الخفي الذي لا يصرح به الملحون في الدعوة إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية في بلادنا
من العبارات التي يرددها أحد الأصدقاء الفضلاء حين يرتاب في نية شخص ما قوله : " المبالغة في إظهار الحرص على الأمانة دليل على إضمار الخيانة " وهذه العبارة تصدق عندنا على بعض الجهات الملحة إلحاحا كبيرا في دعوتها إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية . وإذا ما كانت بعض الجهات لا تخفي نية مبيتة وراء القول بصواب التدريس بهذه اللغة الأجنبية ، ويمكن الثقة في أنه إنما تحدوها في ذلك الرغبة في تطوير تعليمنا سيرا على نهج الفرنسيين واستفادة من خبرتهم ، فإن جهات أخرى ترفع نفس الشعار لا يمكن الثقة فيها بتاتا ،لأنها تبطن خلاف ما تظهر . وهذه الجهات مهما حاولت التمويه على خلفياتها، فإنها مكشوفة ، و من الضروري أن تؤخذ بعين الاعتبار أثناء التعامل مع ما تصدر عنه من آراء ومواقف .
ونذكر من هذه الخلفيات الفرنكوفونية ، والعلمانية ، والأمازيغية الطائفية ، هكذا بهذا الوصف تمييزا لها عن أمازيغية بريئة من العصبية الطائفية ، فهذه وغيرها من الخلفيات التي تجمع بينها أو توحدها مناصبة العداء للعربية إذا ما صدرت عنها دعوات لاعتماد اللغة الفرنسية لغة للتدريس في تعليمنا فهيهات أن تستطيع إقناعنا بحسن نواياها وسلامة طواياها .
فالفرنكوفونية كما هو معلوم هي سلاح من أسلحة الاحتلال الفرنسي لبلادنا ، وإذا كان المحتل قد سحب أسلحته من ساحتنا يوم حصلنا على استقلالنا ، فإنه لم يسحب سلاح الفرنكوفونية، وذلك ليواصل احتلالنا فكريا ولغويا ، وقد ألقى في روع البعض منا أننا دونها لا قيمة لنا في هذا المعمور .
ولقد كان من المفروض أن تستمر مقاومتنا للفرنكوفونية باعتبارها سلاحا من أسلحة المحتل بعد حصولنا على الاستقلال من خلال اعتماد لغتنا الأم لبلوغ مراقي العلم المعرفة أو اختيار اللغة الأنكلوسكسونية للتدريس إلى جانب اللغة الأم ريثما تسلس لها العلوم القياد ، وليتنا فعلنا ذلك منذ أول يوم من استقلالنا ، ولو فعلناه لما عاب علينا أحد ذلك ، ولما بقينا أسرى للفرنسية ، ولكنّا اليوم قد قطعنا شوطا كبيرا في تحصيل العلوم المتطورة باللغة الإنجليزية التي لا تتعلق لغة المحتل الفرنسي بغبارها كما يشهد على ذلك أهل الاختصاص ، ويصدقه الواقع العلمي . ومن المؤكد أن اعتمادنا لغة المحتل قد أخرنا عن الركب العلمي والمعرفي سنوات طويلة .
ومن المعلوم أن الذين آلت إليهم أمور تعليمنا منذ الاستقلال إلى اليوم لا يعرفون سوى لغة المحتل ، وليس من مصلحتهم أن تحل محلها لغة أجنبية أخرى لا يعرفونها ، كما أنه ليس من مصلحتهم أن يكون للغة العربية شأن أو دور في نقلنا من أمة عالة على الفرنكوفونية إلى أمة قرارها بيدها حين يتعلق الأمر بالكيفية والوسيلة التي تلقن بها لناشئتها العلوم والمعارف .
كيف يمكننا إذن الثقة فيمن له خلفية فرنكوفونية في هذا الوطن حين يرفع عقيرته مطالبا باعتماد لغة المحتل في تدريس العلوم ، وكأن هذه الأخيرة لا يمكن أن تدرس إلا بتلك اللغة وحدها . ومما يثير السخرية عبارة "الباكلوريا الدولية "التي صارت متداولة وتم التطبيع معها ، وأضفت عليها مذكرات الوزارة الوصية على التعليم المشروعية ، والمثير للسخرية فيها إضفاء صفة " دولية " على اللغة الفرنسية في عالم متعدد اللغات ،وفيها ما لا تتعلق الفرنسية بغبارها في مجال العلوم والمعارف . وإطلاق عبارة " باكلوريا دولية " تطرب الفرنكوفونيين عندنا ، وهي التي أغرت أولياء أمور الناشئة عندنا بالتهافت على تسجيل فلذات أكبادهم بسلك هذه الباكلوريا السحرية وركوب سفينتها الموصلة إلى بر الوظيفة الآمن في زمن هاجت وتلاطمت فيه أمواج بحر البطالة اللجي ، وهو زمن لم يعد فيه العلم يطلب لشرفه .وما أضيق دلالة صفة " دولي " حين يختزلها الفرنكوفونيون عندنا في جغرافية فرنسا ، والذي ينظر إلى الدنيا من ثقب إبرة يرها حتما بحجم منظاره .
أما باقي الخلفيات من علمانية وأمازيغية عرقية متعصبة، فلا داعي للخوض فيها لأن تعصبها ضد لغة القرآن الكريم هو الذي يجعلها تنحاز إلى جانب لغة الفرنكوفونية . وهل ينتظر ممن يدعو إلى كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، وهي التي كتبت لقرون بالخط العربي أن يتردد في المطالبة باعتماد اللغة الفرنسية في التدريس عندنا ؟ وهل نصدقه إن زعم أن قصده إنما هو تحصيل العلم ليس غير ، مع أن تحصيله بغيرها أفضل، والدليل على ذلك أن أبناءها أنفسهم يطلبونه بغيرها لا بها لقصور فيها ؟
وهل ينتظر من العلمانيين الذين يريدون إقصاء الإسلام من الحياة ، و إيداع القرآن الكريم الأرشيف ، والحكم على العربية سوى مطالبتهم بالتمكين للفرنسية في منظومتنا التربوية ؟
وأخيرا نقول صدق من قال لا تعوي الذئاب لوجه الله تعالى .
وسوم: العدد 814