هل يعود الأسد إلى الحضن العربي؟
سفارات تعبّد طريق الجامعة العربية
ببرود المنتصر.. يستقبل نظام الأسد الحديث عن دفع بعض الدول العربية لإعادة العلاقات معه، كما استقبل سفارتي الإمارات والبحرين، اللتين عادتا إلى دمشق مؤخرًا، وقبلهما طائرة الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، التي حطت في العاصمة دونما هدير.
تدريجيًا وبهدوء، يعود الحضن العربي ليستقطب الأسد، مسديًا إليه دعمًا سياسيًا يرفد به تقدمه العسكري على الأرض في سوريا، ويفتح أمامه آفاقًا اقتصادية جديدة.
وبالتوازي مع تقارب بعض الدول العربية مع النظام السوري، يكثر الحديث عن عودة أسدية إلى الجامعة العربية، من باب توافق عربي قد يتجاوز بعض الأصوات الرافضة، ويملأ المقعد السوري برئيس غاب ثمانية أعوام، وحل خصومه بدلًا عنه في بعض الأحيان.
مقدّمات خليجية
قبل نهاية العام 2018 ببضعة أيام، ارتفع العلم الإماراتي في حي أبو رمانة الدمشقي، والتحق به العلم البحريني في اليوم التالي، ليعلنا عودة دبلوماسية للبلدين إلى سوريا، وذلك بعد أيام من زيارة قام بها الرئيس السوداني إلى دمشق، والتقى خلالها بشار الأسد.
المتغيرات التي ختمت العام الماضي، تحولت مطلع العام الحالي إلى تكهنات بعودة مرتقبة للنظام إلى الجامعة العربية، بدعم من محور “السعودية- الإمارات” وبتأييد من الدول العربية التي تتبع هذا المحور.
الباحث السوري في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجية، ساشا العلو، يرى أن الإمارات في الواجهة والسعودية من الخلف، تقودان حملة لإعادة العلاقات العربية مع النظام، مضيفًا “منذ عام ونصف كانت تصريحات البلدين واضحة والرسائل مباشرة من هذه الدول أن مشكلتها مع إيران وليس النظام، وما يؤكد ذلك زيارات علي مملوك إلى الإمارات والسعودية”.
ويعتقد العلو، كما أوضح في لقاء مع عنب بلدي، أن “هذه العودة ستمهد أيضًا لعودة دول عربية غير فاعلة، ولكنها ترتبط بدول أخرى”.
ومن وجهة نظر العلو، فإن “الصراع الخليجي- الخليجي يضرب الجامعة العربية، وكون دول الجامعة تصطف خلف محوري الصراع، فإن عودة أي طرف من طرفي المحورين ستجلب سفارات دول أخرى بضغط من المحور”.
وبالتالي، “هذا سيستتبع محاولات للدفع بعودة النظام إلى الجامعة العربية بهدف إعطاء شرعية لهذا الانفتاح والإيحاء بتفعيل دور عربي في المنطقة”.
لكن المعارض السوري وعضو “منصة القاهرة”، فراس الخالدي، لديه وجهة نظر مختلفة، إذ يرى أن الوجود الإيراني في سوريا سيعيق عودة النظام إلى جامعة الدول العربية، خصوصًا أن الدول العربية التي تتجه إلى إعادة العلاقة مع النظام السوري عللت الأمر على أنه “خطوات تشجيعية كي تكون دافعًا للنظام للخروج من الحضن الإيراني”.
ويضيف الخالدي، “حتى من قال ذلك يدرك تمامًا أن النظام وبتركيبته الحالية ينصاع تمامًا لإيران ولكل إملاءاتها ومطامعها في سوريا والمنطقة”.
تعرف على آراء السوريين بشأن احتماع عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية.
هذه الحلقة من صدى الشارع تم إعدادها مع عنب بلدي في إطار اتفاق الشراكة الموقع بين المؤسستين.
حجّة “الوجود الإيراني”
يرى الخالدي أن رضوخ النظام لإيران منذ عام 2012 “جعله تدريجيًا يرزح تحت الهيمنة الكاملة للمشروع الإيراني، كون إيران دولة لها مشروع توسعي لا يمكن تمريره إلا عبر إثارة الفتن وزعزعة أمن دول الجوار والإقليم وتصدير الإرهاب”.
لكن الباحث ساشا العلو لديه رأي مختلف، إذ لا يرى في الحديث عن مواجهة الدور الإيراني بيد عربية في سوريا سوى “حجّة”، معتبرًا أن أسبابًا أخرى تبرر التغير في مواقف بعض الدول العربية تجاه النظام.
ويقول العلو لعنب بلدي، “لا يمكن فصل هذه الانعطافة لبعض الدول العربية عن إعلان الانسحاب الأمريكي من جهة، وزيادة الفاعلية التركية في الملف السوري من جهة أخرى، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، والتي تؤرق الإمارات والسعودية”.
العاملان اللذان تحدث عنهما العلو قلّصا، وفق وجهة نظره، من زوايا الولوج إلى الملف السوري، “إذ يكاد الانفتاح على الأسد يكون الزاوية الأخيرة، بحجة مواجهة الدور التركي والإيراني، عبر تفعيل دور عربي”.
ويضيف الباحث، “بالمقابل تدرك هذه الدول ضمنيًا أن فك الارتباط بين النظام وإيران شبه مستحيل، وتحديدًا بوجود بشار الأسد، ولكن دول الخليج تريد اللعب مع النظام ضمن صراع المحاور، واللعب مع الروس في المنطقة، بحكم المتغيرات على الأرض والمتغيرات التي طرأت على الملف السوري على المستويين الإقليمي والدولي”.
واعتبر أن “شعار مواجهة النفوذ الإيراني تحول إلى شعار مطاط أشبه بمحاربة الإرهاب، إذ مثّل هذا الشعار مدخلًا للانفتاح على إسرائيل قبل الأسد، وتصفية قضايا في المنطقة قبل الملف السوري”.
خسارة سياسية للمعارضة
دعمت الإمارات العربية المتحدة، وهي عراب تفعيل العلاقات العربية مع النظام السوري، المعارضة السورية سياسيًا في السابق، لكن هذا الدعم، من وجهة نظر الباحث ساشا العلو، “سيتم حرفه باتجاه النظام، الأمر الذي قد يستتبع حرف الدعم المالي باتجاه مشاريع إعادة الإعمار التي يروج لها النظام، مقابل محاولة دفع النظام للعودة إلى الجامعة العربية، ومحاولة تعويم الأسد على المستوى العربي”.
ويضيف، “هذا واحد من الهوامش التي يلعب عليها الأسد، إذ ينظر الأسد إلى أعداء الأمس أصدقاء اليوم من ناحية مصلحية بحتة. والروس مرتاحون لكسر العزلة عن النظام، ويدفعون بالأمر”.
ويربط العلو بين التقدم العسكري للنظام وقبوله التقارب العربي فيقول، “بعد طي ملف العسكرة، النظام يحتاج إلى رئة سياسية تكسر عزلته الإقليمية ورئة اقتصادية على المستوى الداخلي، والعروض التي تنهال عليه من دول الخليج عروض مغرية، خاصة أنه لم يحصد بعد حصيلة تقدمه العسكري سياسيًا”.
ويتابع، “ناهيك أن هذا الانفتاح سينعكس على جولات المفاوضات بين النظام والمعارضة وعلى رأسها اللجنة الدستورية، إذ ستذهب المعارضة إلى المفاوضات دون غطاء عربي، الأمر الذي سيضعف موقفها ويدعم وجهة النظر الروسية، ويسهم في (أستنة جنيف)”.
آلية تفعيل العضوية في الجامعة.. شروط عربية “هشة” مرهونة بإجماعٍ و”جنيف”
بالحديث عن مبادرات عربية غير رسمية لتفعيل مقعد النظام السوري في جامعة الدول العربية، طُرحت تساؤلات عدة عن آلية عودة سوريا في ظل الانقسام العربي حيال العودة، وفي ظل القوانين الداخلية الناظمة للقرارات “المصيرية” في الجامعة العربية.
وبالرجوع إلى قرار تجميد مقعد سوريا، عام 2011، اشترط قرار التجميد حينها جملة من الالتزامات على النظام السوري تنفيذها من أجل إعادته إلى أروقة الجامعة، وعلى رأسها الالتزام ببنود “المبادرة العربية” كافة. (راجع الصفحة التالية لقراءة البنود كاملة)
فيما تحدث وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مؤخرًا عن التزامات من نوع آخر، خرجت من أيدي العرب ونفذت إلى أيدي الغرب، مطالبًا النظام السوري الالتزام بمخرجات مفاوضات “جنيف” وقرار مجلس الأمن رقم “2254” من أجل العودة.
“جنيف” تهيمن على القرار العربي
وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قال في مؤتمر صحفي مع نظيره المغربي، ناصر بوريطة، الثلاثاء 8 من كانون الثاني الحالي، إن عودة النظام السوري للجامعة مرهونة بالتوصل إلى حل سياسي ينضوي ضمن مخرجات “جنيف” فقط وتحت إشراف الأمم المتحدة، ناسفًا بذلك تحركات روسية وتركية وإيرانية للتوصل إلى حل سياسي في سوريا تحت ما يعرف بـ “أستانة” و”سوتشي”.
يعتبر قرار مجلس الأمن رقم “2254” المرجعية الأساسية للمعارضة السورية من أجل التوصل لحل سياسي، وهو مكون من “16” مادة، وتنص الفقرة الرابعة على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.
ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تُجرى عملًا بدستور جديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة.
ويعتبر تصريح سامح شكري أول التصريحات العربية الواضحة التي تتحدث عن شروط عودة سوريا خارج إطار “المبادرة العربية”، وخارج نطاق المواقف السياسية العربية تجاه النظام السوري.
الدكتور عبد القادر نعناع، باحث سياسي سوري مختص في الشأن العربي، قال في حديث لعنب بلدي إن تصريحات شكري عبارة عن “حفظ ماء الوجه” في حال عجزت الجامعة العربية عن اتخاذ قرارٍ بشأن عودة سوريا إليها.
واعتبر نعناع أن إلزام النظام السوري بمخرجات “جنيف” يدل على وجود تحفظ أمريكي بشأن العودة، خاصة أن واشنطن تدعم “جنيف” وترفض أي محادثات تدور خارجها، وأضاف، “يبدو أن واشنطن تهدف إلى تأجيل موضوع عودة سوريا إلى الجامعة العربية قليلًا، إلى حين إحداث تسويات أشمل، لذا تأتي تصريحات سامح شكري لإيجاد مخارج لاحقة”.
كما أشار الباحث في الشأن القانوني العربي إلى وجود قرار ضمني لدى معظم الدول العربية بدعم عودة النظام السوري إلى الجامعة، لكنها تسعى للبحث عن دور عربي لإطلاق مسار سياسي في سوريا، في ظل نظام الأسد، وفقًا للمرجعيات الدولية وبما يتناسب مع تطلعات الأنظمة العربية.
ماذا عن قوانين الجامعة العربية؟
أما فيما يتعلق بالقوانين الداخلية الناظمة لقرارات تجميد أو تفعيل عضوية أي دولة في الجامعة العربية، فيشير ميثاق الجامعة إلى أن قرارات “مصيرية” كهذه تتطلب موافقة وإجماع كل الدول الأعضاء على ذلك.
وجاء في نص المادة “7” من الميثاق أن “ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزمًا لجميع الدول المشتركة في الجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزمًا لمن يقبله فقط”.
في حين تشير المادة “18” إلى أن “أي دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق منفصلة عن الجامعة، وذلك بقرار يصدر بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها” (أي التي لا تقوم بواجباتها)، وبموجب هذه المادة تم تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية.
وبحسب الباحث عبد القادر نعناع، فإن الشكل القانوني لميثاق الجامعة العربية، يشترط الحصول على موافقة كل الدول العربية لتفعيل عضوية سوريا في الجامعة، كون هذا الشأن يخص الجامعة ككل وليس شأنًا يتعلق بكل دولة على حدة، أي أن المادة “18” هي الأنسب هنا لمقاربة الوضع القانوني، على حد تعبيره.
وبما أن فصل سوريا من الجامعة العربية لم يحصل على إجماع كل الدول الأعضاء، إذ اعترضت عليه لبنان واليمن آنذاك ودخل حيز التنفيذ وفق التوازنات السياسية في الجامعة، يرى نعناع أنه من الممكن اتخاذ قرار العودة دون إجماع أيضًا وبموجب التوازنات ذاتها.
وأشار إلى أن ميثاق الجامعة ليس مضبوطًا قانونيًا بشكل واضح، بل هو نص يمكن تأويله وفق الاتجاه العام داخل الجامعة، ولدينا سوابق مهمة، أهمها قرار جامعة الدول العربية بالموافقة على العمليات العسكرية الأمريكية- الدولية لدخول الكويت ومهاجمة العراق عامي 1990-1991، رغم اعتراض دول وامتناع أخرى عن التصويت.
حين تطغى السياسة على الميثاق
بغض الطرف عن القوانين “الهشة” المعمول بها في الجامعة العربية، يرى الدكتور عبد القادر نعناع أن المواقف السياسية للدول العربية، في حال تشابهت، قد تطغى على ميثاق الجامعة العربية وأي قرار يتخذ في أروقتها.
وأوضح أنه في حال تبنت معظم الدول العربية قرارًا سياسيًا فرديًا بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، خاصة دولًا رئيسية في الجامعة مثل السعودية ومصر، فإنه وفق سوابق وآليات عمل الجامعة، لن تتطلب عودة سوريا سوى قرار من قمة تونس هذا العام، بحيث يمكن للأسد المشاركة في القمة المقبلة، بحسب نعناع.
إذ إن العملية السابقة قد تتم بغض النظر عن أي اعتراضات قد تُسقِط شرط الإجماع، أي بغض النظر عن اعتراض قطر الحالي، مقابل موافقة السعودية ومصر ودول أخرى “تدفع لإعادة النظام”، وبينها لبنان والعراق والجزائر وفلسطين والسودان والأردن.
وهنا يحصل القرار على موافقة مجلس الجامعة العربية، ثم يخضع للتصويت العام، ويتم تمريره في حال حصل على الإجماع، ذلك الإجماع الذي يمكن التغاضي عنه، وفقًا لسوابق حصلت في تاريخ قرارات الجامعة.
تعامل سوري بارد يخفي وراءه نصرًا مزدوجًا
محمد العبد الله
مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة
رغم تعامل النظام السوري ببرود مع الحديث عن عودة متوقعة إلى الجامعة العربية أو مع إعادة العلاقات مع دول عربية، إلا أن مصالح وفوائد قد تعود عليه، فهو معني ومستفيد ويعتبر العودة إلى الجامعة نوعًا من الانتصار، ولكنه يبقي نفسه بعيدًا عن أجواء الضغط والمطالبة بالعودة، كي لا تسجل هزيمة دبلوماسية وسياسية للنظام في حال لم ينجح بالعودة.
وفي حال عودته فسيؤطر ذلك بانتصار سياسي واضح وكبير، وهذه هي استراتيجية وعقلية النظام ذاتها، بأن سوريا انتصرت والعرب عادوا إليها صاغرين وطلبوا من دمشق العودة إلى الجامعة العربية، وهي نفس عقلية النظام بكل الملفات الأخرى والتي تقضي بعدم تقديم تنازلات مطلقًا.
ومن أهداف هذه الاستراتيجية وضع نقاط بأن الموقف الرسمي السوري كان الأدق، وأن الأنظمة التي تعاملت مع النظام السوري بهذه الطريقة هي التي كانت مخطئة. وبذلك يسجل انتصارًا على الشعب السوري والثورة من ناحية، وعلى الأنظمة العربية الأخرى التي ناهضت النظام السوري، وعلى رأسها دول الخليج.
من ناحية ثانية، هناك فوائد مؤكدة للجانبين، ففي الجامعة العربية توجد أنظمة عربية لديها رغبة بعودة النظام السوري، فمن السودان التي تشهد مظاهرات في وجه عمر البشير، إلى المناكفات الخليجية بين قطر والإمارات والسعودية ودور هذه الدول في الحرب اليمنية، إلى جانب قضية تصفية الصحفي السعودي جمال خاشقجي ودور ولي العهد محمد بن سلمان، وانتهاكات حقوق الإنسان لدى نظام السيسي. تدفع هذه الملفات بالدول إلى رفض أي محاصرة أو مقاطعة عربية لدولة ما بسبب انتهاكات حقوق الإنسان أو الانتهاكات بحق الصحفيين أو الإخفاء القسري للمعتقلين، أو العنف.
لذلك هناك مصلحة متبادلة، النظام يعود بشكل منتصر ويحاول فرض بعض العلاقات الدبلوماسية، بينما تمهد إعادة فتح السفارات العربية في سوريا بشكل أساسي أمام الدول الغربية لتجاوز هذا الخط وكسر العزلة والحصار، وبدء العودة الغربية كدبلوماسيين وبعثات وسفارات للتواصل مع النظام.
شق أساسي من أنشطة المنظمات المدنية والحقوقية، يجب أن يتركز على منع إعادة العلاقات مثلما كانت سابقًا، وفي حال تم الالتماس بأن هذه العلاقات عائدة شئنا أم أبينا، فيجب على الأقل أن تكون مشروطة وتؤخذ فيها مصالح الضحايا السوريين بعين الاعتبار، كأن يكون هناك انفراج في قضية المعتقلين، وأن توضع شروط إعادة إعمار المناطق المدمرة، واستعادة الممتلكات لأصحابها، خاصة المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وتمهد لبيعها بشكل غير عادل ولا يشمل سكان المنطقة الأصليين.
Social Media_newVenngage Infographics
قلق.. إدانة.. عقوبات.. ومبادرة محطات الجامعة العربية حول سوريا
انقلبت الظروف والمعطيات الخاصة بالملف السوري رأسًا على عقب بعد ثماني سنوات من اندلاع الثورة، وتبدلت معها الرؤى والمواقف السياسية للدول التي انخرطت بالتطورات سواء الأجنبية أو العربية، فبيانات القلق والعقوبات والتنديد التي أصدرتها ضد النظام السوري على خلفية قمعه للمظاهرات السلمية وقتل المدنيين لا تشاهد حاليًا، وحل بدلًا عنها خطوات تندرج في إطار إعادة التطبيع و”نسيان” ما تم اتخاذه في السابق.
وفي إطار الخطوات التي قامت بها بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، والحديث عن عودة قريبة للجامعة العربية بموجب دعوات من عدة دول، لا بد من استعراض محطات الجامعة بخصوص سوريا، والمسار الزمني للمواقف التي اتخذتها منذ عام 2011 حتى اليوم.
عملت عنب بلدي على رصد للبيانات والقرارات التي أصدرتها “الجامعة” بخصوص الملف السوري منذ 2011 حتى 2016، والتي تدرجت من القلق إلى الإدانة وإصدار العقوبات، ومن ثم المبادرة العربية المؤلفة من 13 بندًا، التي حملتها إلى دمشق وصولًا إلى المواقف “غير الحازمة”، والتي تغيرت بتغير الخريطة على الأرض والوضع السياسي العام.
في 27 من آب 2017 أصدرت “الجامعة” أول بيان بشأن التطورات في سوريا تحت رقم “148” صادر عن مجلسها على المستوى الوزاري في دورته غير الاعتيادية في العاصمة القاهرة، أعربت فيه عن “قلقها وانزعاجها” مما تشهده الساحة السورية من تطورات أدت إلى مقتل مدنيين.
وشدد مجلس الجامعة في البيان على “ضرورة وضع حد لإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان واحترام حق الشعب السوري وتطلعاته نحو الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، في خطاب أعطى لغة تمهيدية للتصعيد في حال استمر النظام السوري بالانتهاكات بحق الشعب السوري.
مبادرة من 13 بندًا
استمرت المظاهرات المناهضة لنظام الأسد ولم يتوقف قتل واستهداف المتظاهرين عدا عن الاعتقالات وطرق التعذيب على يد الأفرع الأمنية التي بدأ ظهورها على المشهد بشكل يومي، لتصعد “الجامعة” خطابها وتصدر ما يعرف بـ “المبادرة العربية”.
تضمنت المبادرة 13 بندًا حملها الأمين العام للجامعة حينها، نبيل العربي، إلى العاصمة دمشق، أبرز ما جاء فيها دعوة “الحكومة السورية” لوقف العنف ضد المدنيين، وتعويض المتضررين وجبر كل أشكال الضرر، إلى جانب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو المعتقلين بتهم المشاركة في الاحتجاجات.
وطالبت المبادرة النظام بفصل الجيش عن الحياة السياسية والمدنية وأن يتحول إلى حامٍ لعملية التحول والإصلاح، إضافةً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية برئاسة رئيس حكومة يكون مقبولًا من قوى المعارضة المنخرطة في الحوار، ومن مهام الحكومة إجراء انتخابات ديمقراطية تكون مفتوحة لمراقبي الانتخابات.
لم تناسب البنود التي قدمتها “الجامعة العربية” النظام السوري، رغم موافقته شكليًا عليها، فأعمال العنف لم تتوقف وصعّد من حملاته الأمنية ضد المتظاهرين في جميع المناطق السورية، وخاصة في محافظتي درعا وريف دمشق.
وعلى خلفية عدم الالتزام عقدت “الجامعة” عدة جلسات على المستوى الوزاري، في شهري أيلول وتشرين الأول 2011، أصدرت فيها قرارات أكدت على ضرورة وقف العنف من قبل النظام السوري، وشكلت لجنة وزارية مهمتها التواصل مع شخصيات من النظام السوري لوقف العنف ورفض المظاهر العسكرية في المدن.
يوم 12 من تشرين الثاني 2011 كان نقطة تحول كبيرة بخصوص موقف “الجامعة” من النظام السوري، إذ أقدمت على تعليق مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعاتها وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها.
وجاء في قرار التعليق توقيع عقوبات اقتصادية وسياسية ضد الحكومة السورية، ودعوة جميع أطياف المعارضة للاجتماع في مقر الجامعة للاتفاق على رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية.
وتحدد العقوبات التي تم إقرارها في 27 من تشرين الثاني 2011 بمنع سفر كبار الشخصيات والمسؤولين السوريين إلى الدول العربية ووقف التعامل مع البنك المركزي، ووقف التبادلات التجارية مع الحكومة السورية وتجميد الأرصدة المالية للنظام، إلى جانب تجميد إقامة مشاريع على الأراضي السورية من قبل الدول العربية.
مطالبة بالتنحي.. تصدير المعارضة
على مدار خمسة أشهر من إصدار العقوبات ودعوة المعارضة السورية إلى الجامعة العربية لم تتوقف الاجتماعات على المستوى الوزاري، وطالبت فيها الجامعة بوقف العنف والقتل من جانب النظام السوري، والالتزام ببنود المبادرة العربية التي تم طرحها، إضافة إلى فتح تبرعات للشعب السوري ووضع آلية عربية لتقديم المساعدة.
في حزيران 2012 عقد مجلس الجامعة على المستوى الوزاري اجتماعًا خرج فيه بعدة قرارات كان أبرزها إدانة مجزرة الحولة التي قامت بها قوات الأسد، ودعا مجلس الأمن للقيام بواجباته بحماية المدنيين، وإلى جانب ذلك قرر المجلس الطلب من إدارة القمر الصناعي “عربسات” والشركة المصرية “نايلسات” اتخاذ ما يلزم لوقف بث القنوات السورية الرسمية وغير الرسمية.
وضمن المتابعات التي استمر بها مجلس الجامعة أصدر قرارًا في تموز 2012 طالب فيه بشار الأسد بالتنحي لـ “حقن دماء السوريين”، ودعا إلى تشكيل حكومة سورية انتقالية بالتوافق وتضم قوى المعارضة داخل وخارج سوريا والجيش الحر وسلطة الأمر الواقع الوطنية.
عقب ذلك زاد مجلس الجامعة من لغته التصعيدية ضد النظام السوري، واتجه إلى طرح مصطلحات متوافقة مع رؤية الشعب السوري في التغيير الذي نادى به أولًا كـ “الشبيحة” كوصف أُطلق على مقاتلي النظام السوري.
وفي أواخر عام 2012 رحب بتشكيل “الائتلاف السوري” المعارض، وشكر دولة قطر على الدور الذي لعبته حينها بتشكيله ليكون “جامعًا لكل أطياف الشعب السوري”، واعتبر أن “الائتلاف” هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري ووجه له دعوة لتشكيل هيئة تنفيذية لشغل مقعد سوريا في الجامعة إلى حين إجراء انتخابات تفضي إلى حكومة.
وبقي مقعد سوريا خاليًا منذ 2011 بعد تجميد عضوية دمشق، باستثناء القمة التي انعقدت بالدوحة في آذار 2013، إذ جلس رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية آنذاك، معاذ الخطيب، على المقعد، وألقى كلمة أمام القادة ورؤساء وفود الدول العربية، ورُفع علم “الثورة” ذو النجمات الثلاث داخل القاعة الرئيسية للمؤتمر.
إدانة مجزرة الكيماوي في الغوطة
خلال عملية الرصد التي خصت قرارات الجامعة العربية نرى أنها تدرجت بالتصعيد والذي وصل إلى عام 2013 بإدانة مجزرة الكيماوي التي أوقعتها قوات الأسد في الغوطة الشرقية.
وفي اجتماع لمجلس الجامعة، آب 2013، استنكر المجزرة التي قامت بها قوات الأسد بالأسلحة المحرمة دوليًا، وحمّل النظام السوري المسؤولية الكاملة عنها، وطالب بتقديم كل المتورطين إلى المحاكمات الدولية.
كما اتجه مجلس الجامعة العربية في الأشهر الأخيرة لـ 2013 وحتى عام 2014 إلى إصدار قرارات داعمة لمسار جنيف التفاوضي الذي دخلت فيه المعارضة السورية، والذي يقضي بإنشاء هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة.
تحوّل بعد 2015
في عام 2015 دخل الملف السوري نقطة تحول بالتدخل الروسي إلى جانب النظام السوري في عملياته العسكرية ضد فصائل المعارضة من جهة وتنظيم “الدولة الإسلامية” من جهة أخرى.
وفي أول رد رسمي من الجامعة العربية على الضربات الجوية الروسية داخل سوريا، قال نائب الأمين العام، السفير أحمد بن حلي “لا أعتقد أن التحرك العسكري الأجنبي في سوريا سواء كان روسيا أو غربيًا كفيل بحسم مصير الحرب الدائرة رحاها هناك، والقضاء على التنظيمات الإرهابية بما فيها تنظيم داعش”.
وأضاف لوسائل إعلام مصرية، بينها “اليوم السابع”، “ينبغي العمل على تضافر الجهود العربية والإقليمية والدولية لدفع الفرقاء المتصارعين في سوريا حكومة ومعارضة مسلحة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وإنقاذ هذا البلد العربي المهم من الانهيار والتقسيم والفوضى الهدامة”.
لم تتخذ “الجامعة” موقفًا حازمًا من القصف الروسي، والذي استهدف الأحياء السكنية، سواء في الغوطة الشرقية أو إدلب والمنطقة الجنوبية من سوريا، واقتصرت قراراتها على الإدانة والاستنكار، والدعوة إلى “المحافظة على الدم السوري”.
وخرج مجلس الجامعة بعدة قرارات في قمة موريتانيا، تموز 2016، أكدت بالمجمل على “سيادة سوريا على الجولان ومطلب الحكومة السورية في استعادته”.
وأكد المجلس بحسب قراره، حينها، على “احترام تطلعات الشعب السوري، والترحيب بالجهود الدولية لاستئناف المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة، الهادفة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية”.
وأدخل في قراراته أيضًا التنديد بالعمليات العسكرية التي يقوم بها النظام السوري، والتي تقوم بها “المجموعات الإرهابية” بينها “تنظيم داعش وجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة”.
وفي القمة التي عقدت في العاصمة الموريتانية نواكشوط رفضت أغلب الدول العربية أن تشغل المعارضة السورية مقعد سوريا فيها، وحدث تباين في الآراء إزاء المقعد آنذاك.
وسوم: العدد 814