نبوءة ( زوال إسرائيل عام 2022 ) كاذبة، ونبوءة ( موشي ديان ) صادقة
منذ ثلاثين سنة قرأت في كتاب نقلاً عن الكاتب الإسلامي محمد أحمد الراشد أنه سمع من امرأة عجوز يهودية في مدينة الموصل أن دولة إسرائيل ستزول في عام 2022، وعندما سألها عن مصدر هذه المعلومة، أجابت بأن ذلك مذكور في التوراة.
وبعد ذلك كثر الحديث عن هذه النبوءة، بعضهم يحددها في نفس العام، وبعضهم يحددها بشكل مقرب من هذا العام. وبعد مجيء اليوتيوب ـ الذي هو قناة فضائية لكل شخص ينشر فيه ما يشاء من الأخبار صوتاً وصورة ـ انتقلت هذه النبوءة بشكل أوسع، فعلى سبيل المثال جاءت النبوءة على لسان المفكر بسام جرار، وعلى لسان عدنان إبراهيم، بل إن هذا الأخير أقسم بالله العظيم على زوالها في نفس العام. وتوالت هذه النبوءة وصارت على كل لسان.. وإن من يتابع اليوتيوب يظن أن اليهود في إسرائيل يحزمون أمتعتهم وأغراضهم للرحيل، لأن عام 2022 هو بعد ثلاثة سنوات من الآن.
وهؤلاء جميعاً اعتمدوا إما على التوراة كما ذكرت تلك العجوز، وإما على حسابات عددية لبعض الآيات من سورة الإسراء.
ثم إني سمعت قبل الربيع العربي بسنوات من الداعية عمرو خالد في مقابلة تلفزيونية أن قضية إسرائيل سننتهي منها خلال ثلاثين سنة القادمة إن شاء الله. يقصد أننا سنهزم اليهود في هذه الفترة ونسترجع فلسطين.
ثم سمعت أيضاً في عام 2012 من الدكتور طارق سويدان يقول أن قضية إسرائيل سننتهي منها خلال العشرين سنة القادمة.
وأخيراً ذكر الدكتور أحمد نوفل في مقابلة مع صحيفة السبيل الأردنية قبل سنتين أننا صرنا إلى تحرير فلسطين أقرب.
وأنا في كل هذا أنظر إلى سذاجة هذه الأقوال وهذه النبوءات، ولكن بعد الرجوع إلى علم النفس تبيّن لي أن هذه الأقوال والنبوءات شيء طبيعي في مثل المرحلة التي نمرّ بها. لأن هذه المرحلة ـ التي هي هزائم كبرى وكوارث عظمى تمرّ بها الأمة ـ تولّد مثل هذه الأقوال والنبوءات، كي لا يُصاب الإنسان بجلطة دماغية أو أمراض نفسية. بمعنى أن الإنسان ينشئ في مثل هذه الحالة آمالاً وأحلاماً ونبوءاتٍ قد تكون متناقضة مع الواقع، يفضفض الإنسان بها عن نفسه، أو يتفشفش بها. أو بمعنى آخر أن هذه الأقوال والنبوءات هي تهدئة أو تخدير للنفوس كي لا تنصدم بالواقع الأليم الذي نعيشه.
ولكن إن أخذنا هذه الأقوال والنبوءات على محمل الجد، وأردنا أن نناقشها من الناحية العلمية والواقعية، فهل ستصمد أمام أي نقاش؟ طبعاً لا تصمد أمام كلمة واحدة في أي نقاش.
نبدأ بنبوءة المرأة اليهودية.. فهل يُعقل أن كتاباً سماوياً يذكر حدثاً معيناً بأنه سيقع في السنة الفلانية ويحددها بالضبط، أي بعد نزول هذا الكتاب ـ أي التوراة ـ بثلاثة آلاف سنة تقريباً؟ فهذا شيء غريب وغير معقول، ولم يحدث أن وجدنا شيئاً كهذا في الكتب السماوية، لأن منهج هذه الكتب ليس كذلك.
وثانياً ـ ألسنا نحن المسلمين نعتقد أن التوراة محرّفة؟ فلماذا نصدق اليهود إذا أخبرونا بأن كتابهم يقول كذا وكذا؟ لماذا لا نكون منطقيٍين في تعاملنا مع الكتب السماوية المحرفة؟ ألا يشعر القارئ بأننا أصبحنا أضحوكة بأيدي اليهود؟
ولكن إذا كنتَ أيها القارئ تبحث عن الصدق في النبوءات التي تتحدث عن زوال إسرائيل فهي ما جاءت على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي (موشي ديان) صاحب العين العوراء، الذي هزم الجيوش العربية في عام 1967، حين سُئل عن احتمالات انتصار العرب على إسرائيل وطرد اليهود من فلسطين، فأجاب بالحرف الواحد: إن المسلمين سينتصرون علينا في يوم ما. وحين سُئل متى؟ أجاب: حين يكون عدد المصلين في صلاة الفجر في المسجد بنفس عدد المصلين في صلاة الجمعة، عندها ستزول دولة إسرائيل من الوجود.
فنبوءة موشي ديان هي التي يجب على المسلمين تصديقها، أما غير ذلك فهو كذب ودجل وضحك على الذقون.
فنبوءة زوال إسرائيل عام 2022 كاذبة، وألف مرة كاذبة، ومن يقول بها إنسان معتوه يريد أن يضحك على المسلمين الذين لا حول لهم ولا قوة. وإلا فأين الجيوش الإسلامية التي ستحرر فلسطين في الثلاث السنوات القادمة؟
أما بالنسبة للذي يعتمد ـ في هذه النبوءة ـ على حماس وأنفاقها في غزة، فهل سيتم تحرير فلسطين من خلال هذه الأنفاق؟ أليس هذا ضرباً من الخيال والجنون؟ لأن دور هذه الأنفاق هو الاستنزاف لدولة إسرائيل، كي لا تهدأ أو تستقر.. أما تحرير فلسطين كلها فلن يكون من خلال هذه الأنفاق. وقد قال تعالى (بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاثوا خلال الديار) فهل يُفهم من الآية أننا سنأتي من تحت الديار لتحرير فلسطين؟
وقد سُئل الإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله عن موعد زوال إسرائيل وانتصارنا عليها بحسب ما جاء في سورة الإسراء، فقال: هذا يتوقف علينا، فبعد أن جمع الله اليهود لفيفاً من جميع الأقطار بقي علينا الدور في أن نعود إلى الله ونصبح مؤمنين حقاً، عندها سينصرنا الله عليهم، كما وعدنا في هذه السورة. ولم يحدد موعداً لذلك.
فهل المسلمون اليوم يستحقون هذا النصر؟ وهل أصبحوا أكفاء لهذا النصر؟ وأين الجيل الذي سيحرر الأقصى؟ الواقع يقول إن شباب المسلمين قد مسخهم الفيسبوك على الآخر، والمصائب والهزائم تنصب على الأمة انصباباً كالمطر.
فنبوءة موشي ديان تنطبق تماماً مع قول الإمام الشعراوي. أما قول غير ذلك فينبغي علينا أن نضرب به عرض الحائط ولا نلقي له بالاً. وكفى هذه الأمة سخافات ونبوءات لا تمت إلى واقعنا بصلة.
وفي الآونة الأخيرة بدأ البعض ممن يروجون لنبوءة زوال إسرائيل عام 2022 بعد قرب موعد هذا العام دون وجود ما يوحي بإرهاصات هذا الزوال.. يقولون بأنه ليس شرطاً أن يكون الزوال الكلي في نفس العام، وإنما يمكن القول أن الزوال يبدأ من هذا العام، ولا ندري متى ينتهي. طبعاً هذا كذب ودجل يدل على سخافة تلك العقول التي تقول به.
ونأتي إلى أقوال (عمرو خالد وطارق سويدان وأحمد نوفل) ، فكما نعلم أن من يريد أن يخبرنا بأن شيئاً ما سيحدث لا بد أن يكون لهذا الحدث مقدمات أو إرهاصات أو معطيات، لاسيما حين يكون الحدث كبيراً جداً، وهو زوال دولة قوية (أي إسرائيل) التي تقف معها الدول العظمى في العالم. وفي المقابل لا يوجد في الأفق ما يوحي بوجود دولة إسلامية قوية هدفها إزالة هذه الدولة.
فهل كان هؤلاء الدعاة الثلاثة على ذرة من الصواب؟ هل كانوا أصحاب بعد نظر؟ هل كانوا يرون في الأفق ما يوحي بوجود بوادر لتحرير فلسطين؟ أم أن تخدير الشعوب أصبح سمة من سمات الإسلاميين؟ وهل أصبحوا كالعلمانيين واليساريين والقوميين والناصريين الذين أشبعونا كلاماً في السابق عن تحرير فلسطين. وكلنا نتذكر قول عبد الناصر بأننا سنرمي اليهود في البحر. ونتذكر قول صدام حسين بعد احتلال الكويت بأنه سيحرر القدس.
وما معنى قول الله تعالى (فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً)؟ أليس المعنى أن قول المؤمن ينبغي أن يكون صادقاً أو صائباً أو منطقياً أو واقعياً؟ فأين الصواب والمنطق في أقوال الدعاة الثلاثة؟ وبالتالي أين التقوى في أقوالهم؟ وأين معطيات وإرهاصات زوال إسرائيل؟
ففي الواقع لا يوجد شيء يدل على قرب زوال إسرائيل، بل يوجد العكس، فالشعوب تبتعد يوماً بعد يوم عن التديّن، ومشاكلنا تزداد بشكل مخيف، ومنطقة الشرق الأوسط تحولت إلى كوارث بحجم الجبال، وإلى دمار وخراب وغلاء وحروب أهلية ولاجئين بالملايين. ثم نجد الدكتور أحمد نوفل يقول بأننا أصبحنا إلى تحرير فلسطين أقرب. أما الواقع فيقول بأننا ابتعدنا عن ذلك بأميال وعقود كثيرة.
وسوم: العدد 812