إلى شعبنا السوري الأبي، توضيح حول اللجنة الدستورية
بدايةً اسمحوا لنا بأن نبدأ بياننا بالسؤال التالي، والذي سأله شعبنا وجاوب عليه أيضاً، ولا شك كلنا معه، فضلاً عن الخبراء القانونيين والسياسيين.
لماذا اللجنة الدستورية قبل تشكيل هيئة الحكم الانتقالي؟ مع أن اللجنة قانوناً مرفوضة أولاً، وسياسياً مستحيلة واقعياً، ومخالفة لترتيبات السلل التي نص عليها القرار الدولي 2254 وبيان جنيف1، فضلاً عن أنه سوف تكون حجة لمراوغة الأسد لعقود، ودولياً كي تتهرب الأمم المتحدة مع المجتمع الدولي أخلاقياً من إحداث انتقال سياسي في سورية، وكل ذلك بهدف البقاء على نظام الأسد.
حيث أنه خلافاً لمخرجات بيان جنيف (1)، ولقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالملف السوري، جاء مؤتمر سوتشي الذي أسس للجنة دستورية، وتبنتها الأمم المتحدة في مقدمة عملها لما يسمى الحل السياسي، (علماً أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة رفض حضور المؤتمر، وكذلك رفضت هيئة التفاوض السورية بالرياض حضوره والمشاركة فيه، ولكنهما للأسف رضيا بما تمخض عن ذلك المؤتمر)، ولا شك بأن ما تولّد عنه مرفوض شعبياً جملةً وتفصيلاً، وبخاصة ما أُطلق عليه اللجنة الدستورية، لأنها تؤدي من حيث المبدأ والنتيجة إلى الإبقاء على نظام الأسد، ولأنها من حيث المبدأ لم تكن من ضمن وخلال مسار جنيف بترتيباته القانونية والمنطقية، والقرار الأممي 2254 .
ونحن بدورنا هنا نؤكد على خطورة العملية، لأنها تهدف إلى نعي رسمي وبحلَّة قانونية لمطالب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، الذي قدم في سبيلهما أكثر من مليون شهيد، وهذا ناهيكم عن عدم بيان آلية عمل اللجنة وإقرارها لنصوص وفقرات وبنود "الدستور"، بالإضافة إلى المرجعية القانونية لإصدار "الدستور"......الخ.
وقد نص القرار الأممي 2254 وبيان جنيف 1 نصاً على عملية الانتقال السياسي بترتيب قانوني منطقي، وجاء في المقدمة تشكيل هيئة الحكم الانتقالية، ومن ثم جاء بعد ذلك باقي السلل الأخرى من دستور وانتخابات.....الخ،
فاللجنة الدستورية خدعة دولية ساهم في حياكتها الميسر الدولي السابق ديمستورا ومعه هيئة التفاوض السورية اللاشرعية التي ارتضت لنفسها تجاوز بيان جنيف و تراتبية القرار الدولي ٢٢٥٤ الذي تضمن عملية الانتقال السياسي في سورية بدءاً من عملية الحكم عبر تشكيل هيئة حاكمة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة....، فاختزلتها تلك الاطراف بسلتي ( الدستور والانتخابات)، الأمر الذي شكل غضباً شعبياً كبيرا أسقط من خلال الحراك الشعبي والمظاهرات السلمية هيئة التفاوض السورية
ولا شك أن اتجاه المبعوث الأممي السابق "ديمستورا" إلى سلَّتي الدستور والانتخابات فقط، هو إلغاء قانوني وعملي لهيئة الحكم الانتقالي، لأنه قانوناً ومنطقياً، إن الذي سوف يعمل على وضع الدستور وإجراء الانتخابات والقيام بكل العمليات القانونية لهما هي هيئة الحكم الانتقالي، وبالتالي مع الاتجاه أولاً إلى اللجنة الدستورية هو إلغاء واقعي وقانوني لما قبلها، أي إلغاء إحداث انتقال سياسي بسورية من الناحية القانونية والواقعية، وبالتالي هي سياسة كمن يضع العربة أمام الأحصنة، في عرقلة رسمية وقانونية وواقعة للانتقال السياسي الذي ينشده الشعب السوري.
فمحور العملية السياسية السورية ترتكز على بيان جنيف 30 حزيران 2012 والقرار الدولي 2254 اللذان حددا التراتبية الزمنية للانتقال السياسي في سورية على الشكل التالي :
١- الحكم : ويكون عبر هيئة حكم إنتقالية كاملة السلطات التنفيذية بما فيها جميع المؤسسات الحكومية وقوات الجيش ودوائر الأمن .
٢- الدستور .
٣- الانتخابات.
من المؤكد أن الدستور الجديد الذي سيشارك بإعداده انصار مجرم الحرب بشار الأسد وافراد عصابته المقربين لن يذهبوا إلى كتابته إلا وفق الطريقة التي تضمن لهم البقاء في السلطة ،وربما تحصل بعض التغييرات السطحية الترقعية الهامشية، كرئيس وزراء جديد بصلاحيات خلبية، أو تعيين وزير جديد للآثار والمتاحف، أو وزيرة للفنون والرقص الشعبي، أو شيء من هذا القبيل، غير أن هذه التغييرات لن تنال من النواة الأساسية للعصابة الحاكمة التي ستبقى ويبقى الأسد في كرسيه إلى أجل غير مسمى...
فالمشكلة السورية الحقيقية تكمن في الدولة الأمنية البوليسية التي لا تقبل المساءلة، وتغتال أو تعتقل كل من يطالب بالتغيير الحقيقي وبإنهاء حكم الاستبداد والفساد بصرف النظر تماماً عن وجود الدستور من عدمه، فالدولة الأمنية السورية ستخرق وستنتهك مواد هذا الدستور الذي يمكن أن يكون رائعاً على الورق، كما انتهكت الدساتير والقوانين السابقة التي وضعتها من قبل، فالمشكلة السورية ليست مشكلة دستورية، بل هي مشكلة تتعلق بحكم وسيادة القانون ومن هي الجهات والمؤسسات التي سستشرف على تطبيقها، والدستور لم يكن يوماً هو السبب في انتفاضة الشعب السوري ضد الديكتاتور بل هو أعمق من ذلك بكثير، فالعصابة الحاكمة في سورية اختزلت كافة السلطات في يد مجرم وقاتل واحد أسمه الرئيس، وهذا المجرم هو من يرأس السلطة التنفيذية والقضائية، والتشريعية فالبرلمان تحت سيطرته المطلقة بالكامل.
وإن هذا الموضوع هو موضوع قانوني بحت، وهذه هي مآلاته القانونية، خاصة مع أن مشكلتنا في سورية ليس بما يتضمنه الدستور أولاً، ولكن مشكلتنا هي بنظام الإجرام الذي يدعي تطبيق الدستور، وبالتالي ولوفرضنا جدلاً أنه تم كتابة أفضل دستور، فما هي قيمته؟؟!! ومن الذي سوف يطبقه؟؟؟!!!، إن مشكلتنا هو وجود نظام مجرم لا يعترف ولا ينفذ أي قانون بما في ذلك "قوانينه" التي أصدرها على مدار أربعين عاماً.
إن تشكيل لجنة دستورية من قبل قوى أجنبية متنوعة محتلة لسورية لفرض دستور جديد هو سابقة خطيرة ليس على صعيد سورية وتاريخها وحسب، بل على صعيد العالم كله، فلم يسبق لشعب وأن وضع له دستور وبلاده تحت الاحتلال، ولم يسبق لثورة وأن قبلت أن تبيع دماء أبنائها وتستسلم لقاتلهم وتشرعن جرائمه وتمحو عنه أسباب العقوبة ! ففي أدبيات وأولويات الفقه الدستوري العالمي الشعب هو من يصنع دستوره بنفسه، وليست لجنة مصنعة من الاجراء وبقرار من المحتلين ،عدا عن كونها لجنة غير منتخبة من الشعب السوري.
يا شعبنا السوري العظيم لا بدّ من موقف واحد وحاسم يحقّق للحقّ حصانته من مؤامرات هيئة التفاوض ولجنتها الدستورية وبمواجهة كل من يركن إليهم اليوم ويوافقهم فيما توصلوا إليه من التفريط بحقوقكم وبتضحيات ابنائكم..
العار كل العار لمن ركن للظالمين والقتلة وباع حقوق شعبه وقبل باللجنة الدستورية التي لا سبيل عن محاكمة المتورطين فيها والمشاركين بها بجرم الخيانة العظمى.
المحاميان : هيثم المالح وحسين السيد
وسوم: العدد 812