بان كي مون، وبعض الظن
ناديا مظفر سلطان
إن فشل مجلس الأمن الدولي ، والجهود الدبلوماسية المبذولة لحل الأزمة السورية على مدى أربعة أعوام – تقريبا – دفعتني للظن أن العمل الدبلوماسي لا يمكن له أن يتزحزح بأي شكل من موقعه في دهاليز المراوغة والمداهنة واللعب على الحبال .
كنت أظن أن هذا نوعا من حتمية القضاء والقدر الذي لا راد له .....حتى كان الحدث التاريخي لافتتاح الدورة الأولمبية للألعاب الشتوية المقامة في سوشي – روسيا - في السابع من الشهر الجاري .
لقد أطل بان كي مون – فجأة – على العالم بسحنة جديدة ، نضا بها قناع الوداعة والبراءة ، و اتخذ أخرى وليدة ، مفعمة بقوة راسخة ، وعزم شديد ، وبسالة فولاذية ، يحسده عليها الساموراي ذاته.
في خطاب تاريخي وقبيل الافتتاح بيوم واحد ، وقف بان كي مون منددا بكل عزم وإباء ، شاجبا و"مستقبحا " فعلة الرئيس الروسي المشينة باستبعاد المثليين من المهرجان الرياضي .
الحقيقة أنها المرة الأولى التي أواجه فيها موقفا دبلوماسيا على هذا الشكل ، واضحا دون ريب ، صريحا دون غموض ، جليا دون لبس ، فقد اعتدت دائما متابعة الجهود تحاك في الظلام لإلباس الطغاة المستبدين لبوس الشرفاء و القديسين .
ولكن من المؤكد أن صورا موثقة لإحدى عشر شهيدا سوريا - قضوا تحت التعذيب – في سجون النظام عجزت أن تجعل بان كي مون يتخذ موقفا كهذا واضحا وصريحا وجليا.
كما عجزت الطفولة المغتالة – هناك وراء البحار – إما دفنا تحت الأنقاض ، أو ذبحا بالسكاكين ، أو خنقا بالغازات ، أو جوعا بالحصار ، أو تعذيبا بالسجون ، أو بردا تحت الخيام ...عجزت كل هذه الحقائق المروعة عن تحطيم قيثارة العزف على أوتار (توجيه اللوم لطرفي النزاع من النظام والمعارضة أنهم مشتركون سواسية بالإساءة للأطفال ).
وهكذا استمر بان كي مون في عزف سيمفونية آخر المساء الرتيبة الهادئة ....حتى فاجأ العالم في يوم السادس من فبراير بكلمة التحدي الخالدة التي دعا فيها إلى رفع الصوت عاليا والهتاف ملء الحناجر ، مستنهضا الهمم ومستثيرا أهل النخوة والمروءة أن يهبوا ل"حماية المثليين من "التهميش " ، والضرب بيد من حديد لكل من "يطغى في الميزان " .... فإذ بالأمم تستجيب ، وإذ بالأعلام تُرفع خفاقة ، وإذ بمائتين من الكتاب وحملة الأقلام ، ترفع أقلامها أمام الشمس لتوقيع حملة مؤازرة ضد القرار الروسي الجائر في قمع حرية هذه الفئة من الناس ...
بينما استمر الفيتو الروسي في ذبح مئات الألوف من السوريين الذين هتفوا يوما منذ أربع سنوات "سلمية حرية " ، فلم يردد صدى هتافهم أحد من الناس .
وهكذا وفي نهاية الخطاب التاريخي وقبل أن يعود المدعو بان كي مون إلى مقعده منتشيا بجرعة الذود عن الحق وإزهاق الباطل ، التي تقمصته خلال هذا الأداء ، لم ينس أن يدعُ العالم لنبذ البغضاء والكراهية ، فليس لهذه المشاعر المؤسفة مكانا في القرن الواحد والعشرين .
إن بان كي مون إذ يطالب بمسح العار عن جبهة القرن الواحد والعشرين من وصمة الحقد والبغضاء ، لابد أنه يرى في البراميل المتفجرة التي تلقى بالمئات على الأبرياء والمدنيين العزل من الشعب السوري ، رسائل حب معطرة
بان كي مون ظننتك يوما "حمامة سلام " ، أعجز عن انتزاع كلمة حق من أفواه الكواسر ، فإذ بك "غرابا " يعرف بامتياز أن يحط على الجيف ليقتات بها .
عذرا أيها الشرفاء لظني ، فإن بعض الظن إثم.