المنطقةُ الآمنة في سورية بين مشروعية المطلب، و تباين الرؤية
لطالما أبدت تركيا رغبتها في إقامة منطقة آمنة في الشمال السوريّ، بعرض 110كم، على امتداد حدودها من جرابلس " غرب الفرات " وصولًا إلى إعزاز، و بعمق 65كم، لتشمل منطقة الباب، و هي المنطقة التي دخلتها تركيا في عملية درع الفرات، بعد طرد داعش منها، في أيلول/ 2016.
و قد دار نقاش عريض حول مشروعية المطلب التركي في المضي قُدمًا في رغبتها، أسوةً بما كان في شمال العراق في سنة 1991، فهل يعطي القانون الدولي تركيا الحقّ في التطلع نحو إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية، من دون موافقة النظام، ودعم المجتمع الدولي، بغية إعادة آلاف اللاجئين السوريين إلى سورية، عبر إنشاء منطقة آمنة توفر لهم الحماية والعمل والبقاء؟
فمن الذي يضمن لتركيا في المستقبل أنها لن تتحول في نظر كثيرين إلى دولةٍ تفرض نفسها بالقوة، وتتدخل في الشؤون الداخلية لدولةٍ جارةٍ، بينما كانت تردّد دائمًا أن غرضها الأساس هو إبعاد التنظيمات الإرهابية عن حدودها، والدفاع عن وحدة سورية واستقرارها ؟
الأمرُ الذي جعل الرغبة التركية تراوح في مكانها؛ على الرغم من تهيئة الظروف العملياتية، و الإنسانية لها، و ذلك بسبب إعراض حكومة أوباما عن مناقشتها، و تعنت روسيا في أخذ موافقة النظام للمضي بها، و جعل أبواب مجلس الأمن مغلقة في وجهها.
و أخيرًا وجدت تلك الفكرة طريقها للولادة على ما يرى عدد من المراقبين، بعد أن نالت الموافقة الأمريكية، حيث أعلن الرئيس ترامب في تغريدة له في: 14/ 1/ 2019، عن نية الولايات المتحدة إقامة منطقة آمنة 20 ميلا " 32 كم "، و لكن في منطقة أخرى غير ما كانت تنويها تركيا، حيث ستكون في منطقة شرق الفرات، وصولًا إلى الحدود العراقية التركية ـ السورية، بغية إيجاد منطقة حماية للمليشيات الكردية التي تحتمي بأمريكا، و تنوي تركيا التخلص من وجودهم في تلك المنطقة؛ بدعوى تصنيفهم إرهابيًا، كونهم يشكلون امتدادًا تنظيميًا لحزب العمال الكردستاني، و هو الأمر الذي يباين تمامًا التطلعات التركية.
و كان لهذه التغريدة تداعيات ومتابعات إقليمية و دولية، ذات انعكاسات سياسية و عسكرية و اجتماعية على الملف السوري.
لقد ناقش القانون الدولي العام قضايا، مثل خطط المناطق العازلة أو الفاصلة بين المتحاربين أو الحظر الجوي، وإعلانه لمنع استهداف المدنيين في مناطق معينة وممرات إنسانية آمنة، لتوفير انتقال المدنيين أو إيصال المساعدات إليهم، لكنه و للمرة الأولى يتعرف على مصطلح " المنطقة الآمنة " الذي روّجت له تركيا على طريقتها، ومنذ أكثر من أربعة أعوام، و أعاد الحديث إليها ثانية الرئيس ترامب في تغريدته تلك.
لقد أشاعت المكالمة التليفونية بين الرئيسين أردوغان و ترامب، مساء الاثنين: 14/ 1/ 2019، أجواء إيجابية بشأن فكرة " المنطقة الآمنة "، على الرغم من تباين الرؤيتين التركية و الأمريكية حولها، و هو الأمر الذي قد يجعلها قريبة الولادة، في حال لم يقم ترامب بنسفها بتغريدة أخرى، قبيل خلوده إلى النوم في أية ليلة قادمة.
و يبقى السؤال: ما هو المدى الذي ستستفيد منه مكونات الشعب السوري عامة، من هذه الخطوة في حال قيامها؟
و ذلك أن السير في خطة مؤسسة راند، و تفاهمات سوتشي بخصوص إدلب قد تخطاها، و جعل منها فكرة باهتة، و لم تأتِ سوى كمخرج من حالة الاستعصاء في العلاقات التركية ـ الأمريكية، عقب الاستعداد التركي لطرد تلك الميليشيات الانفصالية، بقوة عسكرية يتجاوز قوامها الثمانين ألف مقاتل بالاشتراك مع قوات الجيش الوطني السوري، و هو ما تعارضه أمريكا بشدة، و تهدّد بانهيار الاقتصادي التركي في حال أصرت تركيا على المضيّ فيه.
وسوم: العدد 807