الفاسدون والفاسقون يحتلوا مقاعدا في البرلمان
قَالَ جالينوس" الْجَهْل بِالْجَهْلِ جهل مركب، لِأَن أَجْهَل وَأعلم أنني أَجْهَل، أحب إِلَيّ من أَن أَجْهَل وأجهل أنني أَجْهَل". (كتاب تسهيل النظر).
سبق أن تحدثنا عن مسرحية الإنتخابات المتكررة في العراق بشكل عام، وكانت الإنتخابات الأخيرة سلسلة من المهازل، كأنك تشاهد مسرحية كوميدية لعادل إام، وكانت النتيجة بحق أم المهازل، عندما بدأ رئيس الوزراء الجديد الذي يسمونة دكتورـ وهو لم ينل درجة الدكتوراة كما يدعي البعض، ويمكن الرجوع الى جامعة السوربون للتأكد من هذا الموضوع ـ بكذبتين أولهما فتح النافذة الألكترونية لإنتخاب كابينته الوزارية، وثانيها إختيار وزرائه من التكنوقراط، وكان رأي مرجعية النجف (المجرب لا يجرب) قد ذهب أدراج الرياح، لأن المرجعية نفسها كذبت عندما وافقت ودعمت عادل عبد المهدي وهو جزء من منظومة الفساد، وقد جُرِب كوزير نفط ومالية ونائب رئيس وزراء.
الحقيقة ان هذا الموضوع سبق أن ناقشناه فيما مضى ولا ضرورة في فتح الملف ثانية، فليس كل ما يدركه الشعب يدركه. ولكن من الأمور التي تستفز الكاتب هو إختيار نائب في قمة الطائفية والعنصرية والفساد الإخلاقي، وهذا النائب له من الموبقات ما لا يعد ولا يُحصى، انه وجيه عباس الذي صَبَح العراقيين بعبارته المشهورة (صباح العي ..)، ولا نعرف كيف سيُمسي على المشاهدين، بعد هذا الصباح المخزي؟
الحقيقة تسمرت وأنا استمع الى تحية الصباح هذه، سيما ان الكثير من الأطفال والسيدات العراقيات إستمعن الى هذه التحية كما أظن، في أول الأمر فكرنا: لربما الرجل أخطأ ولم يقصد هذه العبارة، لكن هناك إختلاف في صوت الحرف ما بين العين والخاء، فلو جربت مثلا قول كلمات الأخوة، الخميني، الخمر، وإستبدلت حرف الخاء بالعين، فتحصل على كلمات (الأعوة، العميني، العمر)، بمعنى انه يمكن للمتكلم ان يخطأ بحرف السين فيستخدم الشين أو الصاد أو الزاء او بحرف الضاد بدلا من الظاء، لكن حرفي العين والخاء لا يمكن الخطأ بينهما مهما بلغ حمق المتكلم، بمعنى ان تصبيحة هذا النائب مقصودة ولم تأتي عفوية.
الأمر الثاني الذي فكرنا به: لربما هذا النائب الجديد (مقدم برنامج سابق في قناة العهد) كان مخمورا، ولكن كيف يكون مخمورا في الصباح، وكيف سمحت له القناة ـ وهي إسلامية كما يفترض ـ ان يخرج على الناس مخمورا وبهذا الإستهتار بمشاهديها والتصبيحة المخزية؟ وبإعتبارها قناة شيعية ومشاهديها من الشيعة فقط، لماذا لم تحترمهم، وتقدم لهم إعتذار عنا تفوه به السفيه مقدم البرامج؟ هناك بالطبع إحتمالات:ـ
اولهما: إنها لا تجد مشكلة في هذا الأمر، فهو أمر طبيعي في مجتمع يعتقد البعض انه محافظ. ثانيهما: إنها تعرف حق اليقين بأن ليس عندها ذلك الكم من الجمهور المتبع للقناة، فلم تبالي بالأمر. ثالثا: انها لا تظن ان جمهورها يستحق الإعتذار، على إعتبار ان جمهورها يؤمن بالميليشيات، والقناة معبرة عن لسان ميليشيا عصائب أهل الحق الإرهابية.
أطلق النجم أحمد البشير مقدم برنامج (بشير شو) إسم (عمو صباح) على هذا النائب الوقح مذكرا الشعب العراقي بصباحه المشؤم، والحقيقة ان إستهتار هذا النائب لم يتوقف عند حد، وربما لو أحيل إلى القضاء العادل، فإن أقل جريمة يُدان عليها هي 4/ إرهاب، ولكن هذه المادة القانونية قد أعفي منها الشيعة مهما كانت جريمتهم، فهي مخصصة لأهل السنة فقط، حتى عند الإشتباه بأحدهم. فبرنامجه بحد ذاته يزكم إنوف المشاهدين من رائحة النتنة المفعمة بالطائفية والحقد والسفالة والتمييز العنصري والإسهال الفموي، بل يمكن القول بأنه من الصعب جدا أن تتجمع كل هذه الرذائل بشخص واحد، بما فيها الحيوانات. لذا لا نستغرب عندما يطلق العراقيون عنوان (قناة العهر) بدلا من (قناة العهد)، العائدة الى ميليشيا عصائب أهل الحق وزعيمها الإرهابي قيس الخزعلي.
وبسبب إساءة هذا الوغد للخليفة الراشد عثمان بن عفان، طالبت هيئة الإعلام والإتصالات قناة العهد بإيقاف برنامجه (كلام وجيه)، والحق ان يُسمى (كلام سفيه)، وبدلا ان تقوم القناة بتنفيذ الأمر فورا وتتقبله برحابة صدر، إحتجت على هذا الأجراء وأعتبرته تعسقيا لا يتوافق مع حرية التعبير. مع ان برنامجه يزخر بالألفاظ النابيه الموجهة الى أهل السنة حصرا، فقد جاء في قصيدة له تذكرنا بأحد الشعراء الحدث، وقد عرض قصيدة له على شتعر كبير، فقال له الشاعر: ابن كتبت عذه القصيدة؟ فأجابه: بالخلاء. فقال له: هذا واضح فإن رائحة قصيدتك كريهة جدا. قال وجيه عباس في قصيدة ركيكه كحاله، يهجو السياسي السني ظافر العاني بقوله:
حيوا المحفحف والمكطكط المهلوس شعرا والملطلط
المخبر المدني والقومــــي والوجه المحير والمحنط
وعن رافع العيساوي وزير المالية الأسبق قال" هل هذا العيساوي عراقي؟ يأنف العراق ان يقال هذا عراقي، هذا يريد يغتصب العراقيين كلهم، يغتصب أراضيهم ويغتصبهم شخصيا". ونفس الإهانات وجها الى" مشعان الجبوري، محمد يونس الأحمق (هو الأحمد)، عزت الدوني (يقصد الدوري) وهلم جرا". بالطبع لسنا معنيين بالدفاع عن ظافر العاني أو رافع العساوي وغيرهما فهم من مخرجات العملية الفاسدة، ولا يمثلون أهل السنة لا عن قريب ولا عن بعيد. وهذا ما يقال عن البقية من البعثيين، فهم أحياء ويمكنهم الدفاع عن أنفسهم.
وفي تهجم غير معقول على أهل الفلوجة قال بلسانه البذيء مخاطبا أحدهم" إبن الطراك (شتيمة) يمكن نسوانكم يحبون نكاح الجهاد ومكيفين (منبسطين عليه)؟
وفي تهجم آخر على أهل الموصل قال" ان البسطال (حذاء الجنود) عندنا شيء قدسي (اي مثل مراجعه)، وهو يسوى الموصل (أي بقيمة أهل الموصل)! وبدلا من أن يطرده مقدم برنامج إستضافته (قناة الفلوجة الفضائية)، إستدرك وجيه بالقول" انه لم يقل أهل الموصل"، ويبدو انه يجهل عندما يقال العراق مثلا فالمقصود هو الوطن والشعب والحكومة، وعندما يشتم أحدهم العراق، فإنما يشتم شعبه وحكومته وسيادته وليس الأرض فحسب. المهم كان إعتراض مقدم البرنامج على ضيفه وجيه غير كاف ولا منصف بقوله" ان الموصل تأريح وحضارة ودنيا وعالم"، هو أقل بكثير مما يتوقعه المشاهد من قناة يفترض إن أكثر متابعيها من أهل السنة، ويتجاوز الضيف بكل وقاحة على أهل السنة. وفي تجاوز آخر ذكر" من بقي في الموصل ولم يغادرها أصبح داعشيا". مع انه لا يجهل أحد إن عناصر داعش إحتجزت أهل الموصل ومنعتهم من مغادرة مساكنهم، علاوة على محبة الموصل لمدينتهم وصعوبة مفارقتها، وهناك من لا يتوفر عنده سكن بديل او قريب في محافظة اخرى يلجأ اليها، علما ان قوات الشرطة والجيش والحشد الشعبي كانت تعتقل كل الرجال والشباب الذين ينجحوا في الهروب من الموصل على إعتبار انهم دواعش أو مشتبه بهم على أقل تقدير، يعني مثل ما قال وجيه عباس بالضبط. والدليل على كلامنا ان الآلاف ممن هربوا من الموصل وسلموا أنفسهم للجيش والحشد الشعبي ما زالوا مغيبين لحد الآن ولا يُعرف مصيرهم، وأهلهم ناشدوا العالم والحكومة لمعرفة مصيرهم، ولكن لم يستجب أحد لندائهم، كما قال المتنبي:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
فالحكومة العميقة (حكومة الميليشيات) هي أقوى سلطة في العراق، وتُسير السلطات الثلاث كما تريد؟
في محاولة سخيفة لتشويه صورة الكرد العراقيين أخرج وجيه عباس عام 2015 فديو يصور أحد المتظاهرين الكرد وهو يحاول إحراق العلم العراقي، مع أن الفيلم يتعلق بتعرض بمتظاهرين سوريين تعرض أحدهم الى صعقة كهربائية وهو يتسبق عمود الكهرباء وذلك عام 2012، فالفيلم في سوريا، ولا يوجد أصلا علم عراقي مرفوع، بل أعلام كردية فقط. وبوقاحة وصلافة يتبنى دعوة بايدن الى تقسيم العراق بقوله" نحن مع التقسيم، ليس بين الشيعة والسنة، نحن مع التقسيم، لكن بإبتعاد الدولة الكردية عنا".
مع كل هذه السفالة والإسفاف والتطرف الطائفي وإهانة أهل السنة في العراق، والخطاب التحريضي، رشح وجيه عباس نفسه الى الإنتخابات الأخيرة عبر ما يسمى بعصائب أهل الحق، وهذه بحد ذاتها خطوة غير مسبوقة، فمن يختار هذا الأمعي، وهل هناك عراقي له ذرة من الغيرة والكرامة والشرف ينتخب هذه الشخصية المقيتة؟ ربما يخطر على البال ان عناصر ميليشيا العصائب سوف تنتخبه، ولكن هؤلاء بضعة آلاف لا قيمة لها في الواقع الإنتخابي.
ان إنتشار الجهل والأمية والطائفية والقبلية والعنصرية التي ولدتها العملية الديمقراطية كفيلة بقلب كل الموازين والمقاييس بما فيها الوطنية والأخلاقية، صحيح ان المثقف ينتخب المثقف، والعشيرة تنتخب مرشحها، والقومية تنتخب ممثلها، وهكذا الأقليات العرقية والمذهبية. لكن مما لا شك فيه إنه لا ينتخب السافل والمنحط غير السافل والمنحط، وكما قيل " شبيه الشيء منجذبا اليه".
الكثير إعتقد أن هذا الوغد الطائفي إنما يغامر بهذا الترشيح، لكن ليس كل ما يقال يَصُح، فقد جاءت نتيجة التصويت لصالح وجيه عباس كنائب عن محافظة بغداد (تحالف الفتح/ صادقون)، وحصل على (16590) صوت.
مما شك فيه ان جمهوره الإنتخابي هم من الرعاع والسوقة وعناصر ميليشيا العصائب الذين يستلذون بكلامه غير المهذب، او هم ممن يكرهون أهل السنة كراهية مقيتة، قال علي بن أبي طالب" الناس ثلاثة: عالم ربّاني، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كلّ ناعق، مع كلّ ريح يميلون، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق".
بالطبع هذا لو افترضنا سلامة التصويت، لأنه ليس من المعقول ان تحصل ميليشيا العصائب على مقعد واحد في الإنتخابات السابقة، وتحصل في الإنتخابات الأخيرة على (15) مقعد في البرلمان العراقي، علما ان الفترة الأخيرة تلطخت فيها سمعة العصائب بعد إختطافها عدد من الإعلاميين ومنهم أفراح شوقي، إضافة إلى حمايتها النوادي الليلة والملاهي وحانات الخمر مقابل أتاوات، ودورها في إختطاف الأمراء القطريين بالتعاون مع حزب الله، وتصادمها مع ميليشيا مقتدى الصدر عدة مرات في شارع فلسطين في العاصمة، علاوة على إعتداءاتها المتكررة على رجال الشرطة. ولا أحد يجهل بأنها من أذرع الولي الققيه في العراق. لذا تبقى مسأة إنتخابه تثير الحيرة والإشمئزاز، حقا
صدق عمرو بن العاص بقوله" لأن يسقط ألف من العلْيةِ، خير من أن يرتفع واحدُ من السفلة". (كتاب درر الحكم).
وسوم: العدد 797