تخبّط نتنياهو سيعيده للحكم
ممّا يلفت الإنتباه أنّ التّنافس بين الأحزاب الإسرائيليّة في الإنتخابات يتمحور حول من منهم هو الأكثر تطرّفا، والأكثر استعدادا للبطش بالفسطينيّين شعبا وأرضا، والأكثر عدوانيّة عل دول المنطقة، وهم يجدون تربة خصبة في أصوات ناخبيهم الذين تربّوا على التّطرف اليميني والخوف؛ لتبقى أياديهم على الزّناد بشكل دائم. وهم يعتمدون في ذلك على القوّة العسكريّة التي تتفوّق فيها اسرائيل على دول المنطقة مجتمعة، بفضل الدّعم الأمريكيّ اللامحدود، والضّعف والتّخاذل العربيّ الرّسميّ اللامحدود أيضا، لذا فإنّ نتنياهو يقوم بدعايته الإنتخابيّة من خلال القصف شبه المتواصل على قطاع غزّة، وسوريا، واختراق الأجواء اللبنانيّة، والتّوسّع الإستيطاني في القدس وبقيّة أجزاء الضّفة الغربيّة، وانتهاك حرمات الأماكن المقدّسة كما يجري في المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، وفرض السّيادة الإسرائيليّة على المستوطنات، والحصار المالي على السّلطة الفلسطينيّة.
ولمن يطلقون أسلحة الشّجب والإستنكار لتصريح نتنياهو حول نيّته بضمّ منطقة الأغوار بعد الإنتخابات الإسرائيليّة المزمع عقدها في 17 سبتمبر الحالي، فإنّهم وكما يبدو لا يعرفون الحقائق القائمة على الأرض، أو أنّهم يعلمون ويتجاهلون ما يعلمون، فمن يسافر من شاطئ البحر الميّت إلى بيسان في شمال منطقة الغور، لا يحتاج إلى دليل؛ كي يرى المستوطنات الإسرائيليّة الزّراعيّة القائمة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلة عام 1967 متواصلة، ونتنياهو الذي أعلن سابقا فرض السّيادة الإسرائيليّة على المستوطنات، ليس بحاجة إلى قرار جديد لضمّ منطقة الغور لإسرائيل، لأنّها مضمومة أصلا. وما إعلان نتنياهو بنيّته الإعلان عن ضمّ الأغوار بعد الإنتخابات إلا من باب الدّعاية الإنتخابيّة. لكنّه إذا ما فاز في الإنتخابات واستطاع تشكيل حكومة بتحالف حزبه الليكود مع أحزاب اليمين المتطرّف، فإنّه سيعلن ضمّ ما تبقّى من الأراضي المصنّفة "سي" حسب اتّفاقات أوسلو التي دفنها نتنياهو دون أن يترحّم عليها. مع التّذكير بأنّ الضّم سيكون للأراضي دون السّكّان الذين ينتظرهم "الترانسفير" والقتل في أيّ حرب قادمة قد يفتعلها نتنياهو في الوقت المناسب، مع التّكيد بأنّ بدائل نتنياهو ليسوا أقلّ تطرّفا منه.
ومعروف أنّ نتنياهو أو بدائله، ليسوا اللاعبين السّياسيّين الوحيدين في المنطقة، فكل إجراء للحكومة الإسرائيليّة يتمّ بالتّنسيق مع الإدارة الأمريكيّة المتنكّرة للحقوق الفلسطينيّة، والتي تنسّق بدورها مع غالبيّة الأنظمة العربيّة، التي ما عادت تخفي تطبيع علاقاتها مع اسرائيل بما في ذلك التّنسيق الأمني والعسكري.
وإلى من يراهنون على الحلول السّلميّة مع اسرائيل، فإنّ الحركة الصّهيونيّة لم تخفِ يوما أطماعها التّوسّعيّة التي تتعدّى حدود فلسطين التّاريخيّة، والسّياسة الإسرائيليّة الحاليّة وبتحالفاتها مع "كنوزها وكنوز أمريكا الإستراتيجيّة" في المنطقة تقوم بتطبيق المشروع الأمريكي "الشّرق الأوسط الجديد"، الذي يسعى إلى إعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وعلى هوامشها تأتي "فصعة القرن الأمريكيّة"، التي يجري تطبيقها على الأرض قبل الإعلان عنها رسميّا، وضحايا ما يجري هو القضيّة الفلسطينيّة وحقوق الشّعب الفلسطيني، ولن تسلم منها أراضي دول أخرى منها: الأردن، سوريا، لبنان، السعوديّة ومصر، وحتّى العراق.
وسوم: العدد 842