الجيش الإسرائيلي يقتل الأطفال لنيل الألقاب

الجيش الذي يربي جنوده لقتل طفل ابن 11 سنة من بُعد مئة متر، لا يمكنه أن يكون مستعداً لحروب حقيقية. اسحق بريك هو أيضاً غير مستعد، غير مستعد للاعتراف بالمشكلة الحقيقية للجيش الإسرائيلي وجنوده. أي نوع من الجيش المستعد والمؤهل يمكن أن يكون لنا كجنود وقادة وقانونيين تعلموا ويعلمون على التفكير بأن هذا شرعي وطبيعي ـ أن نقتل مواطنين متظاهرين غير مسلحين خلف حدود القطاع واقتحام بيوت في الليل مليئة بالأولاد ونحن ملثمون ومسلحون حتى الأسنان.

كيف ننتظر استعداداً للحرب من جنود وقادة على قناعة بأنهم يستحقون الصفة المشرفة «مقاتل» في الوقت الذي يقومون فيه بإغلاق الشوارع ويطردون الرعاة من مراعيهم، وفقاً لأوامر المستوطنين، ويصيبون مزارعين على أراضيهم أو يرافقون موظفي الإدارة المدنية عندما يقومون بتخريب بئر ماء أو أنبوب. الأسوأ من ذلك هو أن المربين في المدارس مثلهم مقتنعون، وكذلك الآباء مقتنعون بأن صفة المقاتل تناسب الجيش.

الجنرال احتياط بريك، مفتش شكاوى الجنود، بقي في المجال الآمن والمريح للانتقاد، والرقابة والتوبيخ: السلاح لا ينظفونه، والضباط منشغلون بأمور التقاعد، ويتقاعدون مبكراً، ومكالمات مطولة في الهاتف المحمول. هذه تعتبر مشاكل خطيرة تثير السياسيين والمراسلين منذ نصف سنة. حقيقة أن جنودنا هم ممثلون مخلصون للشعب الإسرائيلي، تم ترويضهم كي يعملوا كسجانين وقتلة عند الحاجة لمليوني شخص، هذه لا تعدّ مشكلة. وكذلك ليس حقيقة أن جنودنا تم إرسالهم من أجل ضمان نجاح مشروع الاستيطان الطردي.

الخليل، 2014، ملازم في «الناحل» قال لنشطاء «نحطم الصمت»: («من كراسة شهادات جديدة لهم بعنوان «خط الخليل»). «كان هناك مقطع يقول إن أحد المستوطنين أعطى فأساً لجندي أطلق النار على ركبة فلسطيني. نعم فأس، وأيضاً قائد الكتيبة قال: إن كل من يجلس على ركبتيه (تعبير يتعلق بإطلاق النار على الأرجل بهدف الإصابة وليس القتل، في إطار تعليمات إطلاق النار الخاصة بالجيش الإسرائيلي)، أو يقوم بقتل مخرب، فإنه يحصل على إجازة طويلة في نهاية الأسبوع. جندي من جنودي جلس القرفصاء قبل مجيئي، حصل على درع تقديرية وخرج إلى إجازة نهاية أسبوع طويلة. هكذا يوجهونك لأن تكون جندياً، والجندي يجب أن يرغب في القتال بقدر استطاعته، عندها تصل إلى مكان مثل الخليل، حيث هناك لا توجد حرب، وعندها توجه كل طاقتك القتالية إلى جلوس القرفصاء».

جنودنا المحصنون من جهاز قضائي وفلسفة عسكرية وقائية، يعتقدون أن البطولة الوطنية هي أن تطلق النار على الهدف على بعد 100 ـ 150 متر على شباب غير مسلحين (أو مسلحين بالإطارات المشتعلة)، وأن تقوم بإنزال ركبهم (القطاع مليء بالشباب الذين فقدوا السيقان في الأشهر الأخيرة)، أو أن تقوم بقنص طفل وتقتله، الذي قد يكون ممسكاً بصاروخ نووي أو لا يكون (حجر). منذ بداية مسيرات العودة في قطاع غزة في نهاية شهر آذار، قام جنودنا ومقاتلونا الأبطال بقنص 35 طفلاً (بعبرية تملصية: قاصرين، حيث يتعلق الأمر بفلسطينيين)، تظاهروا قرب الجدار ضد خنقهم وخنق القطاع. إذا ما كان الهدف المعتاد الماثل أمام جنودنا سهل الإصابة، كيف سيكون مستعداً لحرب أمام جيش حقيقي؟ هذا السؤال لم يسأله بريك.

في 21 كانون الأول قتل جنودنا ثلاثة متظاهرين فلسطينيين قرب جدار معسكر التجميع الذي صنعناه من القطاع، أحدهم هو محمد جحجوح (16 سنة) من مخيم الشاطئ.. رصاصة أصابت رقبته، حسب تقارير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. بريك ـ مثل معظم المجتمع الإسرائيلي والسياسيين الإسرائيليين، لم يخطر بباله الاستناد إلى مصدر فلسطيني. ولكن تحقيقات «بتسيلم» و«نحطم الصمت» هي خارج حدود الاستقامة والمصداقية لدينا.

في نهاية تشرين الثاني، نشر «بتسيلم» تحقيقاً عن أربعة أولاد أطلق جنودنا المقاتلون النار عليهم، وهؤلاء الأولاد مجهولون بالنسبة لنا، لكنهم العزيزين الذين يفخر بهم آباؤهم. القتلى هم: ناصر مصبح (11 سنة)، ومحمد سرساوي (13 سنة)، وأحمد أبو حبل (15 سنة)، وصهيب أبو كاشف (16 سنة). قراءة الشهادات قاسية، تقرأ عدة جمل وتتوقف من أجل التقاط الأنفاس. الحل الإسرائيلي المعتاد ـ تجاهل تحقيقات كهذه وآلاف مثلها ـ هو الحل لدى بريك.

مصبح الصغير ـ الذي ولد في الحروب والحصار ـ انضم لشقيقتيه المتطوعتين في الهلال الأحمر لمساعدتهما في إنقاذ المصابين في مظاهرات الجدار. الأطفال كبروا بسرعة، حتى في غيتو وارسو وفي حلب المقصوفة. ركض من العيادة المتنقلة وأحضر معدات طبية ضرورية للإسعاف الأولي للمصابين، وفي 28 أيلول، الساعة السادسة إلا ربعاً، بعد أن ركض لإحضار شيء لأخته كان يبدو واقفاً على بعد 90 ـ 100 متر من الجدار في منطقة خزاعة، وعلى بعد 80 متراً من النتوءات (جدار آخر وضعه الجيش في المنطقة)، لقد نظر نحو الخيام البعيدة أكثر، وفجأة سقط على الأرض، ركض نحوه ممرض متطوع وقال «عندما وصلت كان ملقى على ظهره مع إصابة في رأسه وجزء من دماغه خارج جمجمته». جيش يربي جنوده على أن يطلقوا النار بهدف القتل على طفل ابن 11 سنة على بعد 100 متر عنهم، هو جيش لا يمكنه أن يكون مستعداً إلا لحروب النهب وطرد المواطنين.

وسوم: العدد 805