المبدعون في الفشل
في عالمنا الصغير لا ينبغي أن ننسى الإرادة الدولية في تحسين الحال أو اجراء تغيير في الوضع الراهن وفق مصلحة من تهتم به تلك الإرادة الدولية التي سنبقيها بهذا الاسم ونضعها مبنية للمجهول.
فشل النخبة:
النخبة: هي المتصدرة للتفكير بين المفكرين، وهي المتصدرة للصناعة بين المهنيين، فنخبة السباكين من يقوم بأعمال السباكة على أفضل وجه، وتحديد العطل ولوازم تصليحه ودون مضاعفات، ونخبة الأطباء أشهرهم في التشخيص والعلاج ودون مضاعفات.... وهكذا دواليك الأمر في تعريف النخب إلى أن نصل إلى نخبة الأمة من كل هؤلاء وهي موضوعنا لأنها قائدة كل النخب وهم النخبة الريادية التي تضع الحلول وتجد ساحة أعمالهم وتبلطها وتغنيها بلوازمها ليقوم كل في عمله ويتابع التطور المدني في العالم ويشارك في تطويره للعالم وهكذا يجري عمل النخب.
وحين تقوم بمنتدى أو تجمّع للنخب فإنك لا تتوقع أن تسمع كلاما مرسلا أو تضطر للتوضيح لكل نقطة وشرحها بكتاب لكي توصل فكرة.
إنك لا تتوقع حين تطرح فكرة أن توصف بالخيال أو أنها غير عملية دون دراسة أو أرقام مع وضع البديل.
إنك لا تتوقع أن هنالك قلوبا تَمكّن من عقلها الطغيان وأن نموذجها المثالي محض طاغية جاهل عطّل الأمة لمجرد أنه كان يفعل كل شيء ويبرر وجوده عجزهم وكسلهم وأخفت جرأتهم بسفاهته، وعطل تفكيرهم باستعباده، وضاعت هممهم بنزواته، فباتوا كبلبل القفص ما ان تخرجه من قفصه حتى يعود إليه فرحا ينفض ريشه.
فالنخب تأخذ الأمور بظاهرها، واحترام الرأي عندها ألا تخالفها، والشخصانية مرتفعة ولا تجيد عمل الفريق، نوع من التخلف الواضح، تحب الظلم وتهوى ممارسته، ولكنها تكره أن تكون مظلومة، بل تعتبر أن غلبتها برأي سقيم وبسفاهة السلوك هي قمّة النجاح، لا تنتج أفكارًا وإنما تجيد الانتقاد لا النقد، فإن وجدت ما يذم تذم، وإن وجدت ما يمتدح فتمتدح من تحب وتنكر مدح من تكره، تبالغ في التجريح وتزرع الإحباط، تلك الأمور ليست غريبة في أمة هي بيئة لمنظومة تنمية التخلف، بل هو طبيعي بميزاتها التي لا تتوقع خيرًا منها كما لا تتوقع أن ينتج الزنبور عسلا، وتمجد الطغاة لأنها المعبر عن دواخلها المحبة للهيمنة والعلو بدون أسباب للرفعة ... للأسف هذا السائد على معظم من يسمون بالنخبة اليوم التي نستطيع ان نقول: إن ما تطرحه يرتكز على انطباعات أو على جهات التمويل لحاجتها الإنسانية, تستغل نظم تشريد النخبة من نظم أخرى فتستخدمها بهذه الطريق المؤذية.
نخبة الفشل:
هذه النخب هي التي تستّرت وراء مظالم وهمية وأيدولوجيات وصفية أو دينية أو غيرها لتبرر رغبتها بالسلطة والسيطرة على المال، تصيبها الدهشة حين تجد نفسها في السلطة وبلا برنامج بناء أو خطة تنموية، فتصبح فرشاة يرسم بها الأخرون خططهم وهم لعظم تفاهتهم لا يمكنهم إخفاءها، فهم يبدعون ابداعا رهيبا في تدمير البلد والقضاء على مقومات وحدته ووجوده، وظهر الطاغية الذي في داخلهم والذي كان يستنكر الطغيان ففرغت الخزائن وسقط الأبرياء وهدم العمران والبناء.
توالي الفاشلون وتوابعهم ولقرن من الزمان أوصلوا البلاد الى حالة من تفكيك الانتماء والذي كان يرافقه هدم للقيم والانسان، أوطان بلا مواطنة أو إحساس حقيقي بأن كرامتك في ارضك، العيش بات عبئا، الأمان حلم الناس والأمن رفاهية، عبورك ليوم آخر إنجاز كبير والاقدار لا فضل لك فيها ولا تأثير، لكن ما تأثيرك في أي شيء ليكون لك تأثير في وجودك، لا مراجعة للرأي ولا للتفكير أنا قادرة على لا شيء. وكرامة مستجلبة أمام الأضعف, مهداة للقوة، هذا ليس عالم الإنسان وإنما ما تصنعه النخبة الفاشلة عندما تحكم المكان.
إن كنت صالحا وتريد الإصلاح، فالنخب الفاشلة لا تتوافق معك في برنامجها بل أنت فايروس يجب قتله, أو وباءً يجب طرده، يقولون: إن هنالك فسادا ويجب إنهاء الفساد بتشكيل منظومات تحمي البلاد.... لكن من يتكلم فاسدٌ ومن يتحرك فاسد وإنما يرى فساده حق له وهو يتحدث عمّا يرى غيره يحدثه من فساد، الغلبة في المحاصصة لريع السرقات ومواضع الاختلاسات والقوموسيونات، هذا هو الفساد عند الشريك، ويجب مراقبته ومحاسبته لنبتز منه ونشاركه الفروقات، ولنضمن ذلك ننشئ المؤسسات وإلا فأي مؤسسة حققت شيئا من عنوانها، فتتحول تلك المنظومات إلى منظومات تبرير وتشريع للفساد بل منظومات من مهامها مقاومة الصالحين بكفاءة عالية لا تفوتها شاردة ولا واردة، فهم تحديات لمنظومة التخلف هذه؛ فتضيق الصدور وتنقبض النفوس، وعندها يصبح رحيل المواطن الصالح عن الوطن أمل، بل هو فرض الساعة... سيقول البعض: لم لا يقاوم، لا يقاوم لأنه يطارد كوباء أو جرثومة ويرش بمبيد كحشرة، ويختبئ خائفا من أية تهمة فقد يتهم هو بالفساد، وأنه من يأكل أموال العباد وأنه عنصر تدمير البلاد.
في بلاد غزاها الغرب والولايات المتحدة ستجد بأن الحثالة تأنقت ولكل المراكز احتلت، فمهمتها واحدة واختصاصها واحد لا تحتاج لشهادات ولا ممارسة للعمل ولا كفاءة إلا واحدة هي كيفية تحويل الأموال من المطبعة إلى السركال وبحماية الملاج من جهات العالم الأربعة والى جهات العالم الاربعة
فما هو الحل؟
الإصلاح يأتي من البيئة عادة لكن في بيئتنا يحتاج إلى قناعة وإرادة دولية، وهذا يؤثر على تعريف النخب التي ترتقي بالبلد.
بلداننا ذات موقع جغرافي وخلفية تاريخية وبنية حضارية فكرية ذات أبعاد ومثاني بها حلول ينبغي استنباطها لواقعنا.
المثقفون الحاملون لفكر الطغيان والمأسورين به يُعدون من عوامل الإعاقة للتقدم وتثبيت الأقدام نحو النهضة، والناس الذين يبحثون عن الكمال في إنسان ليس كاملا هم أيضا يحتاجون إلى تعديل في أفكارهم.
في بلداننا ثروات باتت نقمة، وهنالك مصالح معلنة لنصرة الكيان الصهيوني، لكن من خلال الدمار والضعف فإن الأمة لا تشكل خطرا على هذا الكيان لقرن من الزمان وربما سيضمحل في ذاته فمن يقوي الكيان هذا هي حالة الخوف الذي يجمع الفرقاء؟.
فالذي نحتاجه أن نبني استراتيجية مع الإرادة الدولية ليس لها علاقة بهذا الكيان الذي لا يعني الارتباط به إلا مشاكل مستقبلية وإعاقة التنمية والاستقرار وانشغال الناس بتسقيط حكامها، وهو ما ليس مطلوبا.
إذن لابد من بناء مصالح مشتركة تجلب إرادة دولية للإعمار والتنمية واحلال الاستقرار في البلاد...... فالنخبة هنا لابد أن تشكّل نفسها على هذه الأهداف وبوضوح بعيدا عن حمل أوزار الماضي، والتقليدية.
وللنخبة أن تفهم أنها ليست لمسايرة النظم ولا لمعارضتها وإنما لتأخذ موضع صِمام الأمان وتحافظ على هوية الأمة وترعى ثقافتها وتوجه عملية الإصلاح وإشاعة القيم الأخلاقية والتشجيع على ضبط السلوك وبهذا فهي ليست معادية لشيء ولا تحكم على شيء وانما تحاول تعظيم الإيجابية في كل مفصل من مفاصلها واتخاذ المواقف سيضعها في صندوق، وبهذا تفقد موقعها النخبوي العام بالأمة فلا تسمع من نخب المفاصل الحاكمة والمحكومة، وهذا كله يقتضي السير في طريق التنمية وليس الأيديولوجيات وأن يصبح هدف النخبة إيصال المجتمع إلى القدرة على التفكير والاختيار دون فرض قوالب أو متبنيات فكرية حتى تلك التي تحملها النخب نفسها.
النقد البنّاء وليس الانتقاد، والبدء من واقع الدولة بحدودها الجغرافية كأولوية وتشكيل النموذج الخاص دون امتدادات خفية إيجابية أو سلبية وبناء مشاركات مع الاختصاص في الدول الصناعية ودول الجوار، وهذا كله ينبغي أن يتأسس كفكرة تحملها النخب وتروّج لها إذا ما استطاعت أن تقنع الإرادة الدولية لإنشاء هكذا الشراكات وعلى أساس كل هذا تبني النخب حلولها لتلد بعد عقم، ولم أدخل في رؤيتي هنا الدخلاء على النخب من أولئك الذين تتحكم بهم غرائزهم وليس يعقلون الامور.
خلاصة القول:
نحتاج إلى نخب منخفضة الأنا، مرتفعة الوطنية نحتاج أن نقنع العالم بالسماح لنا بمشاركته في انتاج المدنية وهذا يتطلب الاستقرار والبعد عن الحروب. إننا أن لم نقنع العالم بضرورة إحكام الأمن الغذائي والتطور التقني والعيش كآدميين، فلن يسمح لنا بتحقيق ذلك ولن تنفع الشعارات الرنانة. هنالك من لا يتصرف كسيد ويظن السيادة مجرد كلام أو حدود وسلطة، السيادة: هي استحقاق يا سادة، فالسيد يعطي ولا يسرق أهله.
وسوم: العدد 807