إيران والولايات المتحدة الأمريكية من خلال العقوبات
السّلوك الإيراني والولايات المتحدة الأمريكية من خلال العقوبات الاقتصادية – معمر حبار
المتتبّع لمسار العقوبات الأمريكية على إيران وموقف إيران من هذه العقوبات، يمكنه أن يقف على النقاط التالية في انتظار نقاط أخرى يمكن للمتتبّع أن يقف عليها لاحقا، ومنها:
1. ليست المرّة الأولى التي تستعمل فيها الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات الاقتصادية كوسيلة، ولا يبدو في الأفق أنّها ستتخلى قريبا عن وسيلتها المفضّلة.
2. العقوبات الاقتصادية الأمريكية شملت الجميع ودون استثناء: الشريك الأوربي، كوريا الشمالية، فنزويلا، كوبا، ليبيا، اليمن، والعراق سابقا، وسورية حاليا، والعدو القديم الممثّل في روسيا، والعدو الحالي الممثّل في إيران، والحليف الأطلسي، والجار الكندي.
3. يفهم من خلال الدول التي تعرّضت وما زالت تتعرّض للعقوبات الاقتصادية أنّها تشمل عدّة قارات حتّى لا أقول جميع القارات، أي العقوبات الأمريكية مسّت ملايين من السّكان الذين يعبّرون عن مختلف العادات، والديانات، واللّغات، والأجناس، والتاريخ، والبقعة الجغرافية.
4. من عادات الولايات المتحدّة الأمريكية أنّها تفرض العقوبات على الدولة المعنية ثمّ تطالبها بإجراء مفاوضات دون شروط، أي إجراء مفاوضات حسب الشروط الأمريكية غير المعلنة.
5. ما يمكن ملاحظته أنّ العقوبات الأمريكية تحمل قائمة من الأسماء المختلفة، فهذه باسم حماية المنتوج الأمريكي، وباسم عجز الميزان التجاري، وحماية الدولة من المنافسة القوية، وباسم لوكربي، وباسم قتل سفير الولايات المتحدة الأمريكية بليبيا، وحماية المنتوج الاستراتيجي كالألمنيوم والحديد، والمواطن الأمريكي المعتقل، وكوريا الشمالية باسم تدمير الترسانة النووية، والصين باسم الحدّ من نفوذها، وإيران باسم إعادة النظر في الاتفاقية الخاصة بالنووي، وسورية للضغط عليها لتقيم علاقات دبلوماسية مع الصهاينة، وكوبا لتركيعها ثمّ تركيع جيرانها وكذا فنزويلا، وتظلّ القائمة مفتوحة لأسماء أخرى.
6. لو وقف المرء على العقوبات الأمريكية المسلّطة على إيران، لأمكنه الوقوف على هذه الحقيقة، وهي: سبق للولايات المتحدة الأمريكية أن أقامت انقلابا عسكريا ضدّ "مصدق" الإيراني، رغم أنّه لا يوجد تشابه بين الوضع يومها والوضع الحالي من عدّة أوجه، ما يعني أنّ الولايات المتحدة الأمريكية حين تصرّ على العقوبات فإنّها لن تجد صعوبة في استخراج الأسباب والرجوع إلى القائمة لإظهار السبب ظاهريا كان أم باطنيا، والمثال الإيراني أحسن تمثيل.
7. واضح جدّا أنّ إيران لم تتفاجئي بالعقوبات الأمريكية، لذلك لم تظهر عليها علامات التخبّط والاضطراب، ما يعني أنّها كانت مستعدّة لمثل هذه العقوبات وربما للأسوء القادم، وهي التي عرفت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود طويلة من حيث العقوبات التي لم تتوقف إلاّ لتعلن ضدّها من جديد و بالجديد.
8. إيران لم تتّهم أحدا، ولم تلق اللّوم على أحد، ولم تهيّج المجتمع الإيراني، بل اتّهمت نفسها بالعجز، وأقالت مدير المصرف المركزي لعجزه عن مواجهة العقوبات وإيجاد البدائل، واتّهمت رئيس حكومتها "روحاني" بالعجز عن مواجهة الأزمة، واعترفت علانية أمام شعبها أنّ الخلل والعجز داخلي قبل أن يكون خارجي من الولايات المتحدة الأمريكية. هذه النظرة تعني أنّ الحلول تبدأ دائما من الداخل بغضّ النظر عن امكانات وقدرات الداخل، وأنّ اتّهام الخارج عمل يحسنه من ألقى ذنوبه على غيره وبتعبير مالك بن نبي رحمة الله عليه اتّهم الاستدمار عوض القابلية للاستدمار.
9. أتابع الآن وأنا أخطّ هذا المقال، أنّ إيران شرعت في الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة لمواجهة العقوبات، وأسمع لخبير إيراني يقول: هذه خطوة إيجابية لكنها غير كافية. ما يعني أنّ الإيراني يعي جيّدا حجم نفسه وحجم خصمه.
10. تدرك إيران جيّدا أنّ العقوبات الأمريكية ستؤثّر لا محالة عليها لذلك تتعامل معها بواقعية، كالاتّفاق الخماسي الخاص ببحر قزوين، والتقارب مع الصين، وتمتين العلاقات مع روسيا، وكذا بعض الدول التي تقاسمها ملف النفط والطاقة، والدول التي تشترك معها في نفس وجهة النظر تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.
11. تبقى نظرتنا تجاه إيران قائمة لن تتغيّر، خاصّة فيما يتعلّق بتدخلها في شؤون الدول العربية والمجتمعات العربية، أي نخالفها ونعارض تدخلها بقوّة.
وسوم: العدد 785