلم تنقطع تلك المحاولات، حيث التقى يوم: 14/ 8 الجاري، السفير التركي في واشنطن مع مستشار الأمن القومي، جون بولتن؛ للتباحث في نقاط الالتقاء بين تركيا و أمريكا، في هذه الأزمة الطارئة بينهما.

7ـ التحرّك نحو حلفائه الجدد، و إمكانية تحولها إلى منظومة دول بريكس الاقتصادية، و إن كان الأمر ليس بالسهولة المتوقعة؛ حيث أجرى الرئيس اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الروسي، قبيل مجيء الوزير لافروف، يومي: 14و 15/ 8 الجاري، للتباحث في جملة من الملفات ذات الاهتمام المشترك، و منها الحصار الاقتصادي الذي طال روسيا أيضًا، و ذلك في تمهيد للقاء الرباعية ( روسيا ـ ألمانيا، فرنسا ـ تركيا ) في استنبول في: 7/ أيلول القادم.

و قد نتج عن لقاء وزيري الخارجية في البلدين اتفاق على التبادل التجاري بالعملات الوطنية، و رفع تأشيرة الدخول إلى روسيا، عن عدد من شرائح المواطنين الأتراك، و هناك تحرّك مماثل سيكون نحو الصين، ضمن الخيارات التي ألمح إليها الرئيس، في مسعى منه لتجاوز هذه الأزمة الاقتصادية.

 8ـ إنّ تركيا عضو قوي في حلف شمال الأطلسي، و تشتري الأجهزة العسكرية من الغرب وتحديدًا من أمريكا، و من غير المقبول أن ترضى واشنطن أن تكون هي الخاسرة إذا اتجهت تركيا لشراء احتياجاتها العسكرية من دول أخرى.

إنّ جملة هذه العوامل، و من قبلها الالتفاف الشعبي حول الرئيس و الحكومة، سيساهم بشكل كبير في تقوية الموقف التركي أمام مواجهة تلك المشاكل، فقد بات معروفًا أن العصب القومي لدى الأتراك يشتد عند الأزمات الآتية من الخارج على وجه الخصوص، و تحديدًا عندما تتعلق بالوطن و سيادة الدولة التركية، فالمواطن التركي لا يهتم كثيرا بالتداعيات الشخصية مثلما يلتفت إلى هذه القضايا السيادية ذات السمة القومية، و ظهر هذا جليًا في الإقبال على الادخار بالليرة التركية و التخلي عن الدولار، لا بل قام بعضهم بحرق الدولار في اعتزاز نادر بـ ( الليررة ) بمواجهة ( الدولارة ).

وسوم: العدد 785