رحمك الله ولعن من أعدمك
رسالة كتبها المعتز بالله غانم قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه فجر اليوم ٧ فبراير بعنوان "لا تقفوا على الأعتاب".
في اليوم الأول في زنزانة الإنفرادي "ربع الإعدام" اجتاحت نفسى حالة من الهدوء والسكينة، حتى أنني نمت كما لم أنم من قبل، أحسست أن ثقل الحياة قد انزاح عن كاهلي، وكأن عقلي وفكري قد استراح أخيرًا من كثرة التفكير.
حاولت جاهدًا أن أفكر عبثًا" كيف هي أمي؟ كيف حالها؟ أخي وأختاي وصغاري الرائعين؟، فلم أستطع إلا أن أراهم مبتسمين يلهون، حاولت أن أقلق عليهم، فلم أستطع، أدركت أننا نتكلف الهموم أحيانًا ونتصنع العناء.
فوجدت أن تلك السكينة التي ملكتني ولا حيلة لي فيها، بل هي فضل من الله، ربما ليست إلا دعوة منها أصابت وقت إجابة، فقلت لنفسي إذا كان هذا حال قلبي وقد أصابتني دعوتها، فكيف حالي القلب الذى دعي؟
حاولت جاهدا أن أفكر في رفاقي، فلم أشعر أنى فارقتهم، فهذه القلوب أحبتني وأحببتها وما زالت تنبض بمزيد من الحب، هذه القلوب التي أهتمت لأمرى أكثر من نفسى، كيف أحزن عليهم أو أقلق وقد سمعت قول رسول الله "ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان، .. أن يحب المرء لا يحبه إلا لله"، وسمعته أيضًا يقول "سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله .. رجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه".
فالقلوب التى ذاقت حلاوة الإيمان والأرواح التى ستستظل فى ظل العرش بإذن الله أيحجبها جدار أو قضبان!
أحبائى هنا تكون الروح أكثر شفافية وإشراقًا، أولئك السجانين الذين يحومون طوال الليل يظنون انهم يحرسوننا حتى لا نؤذى أنفسنا، عبثًا يفعلون، ألا يعلمون أنها أسمى أمانينا، ألا يعلمون أنهم هم المحتجزون، أما نحن فقد منّ الله علينا ودخلنا إلى فضاءات متسعة وعوالم مشرقة.
هناك على أول الممر المؤدى للزنازين الانفرادية التى يقبع فيها إخوانكم المحكوم عليهم بالحياة الحقيقية بعيدًا عن ذلك الزيف الذى بالخارج، على أول هذا الممر .. باب حديدى متين مكتوب عليه "شديد الحراسة"، لما رأيتها ابتسمت بشدة، وتذكرت قول الله عز وجل "وأنا لمسنا السماء فوجدنها ملئت حرسًا شديدًا وشهبا"، فعلمت أن الله قد أراد لنا الخير.
نحن فى حراسة مشددة من الزيف الذى تضج الحياة هذا الانفراد كان باب للأنبياء يدلفون منه إلى السماء، حيث كان هناك فى الغار محمد -صلى الله عليه وسلم- وحيدًا ومن قبله "الخليل" إبراهيم فى جوف الظلام مقلبًا النظر الى السماء، وهذا موسى -عليه السلام- فى عمق سيناء عند جبل الطور يبحث عن قبس النور، نحن فى حراسة مشددة عن كل ما يشوش النفس ويدنس الروح، هنا تُعاد صياغة النفس وتبنى الروح من جديد.
أما نحن فقد ساقنا الله رغمًا عنا إلى هنا، ربما لأن نفوسنا وأرواحنا أضعف أو أسوء، أما أنتم فلكم الاختيار، لا تقفوا كثيرا على الاعتاب، استعينوا بالله وادخلوا.
هذا رمضان .. اجعلوا فيه على قلوبكم حراسة مشددة شيدوا حصونكم واحكموا المراقبة، فالقرآن روح لابد أن تسرى أجسادنا لنحيا بحق، ونورًا نستضئ به فى ظلمات الفتن.
ولا ننسى القيام "إن ناشئة الليل هى أشد وطئا وأقوم قيلا"، "وفى الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا"، واحرصوا أحبابي على أن يكون لكم ذكر فى الملأ الأعلى تعرفون به بين أهل السماء.
أعيدوا صياغة أنفسكم، وأحسنوا بناء أرواحكم، فإنما يعدّكم الله لأمر عظيم، ميدانكم الأول أنفسكم، فإذا قدرتم عليها، كنتم على ما سواها أقدر.
لا تقفوا على الأعتاب، استعينوا بالله وادخلوا.
المعتز بالله غانم
الحبس الانفرادي، ربع الإعدام.
#إعدام_وطن
وسوم: العدد 811