تحشيش حكومي في العراق
إبتلى العراق بكوارث لا عد لها منذ الغزو الامريكي ولحد الآن، فالفساد الحكومي والأخلاقي، وانتشار البطالة والجوع والفقر، وتراجع الخدمات الصحية والتربوية والبلدية الى الصفر، وانتشار التزوير والرشوى في كل مؤسسات الدولة، وتوسع الميليشيات المسلحة التي صارت تمثل الدولة العميقة بقوة وإقتدار، علاوة على جرائم القتل والإختطاف والإغتيالات اليومية، وفساد الأجهزة الأمنية، وتسيس القضاء، وتدجين الإعلام بكل مؤسساته لصالح الأحزاب الحاكمة، وإنتفاء السيادة الوطنية، والحدود السائبة، وتدخل دول الجوار في الشأن العراقي، ونفوذ رجال الدين القوي في إدارة دفة الدولة، وأرهاب داعش المستمر، مشاكل لا حصر لها، لكن هناك خطر يتفاقم يوم بعد آخر دون أن يحظى بإي إهتمام من قبل الحكومة والبرلمان، يتمثل بتجارة وتعاطي المخدرات، بحيث وصل الأمر الى بيعه في الجامعات والمدارس الثانوية، ولم يقتصر تعاطي المخدرات على الرجال فحسب بل شمل النساء أيضا، وهذه حالة نادرة وأول مرة تحصل في تأريخ العراق. فقد كشفت مفوضية حقوق الانسان في العراق عن احصائية تظهر مستوى ادمان المخدرات في العراق، حيث بلغت نسبة تعاطي الذكور (89.79%)، وتعاطي الأناث (10.2%) والنسبة تتعاظم سنويا.
من المعروف ان العراق كان قبل الغزو من الدول النظيفة فيما يتعلق بتجارة وتعاطي المخدرات، فالحكومة قبل الغزو كانت حدية للغاية في هذا الموضوع، والقوانين صارمة ورادعة وتترواح بين السجن المؤبد والإعدام، حتى في حالات العفو العام لم تُشمل جرائم المخدرات به. وقد سجل مكتب المخدرات ومتابعة الجريمة التابع للأمم المتحدة حالتين فقط لتجارة المخدرات للفترة بين 1970ـ 1990. في حين تشير إحصائية لمستشفى ابن رشد المتخصصة في مجال معالجة المدمنين بأن 3 من كل 10 عراقيين يتناولون المخدرات، وهذا الحالة رغم خطورتها، لكنها لا تمثل الواقع تماما، بسبب إمتناع الحكومة عن تقديم أية احصائيات عن تنامي هذه الظاهرة، والسبب يعود الى أن هذه التجارة تتم من قيل الميليشيات الممثلة في البرلمان والحكومة، علاوة على الخشية من إثارة غضب الدولة المصدرة للمخدرات، والتي سنتعرف عليها، على الرغم من جميع العراقيين يعرفونها بإستثناء رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، قالرجل كما يبدو أما هو محشش ويعيش عالمه الخاص، او انه من تجار المخدرات ويسعى للحفاظ على مصالحه التجارية، او انه يحمي تجار المخدرات لأنهم يمثلون الدولة العميقة، أو خشية من الدولة التي تصدر هذا السرطان للفتك بشباب العراق، وكحد أدنى من حسن الظن انه يعتقد ان الأرجنتين دولة مجاورة للعراق، ولنا في وزير الخارجية السابق إبراهيم الجعفري إسوة سيئة.
والا كيف يمكن تفسير تصريحه الجديد؟
فقد كشف عادل عبد المهدي في 5/3/2018 طريق وصول المخدرات إلى العراق. خلال مؤتمره الأسبوعي الذي عقده بالمقر الحكومي في بغداد، موضحا للعارفين ببواطن الأمور وهو غافل عنها تماما" إن طريق وصول المخدرات على العراق، طويل جداً، فالمخدرات يتم نقلها من الأرجنتين إلى عرسال وبعدها إلى سوريا، وصولاً إلى الأراضي العراقية.
هذا كلام لا يمكن أن يصدر من عاقل، فكما يقال حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له، للأسباب الآتية:
1. من المعروف ان هذا الطريق الطويل، مما يعني زيادة تكاليف نقل المخدرات (من قارة الى قارة)، وبالتالي سيرتفع ثمنها، في حين ان سعر المخدرات في العراق زهيد جدا.
2. توفر بدائل أفضل وأرخص وأقصر طريقا. حيث يمكن جلب المخدرات من جنوب لبنان، فحزب الله نشيط في تجارة المخدرات، وهذه التجارة تغطي نسبة كبيرة من ايراداته.
3. هناك بديل آخر و قصير وأقل تكلفة أيصا يتم عبر إفغانستان، من المعروف إن الجزء الأكبر من المخدرات يتم إنتاجه في أفغانستان. ويعتبر طريق البلقان الطريق الأهم لتهريب الهروين عبر إيران وتركيا إلى جنوب شرق أوروبا وأوروبا الوسطى.
4. لماذا خص عبد المهدي الأرجتين دون غيرها، فهي من حيث ترتيب الدول في إنتاج المخدرات في ذيل القائمة، جاء في تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (اونودك) " تعتبر المكسيك وكولومبيا من أهم الدول في إنتاج وانتشار الهيروين، إذ تنتشر منها إلى قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية. وهناك سبع دول في أمريكا فقط بزراعة الكوكايين. وتقدر كمية انتاجه بـ (943) طن وهي المكسيك وكولومبيا، البيرو. وتليها بوليفيا، الإكوادور، الأرجنتين وكوستاريكا.
5. لماذا إستبعد عبد المهدي المصدر والمعبر الرئيس للمخدرات القادمة الى العراق، هل لأنه لا يقرأ التقارير الأمنية الصادرة بهذا الشأن، أم انه أضعف من أن يدس أنفه في هذا الموضوع الشائك والمرتبط بأجندة خارجية؟
لقد صرح قائد شرطة محافظة البصرة العراقية الفريق (رشيد فليح) في 18/11/2018 للصحفيين "أعلنها وبكل صراحة أن المخدرات التي تأتي إلى البصرة بنسبة 80 % منها تأتي من الجانب الإيراني، و20% من باقي الدول ومنها الكويت من خلال توريد الحبوب الخاصة". وأضاف "سنعمل بقوة على تأمين هذه الحدود من خلال قيادة الحدود والقوة البحرية في محافظة البصرة"، لافتا إلى حصول الموافقات الرسمية لبناء مصحة كبيرة لعزل المتعاطين عن تجار المخدرات. ودعا قائد شرطة البصرة إلى تغليظ أحكام بحق تجار المخدرات، وأطالب بإنزال عقوبة الإعدام بحق التجار الكبار لهذه المواد وليس الأحكام العقابية الموجودة الآن، التي تبيح له إعداد تجار صغار تابعين له، ثم يغادر السجن.
ان كانت 80% من ايران، و20% موزعة ما بين تركيا ودول الخليج وسوريا، فما هي حصة الأرجنتين من هذه الـ 20% يا رئيس الوزراء؟ ويقال انك خبير إقتصادي، علما اننا لم نلمس هذه الخبرة خلال إستيزارك السابق، بل العكس منها تماما. وعندما إطلعنا على المقالات التي كنت تكتبها ويتمشدق بها البعض على ضوئها بإنك خبير إقتصادي، وجدنا منقولات مجترئة من كتب إقتصادية وصحف عالمية، مجرد دراسات نظرية ليست ذات قيمة.
المهم هل نصدق قول رئيس الوزراء القابع في بغداد، ام قائد شرطة محافظة البصرة العراقية وهو المسؤول الميداني والمتابع للموضوع؟ نترك الحكم للقاريء الفاضل.
يبدو ان عادل عبد المهدي المتأثر بشخصية إبراهيم الجعفري ويمشي على خطاه بدقة وحرص، لم يسعفه الحظ، كما أسعف الجعفري، فقد جاء الرد سريعا على إتهامه (الجارة) الأرجنتين بتصدير المخدرات للعراق، فقد علقت لجنة الأمن والدفاع النيابية في 7/3/2019 على حديثه بتصرح من عضو اللجنة (عبد الخالق العزاوي) ان" عملية تهريب المخدرات منذ زمن بعيد وهي تتم عبر ايران للعراق وعملية التهريب من إيران واضحة جدا وتتم عبر خطين، الأول جلولاء خانقين ومن ديالى الى بغداد وباقي المحافظات، اما الخط الثاني فيكون عبر مناطق محافظات واسط، وقد زادت عملية تهريب المخدرات عن حدها خلال الفترة الاخيرة من خلال المليشيات"، محذراً من وصول المخدرات الى داخل منازل المواطنين في حال عدم وضع حد لترويج ونقل تلك المخدرات من قبل الحكومة التنفيذية ورئيس مجلس الوزراء.
زادت تجارة المخدرات حسب تصريح العزاوي من خلال الميليشيات، فأية ميليشيات يقصد؟ بالتأكيد لا يصلح تعليق الإتهام على شماعة تنظيم داعش الإرهابي، وهذا ما جعل عبد المهدي في موقف حرج، فالحكومة تُرجع كل الأخطاء التي إرتكبتها الى داعش، وداعش لا يعمل بتجارة المخدرات، ولم توجه له هكذا إتهامات لحد الآن، ولا يمكن أن يقوم بها لأنها تخالف دعواته. كما إنه لا توجد ميليشيات لأهل السنة في جنوب العراق. والمنافذ البحرية والبرية والجوية في جنوب العراق تسيطر عليها الأحزاب الشيعية الحاكمة.
إذن الميليشيات الشيعية هي التي تتاجر بالمخدرات، وهذا ليس سرا، فالجميع يعرف المصدر والتجارما عدا رئيس الوزراء.
من جهة ثانية سبق أن صرح القيادي في التيار الصدري( حاكم الزاملي)" إن إيران وأفغانستان هما المصدران الأكبر للمخدرات إلى العراق. وأن هناك نحو 2650 معتقلاً من المتعاطين يقبعون في السجون، مشيراً إلى أن تجار المخدرات يفلتون دوماً من العقاب كونهم مرتبطين بأحزاب سياسية. وهناك مزارع تم استحداثها لزراعة نبتة الخشخاش والقنب، في منطقة قره تبه بمحافظة ديالى ومزارع في أطراف محافظات السليمانية والقادسية وميسان.
لدينا تصريحات من البرلمان والجهة الأمنية المختضة تتعارض من زعم رئيس الوزراء. فلماذا لا يطلع رئيس الوزراء على سجلات المعتقلين، ويستوضح كيفية ورود المخدرات من نظام الملالي الأرجنتيني الى العراق؟
ربما من المفيد أن نُذكر رئيس الوزراء بأحد التجار الذين ألقت القوات الامنية القبض عليهم في بغداد، وهو (جواد لؤي الياسري) نجل محافظ النجف (من حزب الدعوة) بتهمة حيازة مخدرات حيث صرح مصدر امني" في الساعة السادسة عصرا من مساء 21/1/2018، وردت معلومات الى الاجهزة الامنية تفيد بوجود مواد ممنوعة داخل سيارة ، حيث تم نصب سيطرة مفاجئة ضمن منطقة السيدية مقابل جامع الإمام علي بن أبي طالب وتم إلقاء القبض على سيارة جارجر الرقم ( 33932 ) ازرق بغداد وداخلها ضابط مخابرات الملازم جواد لؤي جواد الياسري ، وبداخلها ايضا 12 كيلو حشيشة ونص كليو مواد مخدرة أخرى و7000 حباية نوعها صفر واحد و88 باكيت مواد مخدرة أخرى ومسدس كروكر تابع الى جهاز المخابرات الوطني العراقي وباجات متنوعة وكتب تسهيل مهمة ، حيث تم التحفظ على المواد.
هذا نموذج بسيط وعلى عبد المهدي ان يُتعب نفسه قليلا ليعرف الحقيقة، بدلا من تخريب علاقات العراق مع الشقيقة الأرجنتين لصالح الشقيقة إيران.
وليتذكرعبد المهدي ان العراق يمثل أرضية صالحة لتعاطي المخدرات بسبب الفقر والبطالة وضعف القانون والظلم واليأس من الإصلاح، وعجز الحكومة الذي يعتبر عبد المهدي من أبرز قادتها.
وسوم: العدد 815