جانتس؟ ولا حتى لو قام رابين من قبره
مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
مساء أمس أعلن بني جانتس، رئيس هيئة الأركان الأسبق، أنّ وزير الجيش الأسبق موشيه يعلون سينضم إلى حزبه “حصانة إسرائيل”، حيث سيمنح الأول الأخير ثلاث مقاعد في العشرية الافتتاحية، التي ستنافس في انتخابات الكنيست القادمة في التاسع من نيسان ابريل القادم.
كثرٌ أولئك المتفائلون بأن يحدث جانتس بانضمام يعلون إليه، فرصة حقيقة من أجل التغيير في “إسرائيل” والتخلص من سطوة اليمين الحاكم، والذي يسيطر على كرسي رئاسة الوزراء في الدولة العبرية، منذ ما يزيد عن عشرة أعوام، تميزت بوجود شخصية محورية، تمثلت ببنيامين نتنياهو، الذي يحظى بالشعبية الأكبر في الأوساط العبرية، كالشخصية الأكثر كفاءة للبقاء في منصب رئاسة الوزراء للولاية الرابعة على التوالي والخامسة في تاريخه.
في الحقيقة لو قام رابين من قبره، وجمع إلى جانبه بيرس، وضم اليهما جانتس ويعلون، فإنّ إحداث تغيير على طبيعة الحكم في “إسرائيل” يكاد يكون ضرباً من الخيال، وبعيداً عن الواقع في ظل المتغيرات التي رافقت المجتمع الصهيوني خلال العقد الأخير، وانتهاء عهد الكبار في الدولة العبرية.
وما ظهور الأحزاب الموسمية، والتي باتت سمة تميز المنظومة السياسية في الدولة العبرية، إلّا مؤشر قوي ودليل على أزمة فقدان الثقة، وعدم قناعة الجمهور بتلك الأحزاب من جانب، وفقدان الأخيرة القدرة على تطبيق برامجها، فكاديما الذي أسسه شارون بنخبة واسعة من السياسيين حينها، ما لبث أن انهار بعد أن حقق أرقام مرعبة في جولتين انتخابيتين.
المجتمع الصهيوني مؤخراً بات يميل إلى اليمين بشكل كبير، وباتت أجندة اليمين أكثر اقناعاً، ولربما من وجهة النظر العبرية، قد تكون هي الأقرب إلى المنطق في ظل طبيعة الصراع التي تحيياها الدولة الاحتلالية.
بالنظر إلى التقسيمة الداخلية، فإنّ اليمين الإسرائيلي يضمن ما نسبته 20% من مقاعد الكنيست لليمين الأيدولوجي والديني، فالصهيونية الدينية، والحريديم يحصلون على هذه النسبة وربما أكثر بقليل، بفعل وجود قاعدة انتخابية ثابتة، باتت تمنحهم هذا الزخم، الذي انعكس ايجاباً على مكاسب كبيرة حققها كل طرف لجمهوره، بفعل سياستهم الابتزازية للحكومة.
من الناحية الثانية فإنّ اليمين السياسي الفكري، يحظى بنسبة تزيد عن 30% في أي انتخابات جرت خلال العقد الأخير، الأمر الذي حول قاعدة اليمين تزيد عن 50% في كل الأحوال، حتى أنّ استطلاعات الرأي مع تقلب الأحزاب، وإعلان جانتس تشكيل حزبه، لم تؤثر على حُصص التكتلات، المقصود يمين من جانب، وسط ومركز من الجانب الآخر.
فقد حافظ اليمين على معدل 66 مقعداً في استطلاعات الرأي المتكررة منذ ما يزيد عن عام، وربما قفز في بعضها متجاوزاً سبعين مقعداً، فيما كان حظ بقية الأحزاب بما في ذلك العرب قرابة 54 مقعداً، بمعنى أنّ المنطق يقول، أنّ اليمين يستطيع أن يعود للحكم بحكومة يمينية خالصة، وإن شاء أن يُشرك من الوسط، فالخيار بيده.
حتى في ظل تراجع الليكود مع تُهم فساد نتنياهو وتأكيد تقديم لائحة اتهام للرجل، فإنّ نزول الليكود ل 25 مقعداً في الاستطلاعات، لم يكن لصالح تكتل الوسط واليسار، بل بقي في إطار الكتلة اليمينية، بمعنى أنّ كل كتلة تُحافظ على حصتها الانتخابية.
هذا إلى جانب أنّ استطلاعات الرأي غالباً ما تُنقص من حظوظ اليمين، ففي الانتخابات السابقة، تصدر المعسكر الصهيوني طوال فترة ما قبل الانتخابات، لتثبت النتائج زيفها وفوز الليكود بثلاثين مقعداً، والأهم من ذلك، أنّ الأسماء اللامعة غالبا ما يرافقها لمعانٌ مع بداية الترشيح، سرعان ما يتلاشى مع مرور الوقت، وتعود الأمور إلى نصابها.
انضمام يعلون لجانتس، قد يؤدي إلى تراجع الرجل، وليس دعمه، فيعلون ظهر بمظهر الشخصية الضعيفة التي لم تستطع الصمود أمام نتنياهو، والأهم من ذلك فإنّ يعلون صاحب هوية يمينية، فيما جانتس ينسب نفسه للمركز، فبأي هوية سيقدم الحزب نفسه.
وبغض النظر عمّن سيترشح، وعمّا سيحققه حزب جانتس، فإنّ التكتلات على حالها، والنصيب الزائد من مقاعد جانتس لن يكون إلّا على حساب الوسط، فيما الفاسد نتنياهو بدل أن يستقيل، بات من اليوم يتلقى الدعم للبقاء في منصب رئاسة الوزراء لحين بتّ المحكمة في قضيته، كما قال زعيم شاس اريه درعي مؤخراً.
وسوم: العدد 809