قراءة في انسحاب النقاط التركية جنوب M5
من كونها تسريبات إلى كونها أمرًا واقعيًا، تدرّج أمر انسحاب النقاط العسكرية التركية من جنوب M5، وعلى وجه التحديد تلك النقطة المتمركزة في مورك، وقد أثار هذا الأمر جملة من التساؤلات في مناطق إدلب، التي تسيطر عليها الفصائل، في ظل الاتفاقيات غير المستقرة مع الجانب الروسيّ.
قد تكون الخطوة كحدث عملياتي مفاجئة لكثير من السوريين، غير أنّها ليست كذلك للمراقبين، الذين يتابعون عن كثب المتغيّرات في الملف السوريّ.
وذلك أنّ نقاط المراقبة التي باتت في حصار مطبق، ولا يستطيع الجيش التركي إمدادها والوصول إليها إلاّ برفقة الوحدات الروسية، لم تعد ذات جدوى، ولا يعوّل عليها السوريون في مناطق المعارضة عليها كثيرًا، ولاسيّما بعدما تبيّن أنّ مهمتها لا تتعدّ حصر وعدّ الخروقات اليومية، باتجاه مناطق المعارضة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، بعد انتشار مقاطع الفديو التي توثّق عملية الانسحاب، التي حصلت يوم الثلاثاء: 20/ 10- الجاري، برفقة الوحدات الروسية، بعدما اضطرت الوحدات التركية لذلك، عقب حادثة إطلاق النار على وحداتها المتجهة نحوها برفقة عناصر من الفصائل، يوم الأحد: 18/ 10، وقتل على إثرها أحد أبناء أريحا المرافقين: هل هذا الانسحاب تكتيك، أم اضطرار؟
إنّه على الرغم من التصريحات المتكررة للمسؤولين الأتراك خلال الأشهر الماضية، ومن ضمنهم الرئيس أردوغان، حول بقاء النقاط في مكانها؛ كونها جاءت في ظلّ اتفاق مبرم مع الروس والإيرانيين، إلا أنّ الانسحاب قد حصل، وفتح معه بابًا من التساؤلات، حول الأسباب والأهداف الكامنة وراء ذلك؛ هناك من المراقبين من يرى أنّ تلك النقاط قد فقدت وظيفتها، وأصبحت عامل ضغط على الأتراك في الآونة الأخيرة، وقد رأينا ذلك في المظاهرات المتكررة أمامها من عناصر الأمن والجيش السوريين، وما نتج عنها من الاحتكاك مع الجنود المرابطين فيها.
وعليه فإنّ تحريكها نحو مناطق أخرى، وتحديدًا في جبل الزاوية، يجعلها ذات فاعلية أكثر، ويزيح كثيرًا من الحرج عن كاهل القيادة التركية، فيما لو تكررت مشاهد الاحتكاك بها مستقبلاً.
هناك من يرى أنّ القيادة التركية باتت في وضع حرج، بعد تجاهل الروس مطالبها بانسحاب قوات النظام إلى حدود تفاهمات أستانا، وعودة نازحي أبناء تلك القرى إلى بيوتهم، وهو ما ترك أكثر من علامة استفهام حول بنود اتفاق الخامس من آذار، الذي رسم خرائط جديدة في المنطقة، غير تلك التي رسمتها تفاهمات أستانا وسوتشي، وبعد الاختراق الكبير الذي أحدثته القوات المهاجمة، بإسناد جويّ مباشر من قاعدة حميميم.
وهناك من المراقبين من يذهب إلى أبعد من ذلك، ويرى أنّ الأمر لا يبعد كثيرًا عن ملفي ( ليبيا، وأذربيجان)، حيث تموضع قوات حكومة الوفاق بإسناد تركي مباشر على تخوم سرت، على الرغم من علو نبرة التصريحات التي كانت تقول بدخولها، وكذلك الحال فيما يتوقّع أن تسفر عنه المفاوضات المرتقبة حول إقليم ناغورني كرباخ، التي لن تعطي القيادة الأذرية ما تصبو إليه من بسط السيطرة على كامل أراضي الإقليم.
وبذلك تعزّز مقولة أنّه ما كلّ ما يتمّ التصريح به يتحقّق، ولاسيما ما إذا كانت هناك تفاهمات بين الأطراف الراعية، لا يُفصح عن الكثير منها، تمامًا كما هي الحال في اتفاقية أضنة، التي يبدو أن كلا الجانبين التركي والسوريّ، ملتزم بمضمونها، وتحديدًا حول العمق المسموح التحرّك فيه للقوات التركية، تحت ذريعة حماية أمنها القوميّ، وقد بات يتضح مع مرور الأيام أنّه لا يتعدى (35كم)، أي بما يقترب من M4، أو يوازيه في الأراضي السورية، على طول الحدود التركية – السورية.
وسوم: العدد 900