أمريكا هي المشكلة
في سبعينات القرن الفارط ردّد الرّئيس المصريّ أنور السّادات مرّات عديدة أنّ "99% من أوراق حلّ الصّراع الشّرق أوسطي في يد أمريكا"، فرمى نفسه في أحضان أمريكا وجاء باتّفاقات كامب ديفيد التي أخرجت مصر أكبر دولة عربيّة من دائرة الصّراع، ودمّر هو ومن خلفوه اقتصاد مصر العروبة وأخرجوا مصر من كونها دولة إقليميّة فاعلة لها تأثيرها الإقليميّ والعالميّ، وجعلها تابعة حتّى أنّها لم تعد قادرة على حماية نصيبها من مياه النّيل.
ولسنا هنا في مجال الكتابة عن عصر أنور السّادات ولا عن عصر غيره من حكّام عرب لا علاقة لهم بالعروبة ولا بالإسلام، لكن ما لم يقله السّادات هو أنّ 99% من الحروب والصّراعات التي شهدها العالم بعد الحرب الكونيّة الثّانية هي من صنع أمريكا وحلفائها الأوروبّيّين كالدّول الإستعماريّة مثل فرنسا وبريطانيا، وحليفتهم اسرائيل التي تشكلّ قاعدة عسكريّة أمريكيّة متقدّمة في الشّرق الأوسط، وأنّهم مسؤولون عن إزهاق أرواح ملايين البشر.
واستمرارا في السّياسة الأمريكيّة فقد أعلن الرّئيس الأمريكيّ بايدن ووزير خارجيّته بخصوص الحرب الدّائرة على فلسطين وشعبها أنّهم وبشكل واضح "مع اسرائيل في الدّفاع عن نفسها"! أيّ أنّ اسرائيل"المسالمة" معتدى عليها، وأنّها ضحيّة "للعدوان الفلسطيني الإرهابي عليها!" وما عليها سوى الدّفاع عن نفسها!
وبهذا وحسب "المنطق الأمريكي -الفرنسي- البريطانيّ الإسرائيلي" فإنّ اسرائيل دولة غير محتلّة للأراضي العربيّة وجوهرتها في حرب حزيران 1967، وأنّها لا تحاصر قطاع غزّة برّا وبحرا وجوّا، ولم تقم بتهويد القدس، وأنّها لا تصادر الأراضي الفلسطينيّة وتستسوطنها، بل إنّ المحتلين الفلسطينيّين هم من يستوطنون "أرض اسرائيل التي منحهم الرّبّ إيّاها!" وأنّ الصّائمين الرّكّع السّجود في المسجد الأقصى هم من يعتدون على اسرائيل ومعتقداتها الدّينيّة، فلا يوجد مسجد اسمه الأقصى، فهو قائم على "جبل الهيكل" حيث الهيكل اليهوديّ الذي سيقام لتقريب عودة المسيح المنتظر؛ ليعيد إقامة مملكة اسرائيل، تمهيدا لقيام السّاعة وانتهاء الحياة على الأرض، ليمتلك اليهود الجنّة في الدّار الآخرة وليكون المؤمنون غير اليهود حميرا وبغالا وخيولا لخدمة اليهود في تلك الجنّة. أمّا الفلسطينيّون " الأغيار" الذين بقوا في ديارهم بعد أن قامت اسرائيل عام 1948 على 78% من "أرض اسرائيل"، فهم مجرّد "شوكة في حلق اسرائيل الدّيموقراطيّة"، وللخلاص منهم فإنّ القوانين التي سنّها الكنيست الإسرائيلي مثل قوانين "القوميّة وكامينتس وغيرها" فهي قوانين ربّانيّة" لتطهير "أرض اسرائيل من الأغيار"الغرباء"، وبالتّالي ومن منطلقات إيمانيّة يجب الخلاص منهم، تماما مثلما يجب الخلاص من "الأغيار" في بقيّة "أرض اسرائيل" التي حرّرتها من الاحتلال العربيّ في حرب حزيران 1967، وما قضيّة بيوت "الأغيار" في الشّيخ جرّاح إلا قضيّة مفتعلة لتشويه "ديموقراطيّة اسرائيل"، فالقدس أرض يهوديّة و"عاصمة اسرائيل الموحّدة" وهذا ما أكّده قرار الكونغرس الأمريكي عام 1995" ونفّذه الرّئيس الأمريكيّ السّابق المؤمن دونالد ترامب عندما اعترف في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، ثمّ وهبها هضبة الجولان السّوريّة لأنّ أرض اسرائيل تطلّ على الصحراء العربيّة"جزيرة العرب" وتصل إلى نهر الفرات في العراق، ومن منطلقات إيمانيّة فإنّ الرّئيس الأمريكي بايدن لا يستطيع التّراجع عن قرار ترامب. وهذا وغيره يقود أيضا إلى عدم وجود شعب فلسطينيّ وهذا ما أكّدته جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل في بداية سبعينات القرن العشرين التي قالت "إذا كان هناك من يزعم بوجود شعب فلسطينيّ فأنا أوّل فلسطينيّة"، وهي "لن تسامح الفلسطينيّين والعرب لأنّهم يجبروننا على قتلهم"!
ولا يستغربنّ أحد هذه المنطلقات الإيمانيّة فقد استجاب لها وأدركها حكّام عرب بعد أن هداهم الله للإيمان الحقيقيّ! مثل حكّام الإمارات والبحرين والمغرب والسّودان، فأعلنوا توبتهم وقاموا بتطبيع علاقاتهم مع اسرائيل وقاموا بتحالفات أمنيّة وعسكريّة معها لمحاربة "المجوس الكفّار"، وهناك غيرهم من اهتدوا لكنّهم لم يعلنوا توبتهم خوفا من كفّار العرب والمسلمين. لذا لن تتوقّف الحرب الحاليّة قبل تحقيق أهدافها، وقد تحقق جزء منها بانحياز بينيت وحزبه لنتنياهو وبذا سيستطيع تشكيل الحكومة الإسرائيليّة الجديدة، والحديث يطول.
وسوم: العدد 929