خطر الذهول النتائج عن الإدمان على استعمال الهاتف الخلوي المحمول
لا يختلف بشران ، ولا يتناطح كبشان أو عنزان كما يقال في الإقرار بما أحدثه الإدمان على استعمال الهاتف الخلوي المحمول من تغيير خطير في طبيعة البشرية للإنسان في هذا الزمان انعكس على سلوكه حيث انصرف إليه انصرافا كليا عما سواه مما يحيط به أو ما له علاقة به أو لنقل قد ابتلعه ابتلاعا حتى أنساه كل شيء بما في ذلك أقرب المقربين منه بل وأنساه نفسه أيضا وهو يلازمه ليل نهار في ظعنه وإقامته .
إنه إنسان هذا الزمان في كل مكان من المعمور لا يرى إلا وقد اختلى به هاتفه المحمول سواء كان صبيا أو شابا يافعا أو كهلا أو شيخا ، ذكرا أو أنثى في كل أحواله سراءه أو ضراءه ، في بر أو جو أو بحر، قائما أو قاعدا أو مضطجعا ، صحيحا أو سقيما ، عالما أو نصف متعلم أو جاهلا ...
والجامع بين كل هذه الأصناف من الناس في علاقتهم بهواتفهم المحمولة هو حالة الذهول التي تصيبهم ، والذهول عبارة عن تدلّه أو غياب عن الوعي أو الرشد فيما يشبه الخضوع لتنويم مغناطيسي على حد تعبير علم النفس والذي تمارسه تلك الهواتف على البشر دون وعي منهم .
ولقد أجريت دراسات ميدانية على عينات بشرية مدمنة على استعمال الهواتف الخلوية، فجاءت نتائجها منذرة بخطورة انسلاخ الإنسان من عالمه الواقعي ، وذوبانه شبه التام في عالم افتراضي .
فعلى مستوى الأسرة وهي النواة الصلبة للمجتمع لوحظ من خلال تلك الدراسات التي أجريت ميدانيا أن الصغار يذهلون أمام هواتفهم أو لوحاتهم عن وسطهم الأسروي بأشخاصه وأشيائه ذهولا تاما إلى درجة ذهولهم عما يحدث من تغييرات أمامهم في بيوتهم بل وفي قاعات نومهم ، والأدهى من ذلك أنهم يذهلون عن أفراد عائلتهم الذين يستبدلون بغيرهم دون شعورهم بذلك إلا بعد انقطاع صلتهم بهواتفهم ولوحاتهم وعودتهم مما هو افتراضي إلى ما هو واقعي.
ولا تكاد الصلة تنشأ بين هؤلاء الصغار فيما بينهم أو مع أفراد أسرهم إلا لحظة تدعو الهواتف أو اللوحات نفسها إلى ذلك حيث يطلع بعضهم البعض على ما تقدمه لهم من مشاهد تثير اهتمامهم أو إعجابهم أو خوفهم ... والنتيجة هو انقطاع صلتهم بالواقع الذي أصبح في هامش اهتمامهم .
ولا يختلف الكبار عن الصغار في ذهولهم أمام هواتفهم المحمولة حيث ينزوي الجميع آباء وأمهات وأبناء وبنات كل واحد في ركن من أركان البيت في قطيعة تامة فيما بينهم تشغلهم عوالمهم الافتراضية التي تورطهم فيها تلك الهواتف بعيدا عن واقعهم المعيش . إنها بحق حالة إدمان خطيرة أشبه ما تكون بحالة الإدمان التي يقع فيها من يتعاطون المخدرات. ولا يختلف عبث الهواتف المحمولة بالعقول عن عبث المخدرات بها .
ولا يختلف وضع الناس مع هواتفهم المحمولة داخل الأسر عن وضعهم في المجتمع حيث لا يغادرهم الانصراف التام إليها والوقوع في الذهول أمامها والذي يصل أحيانا إلى حد الهلوسة حيث يرى المدمنون عليها في أحوال غريبة لا ترصد إلا عند المجانين أو المرضى النفسانيين .
وقد يخيل للبعض أنهم خارج تأثير الذهول الناتج عن استعمال الهواتف الخلوية ، والحقيقة أنهم واهمون وهم يقعون فيه دون وعي أو شعور منهم حتى أنها تمر بهم ساعات طوال وهم على ذهولهم لا ينتبهون إلى مرورها إلا بعد فوات الأوان.
والغالب على مستعملي الهواتف الخلوية أن سوادهم الأعظم لا يحصلون فوائد تذكر منها بل يهدرون الوقت في العبث العابث الذي لا طائل من ورائه . والقلة القليلة من الناس قياسا مع الكثرة الكاثرة منهم من يستعملونها أو يوظفونها فيما يعود عليها بنفع أو فوائد.
ومعلوم أن المضامين التي يتم التعاطي معها عبر الهواتف الخلوية تختلف من ثقافة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر مع وقوع المجتمعات المتخلفة تكنولوجيا في تقليد غيرها من المجتمعات المتطورة تكنولوجيا تفليدا أعمى حيث تتلقف عنها كل السلوكات دون تمحيص أو غربلة بل تتعاطى معها كمسلمات وبدهيات وحقائق مطلقة لا يأتيها باطل من بين يديها ولا من خلفها ،علما بأنها تكرس التبعية العمياء المفضية إلى ما لا تحمد عقباه .
وإذا ما حصرنا استعمال الهواتف الخلوية في مجتمعاتنا العربية، نجد أنها تفيء الناس إلى فئات يمكن حصرها في فئنين : فئة المتدينين الذين يعتبرون الهواتف الخلوية وسيلة تساعدهم على التدين حيث يجدون فيها ضالتهم بما تقدمه لهم من مضامين دينية تجعلهم وجها لوجه أمام مؤلفات أو علماء ودعاة مع ما قد ينطوي عليه ذلك من مزالق خطيرة قد تجعل الكثير منهم ينتقلون من قناعات وانتماءات مذهبية إلى أخرى بسبب الإعجاب والانبهار والتأثر العاطفي المبالغ فيه ، وقد يتحول البعض إلى ناقمين على قناعاتهم وانتماءاتهم السابقة واعتبارها ضلالات كانوا ضحيتها لسنوات حسب اعتقادهم .
أما الفئة الأخرى ، فهي فئة لا يشغلها ما يشغل الفئة المتعاطية للتدين ، بل تستغرقها أمور دنياها وتشغلها ، وهي معرضة أيضا لمزالق سببها الوقوع في التقليد الأعمى لحياة المجتمعات اللائكية التي تنسيها هويتها وانتماءها الديني والتنكر لهما بل ومناصبتهما العداء والنقمة عليهما، واعتبارهما عاملين من عوامل التخلف عن الركب الحضاري ومسايرته .
وهذه التفيئة ناتجة عن الاستعمال المدمن للهواتف الخلوية والوقوع تحت تأثير ما تقدمه من مضامين متباينة هي على طرفي نقيض .
وما لم يتدارك أهل الخبرة والاختصاص بمعالجة النتائج السلبية المترتبة عن الذهول الناتج عن الإدمان على الهواتف المحمولة الخلوية ، فإنه قد تظهر أعراض أخرى تكون أشد خطورة على الطبيعة البشرية السوية ، لهذا لا بد من مسابقة الزمن قبل أن يحصل المحظور لا قدر الله .
وسوم: العدد 931