الإباحية في الفكر العلماني
من المعلوم أن الإباحية عبارة عن سلوك لا يتورع من يسلكه عن فعل المحظورات بحيث يرى أن كل شيء مباح له ولغيره ، أو بتعبير آخر هو المتنكر للقيم الأخلاقية أوهو المنحل أخلاقيا . وتلازم الإباحية العلمانية ملازمة الشيء لظله ، لأن العلمانية تناقض الدين ، ومن ثم فهي ترفض بل تثور على منظومة قيمه الأخلاقية ، وترى أنها تمثل اعتداء على الحريات التي ترفع شعار الدفاع عنها .
ولا تخلو طروحات العلمانيين في البلاد العربية من الدعوة إلى ترسيخ الإباحية في المجتمع كخطوة من خطوات نقله من مجتمع القيم الدينية إلى مجتمع علماني مدني ولا ديني أي لا دور فيه للدين . ومما يركزعليه العلمانيون موضوع الجنس الذي هو أساس الإباحية بالنسبة إليهم.
ويمثل الإباحية في الفكر العلماني في بلادنا مجموعة من العلمانيين منهم المدعو عبد الصمد الديالمي الذي يصفه أنصاره من العلمانيين بعالم الاجتماع أوالخبير السوسيولوجي الأكاديمي. ولقد دأب على نشر مؤلفات ومقالات تدعو إلى التطبيع مع الإباحية و قد نشرعنه اليوم مقال على موقع هسبريس تحت عنوان : (الديالمي الإرهابيون "حراكو" الجنة والجنس خارج الزواج مقبول )
ومما جاء في هذا المقال للمدعو مصطفى شاكري أن الديالمي يتحدث عما سماه حداثة جنسية ترفضها ما سماها الشخصية الإسلاموية، وهو وصف ينعت به عند العلمانيين من يدعو إلى إنشاء دولة دينية ،ويريد فرضها على غيره بالقوة ، أوهو من يخلط الدين بالسياسة . ويميز العلمانيون بين الإسلاموي والمسلم العادي ، ذلك أن هذا الأخير هو الذي لا يخلط الدين بالسياسة ، ويمارس الدين كعبادات فقط ، تاركا السياسة والاقتصاد والاجتماع وكل مظاهر الحياة للعلمانية وحدها .
وسبب رفض الإسلامويين للحداثة الجنسية بالنسبة للديالمي على حد قول شاكري صاحب المقال، هو ما يعيشونه من كبت أو بؤس جنسي مرده غياب المكان الملائم لإقامة علاقة جنسية وهو ما يجعلهم شخصيات متشددة ومتشنجة وراديكالية ، وهذه بالنسبة إليه هي الفرضية الكبرى التي يشتغل عليها في كل ما يصدر له من مؤلفات أو مقالات أو تصريحات بخصوص هذا الموضوع على أساس أن المشكل يكمن في الإسلاموية وليس في الإسلام والجنس ، ومن ثم فإن العامل الجنسي له دور في بروز الشخصية الإسلاموية ، وآخر ما سينشر في هذا الصدد كتاب : " المدينة والجنس والإسلاموية ".
ويرى الديالمي حسب ما صرح به صاحب المقال أن ردة الفعل بخصوص مثلي مدينة مراكش سببها ظهور الإسلاموية التي تتبنى العنف ضد المثليين الذين كانوا يسمون من قبل "لواطيين"، وكانوا مقبولين في المجتمع، ثم صاروا يضربون ويشتمون ،وهو ما يجسد القراءة غير المتسامحة مع النصوص الدينية ، ذلك أن القرآن وهو المرجع الأساسي عند المسلمين لا يقول بمعاقبة المثليين على حد قوله لأنهم ليسوا مثليين بالاختيار ، وليسوا مرضى أو شواذ كما تنص على ذلك المنظمة العالمية للصحة التي تعترف لهم بحقوق مساوية لغيرهم، ولهذا يطالب الديالمي بتكييف القانون الجنائي عندنا الذي يدينهم مع التشريعات الدولية لأن المغرب عضو في المنظمة العالمية للصحة .
وتناول صاحب المقال وجهة نظر الديالمي في العلاقة بين الجنس والإرهاب أو الجهادية الإسلاموية ،وهي ما سماه " الحريك " أي هجرة الشباب المتدين نحو الجنة رغبة في مضاجعة الحور العين بسبب ما يعيشونه من كبت وبؤس جنسي لأنهم لا يجدون أماكن لممارسته ، وهذا ما جعلهم يقومون بأعمالهم الإرهابية سنة 2003 ، كما جعل غيرهم يلتحقون بتنظيم داعش لتلبية رغباتهم في الحصول على حور الجنة فضلا عن الاستفادة مما يسمى جهاد النكاح الذي تمارسه المهاجرات معهم أو" الحرّكات " خدمة للجهاد، ولهذا يخلص الديالمي إلى أن الجنس سبب ونتيجة في نفس الوقت .
ويرى الديالمي حسب ما أورد صاحب المقال في مقاله انطلاقا من حوار معه أن علاقة المغاربة بالجنس عبارة عن علاقة متوترة ، وأنها طابو اجتماعي ، وهو مؤشر على التخلف والكبت والقمع بسبب التنشئة الاجتماعية والتربية التي تلقاها الفرد المغربي بطريقة أبيسية أو وبطريركية ـ نسبة للأب ـ والتي تجعله ينظر إلى الجنس على أنه شيء قذر وخطيئة ودنس يجب أن يكون طاهرا في إطار مؤسسة الزواج الشرعية ،لهذا يرفض الربط بين الجنس والخطيئة والدنس والوسخ والزواج ، ومن ثم يطالب بحرية ممارسة الجنس بالنسبة للشباب لتمكينهم من تلبية حاجاتهم الجنسية ليكونوا أسوياء ولهم عطاء يستفيدون منه ، وتستفيد منه أسرهم ومجتمعهم ، فضلا عن مطالبته بفك الارتباط بين الجنس والفاحشة .
هذا نموذج من نماذج الدعوة إلى الإباحية في الفكر العلماني لا يقتصر على ما يصرح به الديالمي منذ عقود بل يشاركه فيه غيره من العلمانيين الذي يرفعون شعار الحداثة بما فيها ما يسمونه بالحداثة الجنسية التي تطبع مع الفواحش مما صار يسمى علاقة جنسية رضائية ، وعلاقة جنسية مثلية تحت شعار حرية الجنس في مجتمعات تدين بدين الإسلام كمجتمعنا المغربي .
وتثير فرضية الديالمي الكبرى ـ كما يسميهاـ السخرية لتهافتها حين يرجع ما سماها بالظاهرة الإسلاموية إلى الكبت الجنسي الحاصل بسبب الاكتظاظ السكني والافتقار إلى أماكن ملائمة لإقامة علاقات جنسية ، فكيف يصدق الإنسان هذا الذي سماه فرضية كبرى علما بأن الغريزة الجنسية وهي ملحة لا يمكن أن يمنعها عدم وجود المكان الملائم لتصريفها، كما أن التحكم فيها وكبح جماحها شيء آخر غير الافتقار إلى المكان وهو الوازع الديني الذي يقننها ويصرفها في إطار علاقة جنسية شرعية .
ويبدو أن الديالمي بحكم علمانيته المعادية للتدين عموما ، وبحكم دعوته إلى الاباحية منذ عقود يركب فرضيته المتهافتة للنيل من سلوك المتدينين الذين يعادون الإباحية باعتبارها مخالفة لتوجههم الديني ، ويستغل ما سماه بالظاهرة الإسلاموية التي يتبنى أصحابها العنف لتبرير عنفهم بالكبت الجنسي متغافلا عدة عوامل أفضت بهم إلى ذلك . ولو كان الكبت الجنسي هو السبب الوحيد لوجد حل لظاهرة الإسلاموية بتوفير الجنس لأصحابها ،وهو أسهل حل عوض خوض حرب مكلفة معهم ،ذلك أن الظاهرة الإسلاموية أكبر وأعقد من أن يكون سببها مجرد كبت جنسي.
وواضح أن الديالمي يركب خلافه مع التوجه الإسلامي مستغلا موضوع الإسلامويين لتبرير دعوته إلى الإباحية ، وللتطبيع مع العلاقات الجنسية غير الشرعية تمشيا مع عقيدته العلمانية التي تفسح المجال واسعا أمام ما يسمى بالحداثة على حساب قيم المجتمع المغربي المسلم الأخلاقية والدينية .
وأخيرا نقول ما أشد بؤس العلم والخبرة الأكاديمية حين يسخران لخدمة الإيديولوجيا .
وسوم: العدد 809