سورية بين طغيان نظام سادي وثورة شعب يتوق للحرية 3

كبرى الأحزاب المؤثرة على الساحة السياسية السورية بعد الاستقلال

(الحلقة الثالثة)

الحزب القومي السوري الاجتماعي

لقد كان تقسيم سورية الطبيعية بعد الحرب العالمية الأولى إلى أربع كيانات سياسية (سورية، ولبنان، وفلسطين، والأردن) مخيباً لآمال الوطنيين السوريين، الذين ارتضوا أن يكونوا إلى جانب الإنكليز ضد العثمانيين على أمل أن يكونوا دولة واحدة يرفرف عليها علم واحد ويحكمها زعيم واحد، فرفضوا رفضاً قاطعاً هذا التقسيم، وسعوا إلى توحيد هذه الكيانات المصطنعة، ولكن الزعماء العرب في تلك المنطقة لم يصلوا إلى اتفاق يمكنهم من تسوية خلافاتهم ويوحدهم في وجه التدخل الأجنبي.

وفيما عارض الوطنيون السوريون الفرنسيين وأعوانهم من الذين قبلوا التجزئة الداخلية، أخذ بعض الزعماء اللبنانيين يحيون رموزاً فينيقية أو بحر – متوسطية، للدلالة على شخصيتهم المستقلة في محاولة للإبقاء على وجود لبناني منفصل.

وفي ضوء هذا الواقع أسس أنطون سعادة الحزب القومي السوري الاجتماعي في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين، كحزب إقليمي ينحصر مجال نشاطه في سورية الطبيعية (سورية ولبنان وفلسطين والأردن)(1).

وكانت غاية الحزب الدعوة إلى وحدة (سورية الكبرى) أو (الهلال الخصيب) وبعث نهضة قومية سورية اجتماعية تكفل تحقيق تطلعاتها، وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها.

حزب البعث العربي

في عام 1942م أنشأ عفلق والبيطار حلقة سياسية جديدة تحت اسم (شباب البعث العربي).

لقد كانت حركة البعث تتصف بالفوضوية والحماسة، ولم تعط إلا قدراً يسيراً لبنيتها السياسية والتنظيمية، وكانت في طرح شعاراتها (تعارض) كل القوى السياسية على الساحة السياسية السورية دون استثناء (الكتلة الوطنية-الحزب الشيوعي-الحزب القومي السوري-جماعة الإخوان المسلمين). بالإضافة إلى الإقطاعيين والرأسماليين. وكان البعثيون حريصين على أن يكون البعث هو الصيغة القومية العربية التي تنتفي منها الحركة الدينية والشيوعية معاً.

وفي عام 1945م تم تكوين مكتب تنفيذي لحركة البعث ضم كلاً من: (ميشيل عفلق وصلاح البيطار ومدحت البيطار وجلال السيد).

وخلال هذه المرحلة استعمل مؤسسو حركة البعث لأول مرة كلمة (الحزب) بدل الحركة، وفي 3 تموز 1946م حصلوا على ترخيص بإصدار جريدة أطلقوا عليها اسم (البعث). ونظراً لافتقار الحزب إلى جهاز سياسي قوي، فقد أتاحت هذه الجريدة الفرصة للبعثيين كي يبلوروا وينمٌوا خطهم السياسي في مختلف الميادين.

وفي هذه الفترة نشط حزب البعث في حقل الطلاب الجامعي والثانوي في مدينة دمشق. كما كان هناك بعثيون متفرقون في مختلف المدن السورية كحمص واللاذقية وحلب.

عًقد المؤتمر التأسيسي الأول لحزب البعث العربي ما بين الرابع والسادس من نيسان عام 1947م في دمشق، وترأس المؤتمر (جلال السيد) وكان المؤتمر مفتوحاً لكل عضوٍ في الحزب سواء أكان سوريّاً أم غير سوري، وكان عدد الحاضرين لا يتجاوز المئتين، وكانت أعمار أكثرهم تقل عن الثلاثين سنة.

وظهر في مؤتمر الحزب الأول خلاف بين المجتمعين، حيث انقسم الحضور إلى تيارين كبيرين: تيار معتدل ويقوده ميشيل عفلق وتيار متطرف ويقوده الدكتور وهيب الغانم.

وبعد انفضاض المؤتمر صدر عنه (دستور الحزب) وهو:

البعث العربي حركة قومية شعبية انقلابية تناضل في سبيل الوحدة العربية والحرية والاشتراكية.

(كان أعضاء الحزب في أغلبهم من أفراد ينتمون إلى طوائف غير سنية ومن المسيحيين، وكانت أفكار هذا الحزب قومية شوفينية تدعو إلى القومية العربية والوحدة العربية العلمانية تحت شعار (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)-(وحدة حرية اشتراكية)، ولكنه لم يحقق شيئاً من كل هذه الشعارات.. مع أنه لم يأت في مجال الأفكار بأي جديد.. فكل ما طرحه كان مطروقاً في سورية من عدالة اجتماعية (اشتراكية) ومن الحرية التي تبنتها جل الحركات وكذلك الوحدة العربية. وقد كانت الفكرة الجديدة لهذا الحزب وقد تكون هي الفكرة الكبرى التي أنشئ من أجلها وهي قول ميشيل عفلق:

"إن القومية أخذت مكان الدين في تاريخ العرب الحديث، فهي المبدأ وهي المحرك الأساسي للمجتمع العربي.." ورفض عفلق اعتبار الإسلام نظاماً تشريعياً وحضارة ذات طابع عالمي في ذاتها كما في محيطها.. ولا يمكن العودة إليه لاستيحاء التغيير والثورة. ولعل هذا ما جلب الأقليات الطائفية ليكونوا المكون الأبرز في هذا الحزب.

وقد أشار إلى هذا مطاع الصفدي أحد مفكري هذا الحزب بقوله: إن البعث منذ بدايته كان حركة طائفية.(2).

ونظراً لأهمية الدور الذي لعبه هذا الحزب في الحياة السياسية والاجتماعية في سورية قبل وبعد تسلمه الحكم فإنني سأفرد له أكثر من حلقة في الأيام القابلة إن شاء الله.

جماعة الإخوان المسلمين

تشكلت الجمعيات الإسلامية في معظم المدن السورية، وكان من أهمها وأنشطها:

1-(الرابطة الدينية) في حمص سنة 1934م

2-(دار الأرقم) .. أسست في مدينة حلب سنة 1935م.

3-(جمعية الشبان المسلمين) .. أسست في دمشق.

4-(جمعية الإخوان المسلمين) .. أسست في حماة عام 1939.

6-(جمعية دار الأنصار) في دير الزور 1941م.

وعقدت هذه الجمعيات عدداً من اللقاءات للتنسيق فيما بينها وتوحيد الجهود، وتوجت تلك اللقاءات بمؤتمرها العام الأول الذي عقد في حمص عام 1936م، وفي عام 1937م عقدت مؤتمرها الثاني في حمص أيضاً، وفي عام 1938 عقدت مؤتمرها الثالث في دمشق، وقررت فيه اتخاذ (دار الأرقم) في مدينة حلب مركزاً رئيساً لسائر الجمعيات، واتخذت قرارات بإحداث منظمات السرايا والفتوة في كل مركز.

مرحلة تكوين جماعة الإخوان المسلمين في سورية(3)

عام 1945م تنادت الجمعيات الإسلامية في سورية إلى اجتماع عقدوه في مدينة حلب، تمخض عن تأليف لجنة مركزية عليا في دمشق، عينوا لها مكتباً دائماً، واختاروا الأستاذ مصطفى السباعي رئيساً له وقد سمي (المراقب العام) وأعلن عن قيام الجمعية الجديدة تحت اسم (الإخوان المسلمون) كجزء من تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وبويع السباعي في نهاية المؤتمر مراقباً عاماً للجماعة مدى الحياة.

وبقيام جماعة الإخوان المسلمين، وجد المسلمون الإطار الملائم الذي يصبون جهودهم من خلاله في سبيل نصرة الإسلام والمسلمين.

وإذا لم يكن من السهل وضع حدود قاطعة في مراحل نمو الجماعات وتطورها التاريخي، فإن أضخم إنجاز حققته (جماعة الإخوان المسلمين) في مراحل تكوينها الأولى أنها أخرجت الإسلام من الزوايا والتكايا، وأسقطت وصاية كثير من المشعوذين والدجالين، وأكسبت الإسلام مداً جماهيرياً ضخماً بتبنيها لفكرة (الإسلام دين ودنيا، عبادة ودولة).

وانتشرت فروع ومكاتب الجماعة في طول البلاد وعرضها، في المدن والأرياف. وكان روادها من كافة طبقات الشعب دون تمييز، مما أكد حقيقة أن الإسلام صالح ومصلح لكل مكان ولكل زمان، وبابه مفتوح لكل الناس.

---

1-الأحزاب السياسية في سورية-دار الرواد-ص(71).

2-مطاع الصفدي-(كتاب البعث مأساة المولد)-ص(69).

3-كتاب الإخوان المسلمون في سورية – ج1 – عدنان سعد الدين

وسوم: العدد 793