اعتقال الصحفيين وصمة عار على جبين الدول التي تدعي الدفاع عن حرية الرأي والتعبير
من المحزن أن يصدر عن منظمة العفو الدولية تقرير مفاده وجود ما يزيد عن مائتين وسبعين صحفيا خلف القضبان في دول ذات أنظمة شمولية وهم يعيشون ظروفا مزرية . ومعلوم أن مهمة الصحفي وهو حر طليق هي مهمة متاعب كما يقال وحين يصل الأمر حد اعتقالهم فإنها تصبح مهمة تهلكة .
وإذا كانت بعض المهام تتطلب ممن يمارسونها أداء اليمين على الإخلاص فيها أمام الخالق والمخلوق كما هو شأن الأطباء والقضاة على سبيل المثال ، فإن الصحفيين لهم قسمهم الخاص بهم الذي يقسمونه أمام خالقهم إن كانوا ممن يؤمنون به أومع ضمائرهم بأن يؤدوا مهمة الكشف عن الحقائق مهما كانت بأمانة وصدق وموضوعية وتجرد من الأهواء ،وتنكب أي شكل من أشكال الانحياز والامتناع عن الخضوع للابتزاز مهما كان نوعه أو مصدره .
وكل صحفي ملتزم بأداء مهمة بحرفية يكون في البلاد التي تحكمها الأنظمة الشمولية عرضة للمتاعب ، وقد يلقى حتفه بسبب ذلك ، وإن كان محظوظا ونجا من الهلاك زج به في المعتقلات إذا لم يحالفه الحظ في الفرار بجلده ليعيش منفيا نفيا إجباريا بعيدا عن وطنه وأهله ، وحاله في منفاه كما قال الشاعر النابغة الذبياني معبرا عن خوفه من وعيد أحد الحكام الطغاة :
وهذا الخوف الذي عبر عنه الشاعز بهذه الصورة المرعبة هو الذي يجعل كثيرا من الصحفيين في بلاد الظلم والاستبداد ينقضون مكرهين لا أبطالا التزامهم المهني ،ويعدلون عن نقل الحقائق كما هي إلى مداراة المستبدين تجنبا لبطشهم، وقد يضطرون إلى تملقهم ووصفهم بما ليسوا أهلا له . وإن بعض الصحفيين في بعض بلاد الاستبداد قد صاروا موضوع تندر، وعليهم يصدق وصف المتمجدين الذي وصف به المفكر عبد الرحمان الكواكبي الذين يتملقون المستبدين فيزدادون فسادا واستبدادا مع يقينهم بأن أمر المتملقين كذبة لذلك يحتقرونهم .
ولقد كان قديما في بلاد العرب شعراؤها يؤدون دور رجال الصحافة والإعلام في عصرنا ، وكانوا يدفعون ثمنا باهظا إن هم التزموا الصدق في أشعارهم أمام طغاة عصرهم ، وكان منهم من يواجه المتاعب ، كما كان فيهم من يختار أيسر طريق للتكسب بشعر يتملق به من يخشى بأسهم أويطمع في عطاياهم . ولا يختلف حال الصحفيين اليوم عن حال هؤلاء الشعراء ذلك أن منهم من يختار طريقا دونه خرط القتاد ، ومنهم من يختار طريق السلامة فيعمد إلى التملق على حساب مصداقية المهنة وشرفها .
وفي عالم اليوم تقع مسؤولية حماية الصحفيين من التصفية الجسدية أو من الاضطهاد في المعتقلات على الدول التي تنصب نفسها وصية على الدفاع عن حرية الرأي وحرية التعبير إلا أنها مع الأسف لا تزيد عن التنديد باعتقالهم والمطالبة بالإفراج عنهم فورا دون أن تبالي الأنظمة المستبدة التي تحتجزهم بتنديدها ولربما دعت مصالح تلك الدول إلى السكوت عن ذلك أو لعلها تكون مشاركة بشكل أو بآخر في اضظهادهم ، وما حكاية الصحفي السعودي خاشقجي منا ببعيد ، وقد لقي أسوأ مصير يمكن أن يلقاه صحفي في هذا العصر حيث أعمل المنشار في جسده كما أخبر بذلك الإعلام ، ولا زال دمه بل لا زالت أشلاؤه موزعة بين لفيف من القتلة المجرمين لا زالوا خارج طائلة القانون.
وما أظن منظمة العفو الدولية ستؤدي دورها المنوط بها في الدفاع عن الصحفيين أوغيرهم من المضطهدين ما دام أقصى ما تستطيعه من إجراءات هو التنديد الذي ينتهي دائما كصرخة في واد .
ونختم بالقول مادام حال الصحفيين الملتزمين إلى يومنا هذا كحال القاصية من الغنم ،فإنهم لا محالة فريسة ذئاب شرسة كاسرة .
وسوم: العدد 907