على أطر التعليم العالي أن تقر بأنها عاجزة عن نقل علوم المادة
على أطر التعليم العالي أن تقر بأنها عاجزة عن نقل علوم المادة إلى اللغة العربية عوض نسبة العجز إليها تملصا من مسؤولية منوطة بهم
ما أسهل أن يرمي الإنسان لسانا من الألسن بالعجز عن نقل حمولة علمية أو معرفية ، وفي المقابل ما أصعب أن يملك الشجاعة ليعترف بأن العجز يعود إليه لا إلى اللسان المتهم بالعجز. هذا حال كل من هللوا لتدريس ما يسمى بالمواد العلمية في بلادنا باللغة الفرنسية لا بغيرها من اللغات الأجنبية مع أن باع أهل اللغة الفرنسية لا يفوق باع غيرهم في نقل العلوم والمعارف بلغتهم إن لم نجزم حسب أهل الخبرة أن غيرهم يفوقونهم في ذلك بأشواط بعيدة في كثير من التخصصات .
ولقد اختار المهللون بنقل الحمولة العلمية إلى ناشئتنا باللسان الفرنسي أسهل طريق أو القفز فوق أقصر جدار كما يقال لأنهم تلقوا تعليمهم به ، ولأنهم لا يجيدون لسانا غيره ، وهم أعجز ما يكونون عن نقل ما حصلوه باللسان الفرنسي إلى اللسان العربي المحسوبين عليه ـ ياحسرتاه ـ ، وهم في واقع الحال لا يجيدونه ، ولا يتكلمونه إلا بزلات وأخطاء ، وغالبا ما يسألون من يجيدونه عن معانيه وعن إعراب كلمه حين تزل ألسنتهم به إن كانوا ممن يقرون بالعجز ، أما إن كانوا من المكابرين، فإنهم لا يرضون الاعتراف بعجزهم، وحالهم أقبح من حال من يقر به ، وليس أمام هؤلاء إلا الاستنجاد بالعامية حتى أن بعضهم ومن أجل التغطية عن عجزه عن التعبير باللسان العربي الفصيح المبين صار ينادي باستعمال العامية في التدريس وهي عالة على الفصحى حتى في الحديث العادي ، وهي أشد عالة عليها في حديث العلوم والمعارف .
ولقد درست المواد العلمية عندنا في كل أسلاك التعليم ما قبل شهادة الباكلوريا باللسان العربي ، وكانت كليات العلوم ومعاهدها في جامعاتنا لعقود تستقبل متعلمين حاصلين على شهادة الباكلوريا قد درسوا مختلف العلوم بالعربية ، وتجشموا صعوبة في مواصلة دراستها باللغة الفرنسية في الطور العالي من أجل أن ينعم أطر التعليم العالي بالراحة ، ولا يتجشموا تدريس المواد العلمية بالعربية لعجزهم الفاضح عن ذلك ، وهو ما حملهم على اختيار أيسر طريق وهو نقل البضاعة العلمية باللسان الفرنسي دون بذل أدنى مجهود لنقلها باللسان العربي وهي مسؤوليتهم المنوطة بهم كغيرهم من أطر التعليم العالي في كل المعمور ، ومن ذا الذي سيضطلع بها إن لم يضطلعوا هم بها ؟. وكان من المفروض أن يقوموا بما قام به الجيل الذي تحمل نقل الحمولة العلمية بالعربية مع أنه تلقاها بالفرنسية . ولو سارت أطر التعليم العالي على نهج هذا الجيل منذ مدة لما كنا اليوم في غنى عن الجدل العقيم حول لغة تدريس البضاعة العلمية والمعرفية.
وإذا عجزت بعض أطر التعليم العالي عن نقل البضاعة العلمية والمعرفية إلى اللسان العربي ، فمرد ذلك افتقارها إلى الخبرة والكفاءة في النقل خصوصا وأن غيرها في المعمور بذل ويبذل مجهودات كبيرة في نقلها إلى ألسنتهم دون الجرأة على القول بأن ألسنتهم عاجزة عن نقلها كما يتجرأ بذلك على اللسان العربي دون شعور بالخجل والعار .
والمسكوت عنه في قرار تدريس علوم المادة بلغة أجنبية مقابل حصر مهمة اللغة العربية في نقل علوم الإنسان أو لنقل بعض علوم الإنسان ،لأن هناك أخبار مفادها أنه حتى بعض تلك العلوم الإنسانية يراد نقلها باللسان الأجنبي ،هو أن الأمر يتعلق بصراع حضاري يقوده الغرب تحت ذريعة ما يسميه الحرب على الإسلام السياسي الذي يسعى في نظره إلى العودة إلى المجتمع الديني الذي يعتبره تهديدا لما يسميه مجتمعا مدنيا أو بعبارة أدق مجتمعا علمانيا لا دينيا، وهو مجتمع يسعى الغرب العلماني إلى عولمته أو بتعبير أدق إلى فرضه بالقوة على المجتمعات المتدينة خصوصا المسلمة منها ، وبناء على هذا تعتبر فكرة تدريس العلوم والمعارف بغير اللسان العربي للناشئة العربية إجهازا على علاقة هذه الناشئة بلسانها ، ومن ثم الإجهاز على دينها الذي هو صمام أمانها أمام وحشية العولمة العلمانية الغربية .
ومعلوم أن الذين ينادون بإقصاء لغة القرآن من حياة أهلها بشكل أوبآخر لا يجرؤون على التصريح بهذا المسكوت عنه ، ويرددون ذرائع واهية منها أن المعارف والعلوم أسهل نوالا في اللغة الغربية بما فيها الفرنسية منها في اللغة العربية ، والسؤال الذي نواجه به هؤلاء هو : متى سيكون نقل تلك المعارف والعلوم باللسان العربي ؟ وليس أمامهم سوى أن يجيبوا إما بالقول إن ذلك مستحيل، وهو ما يعتبر حينئذ اعترافا ضمنيا منهم بمشاركتهم في التآمر على لغة القرآن أو يعتبر اعترافا صريحا بعجز فيهم لا في اللغة العربية ، وفي الحالتين معا هم متهمون عليهم دفع إحدى التهمتين بالحجة والدليل للبراءة منهما .
وأخيرا نقول إن التحدي المرفوع أمام المخلصين الصادقين في حب لغة القرآن من أطر التعليم العالي هو العكوف بجد ومثابرة وصبر على نقل المعارف والعلوم إلى اللسان العربي لدحض مقولة عجزه ، ولفضح العاجزين عن ذلك ، وللكشف عن انخراط المتآمرين في التآمر عليه وللنيل من الإسلام بطريقة خبيثة ماكرة فيها نفاق وتمويه لا يخفيان على ذي بعد نظر وذي لب لا يخدعه خب.
وسوم: العدد 839