نصائح وتوجيهات للآباء والأمهات بمناسبة إقبال أبنائهم وبناتهم على اجتياز امتحانات نهاية الموسم الدراسي
عملا بفريضة النصح التي تلزمنا كمسلمين ، وباعتبار مهمتي التربوية سابقا أجدني ملزما بتقديم بعض النصائح والتوجيهات للآباء والأمهات بمناسبة إقبال أبنائهم وبناتهم على اجتياز امتحانات أو اختبارات نهاية الموسم الدراسي .
وأول ما يجب الإشارة إليه أن أولياء أمور المتعلمين ليسوا سواء في مصاحبة أبنائهم وبناتهم في مسارهم الدراسي منذ بداية موسم الدراسة إلى غاية نهايته ، ذلك أن منهم شريحة عريضة ترى أن واجبها تجاه الأبناء والبنات هو توفير الكتب والأدوات المدرسية مع انطلاق الدراسة بداية الموسم ثم الانصراف عنهم انصرافا تاما إلى غاية حلول موعد امتحانات واختبارات نهاية السنة حيث يسألون عن نتائجهم فيسخطون إذا كانت دون توقعاتهم وانتظاراتهم ، وغالبا ما يحملون المسؤولية عن ذلك للمربين ، وللمنظومة التربوية وللدولة ... ،وهذه الشريحة فيها من يمكن أن يلتمس لهم عذر في انصرافهم الكلي عن المصاحبة أو المتابعة المطلوبتين نظرا لأميتهم ، ولعدم توفر من يسد مسدهم في ذلك طيلة الموسم الدراسي ، بينما لا عذر للبعض الآخر نظرا لمستوياتهم الدراسية التي تسمح لهم بتلك المصاحبة ،ولكنهم مع الأسف لا يفعلون تحت ذرائع العمل والشغل... إلخ ، علما بأن أغلبهم يكون معاشهم نهارا ، ويكون لأبنائهم حظ من مصاحبتهم في جزء من الليل .
أما شريحة أخرى وهي دون حجم الشريحة الأولى عددا ، ففيها من يصاحبون أبناءهم وبناتهم في مسارهم الدراسي بانتظام و باتزان ومعرفة و عن خبرة وروية طلية الموسم الدراسي، ويكونوا أحيانا أعلم بتحصيلهم من المدرسين ، وأدرى بمواطن قوتهم أو ضعفهم ، وتكون توقعاتهم بخصوص نتائجهم صائبة وفي الصميم نظرا لجديتهم في المصاحبة والمسايرة . وفي هذه الشريحة من تكون مصاحبتهم شكلية فقط لا تفيد أبناءهم وبناتهم شيئا ، وهؤلاء قد يجادلون المدرسين في النتائج غير المرضية التي يحصلون عليها زاعمين جدية مصاحبتهم ومسايرتهم ، وذلك لتبرير تقصيرهم في ذلك والتغطية عليه . وفي هذه الشريحة من يصاحب ويساير، ولكن دون معرفة أو خبرة أو روية أو اتزان أو انتظام ، فيكون ذلك سببا في عرقلة التحصيل الجيد للأبناء والبنات حيث يتسببون من حيث يعلمون أو لا يعلمون في تكوين عقدة الفشل لديهم من خلال أساليب اللوم والعتاب والتوبيخ التي تكون مثبطة لهم ، وينشأ لديهم التفكير الدائم في همّ إقناع أولياء أمورهم بما يرضيهم عوض التركيز على التحصيل المناسب وغير المبالغ فيه كما يريد هؤلاء الأولياء .
ومعلوم أن التربية هي مساهمة أولياء الأمور والمربين على حد سواء في نمو المتعلمين عاطفيا ومعرفيا وحس ـ حركيا كما قرر ذلك خبراء التربية . ومعلوم أيضا أن النمو إنما يكون عبر تغذية يشترط فيها أن تكون مناسبة ومتكاملة وبالقدر الذي يحتاجه الخاضعون للتربية ، ذلك أنه كما تغذي أجسامهم لتنمو بطريقة طبيعية بالطعام والشراب ، وتصان بالدواء ، تغذى عواطفهم بغذاء معنوي يحقق نموهم العاطفي المتزن ، وهي تصان أيضا بنوع خاص من العلاج ، كما تغذى عقولهم بالغذاء المعرفي المناسب ، وتصان أيضا بعلاج خاص .
فإذا كان الأبناء والبنات لا تستوعب بطونهم من الطعام والشراب إلا ما يكفيهم كغذاء مناسب ، فكذلك الشأن بالنسبة لقلوبهم وعقولهم التي لا تقبل ما يفوق حاجتهم .
وكما أن الأبناء والبنات يشتهون أنواعا من الطعام والشراب ، ولا يفضلون أنواعا أخرى ، فإنهم أيضا يفضلون أنواعا من التغذية العاطفية والعقلية دون أخرى . وشأن أولياء الأمور والمربين على حد سواء الذين يلزمون المتعلمين بغذاء عاطفي أو عقلي لا يرغبون فيه كشأنهم وهو يلزمونهم بتناول أطعمة وأشربة لا رغبة لهم فيها ولا شهية .
وقد يعترض البعض على هذا فيقول إن أولياء الأمور والمربين أدرى بالتغذية المناسبة للمتعلمين ، وأن هؤلاء قد لا يميزون بين ما ينفعهم ويضرهم من تغذية سواء كانت طعاما وشرابا أو كانت تغذية معنوية عاطفية أو عقلية ، والجواب قد يصح ذلك، ولكن الإشكال في ذلك هو تجاهل أذواقهم واستعداداتهم وهي عامل مهم في التنشئة والتربية . فإذا كان أولياء الأمور مثلا يرون في أنواع من الأطعمة والأشربة فائدة لأبنائهم وبناتهم وهؤلاء لا رغبة لهم فيها، فإن النتيجة تكون عكس ما يريده أولياء الأمور . ونفس النتيجة تحصل إذا رأوا في أنواع من التغذية العاطفية والمعرفية فائدة والأبناء والبنات لا رغبة لهم فيها ولا ميل إليها.
ومن الأدلة على سوء اختيار التغذية المعرفية المناسبة للمتعلمين على سبيل المثال لا الحصر اختيار أولياء الأمور توجيها لا يناسب لا مؤهلات ولا أذواق ولا رغبات أبنائهم وبناتهم ، ويكون شأنهم في ذلك كشأنهم في تقديم الأطعمة والأشربة لهم التي لا يتذوقونها ولا يرغبون فيها ، ولا يستفيدون منها شيئا .
وبعد هذا الفرش من النصح العام المتواضع والذي رأيت أنه لا مندوحة عنه ، نعود إلى نصح خاص بظرف الامتحانات والاختبارات ، ونقول إن أولياء الأمور والمدرسين على حد سواء قد يتدخلون بشعور منهم أو دونه في نتائج المتعلمين سلفا من خلال بعض التصرفات التي لا يلقون لها بالا ، وهي على جانب من الخطورة من قبيل بعض الإيحاءات التي تتسبب في إحباطهم بالدفع بهم في اتجاه خلق عقدة الفشل والعجز وتكريسهما في نفوسهم قبل خوض الاختبارات والامتحانات . ومن ذلك خلق جو من التوتر قبيل موعد الامتحانات والاختبارات خلال التحضير لها أو أثناء اجتيازها ، فأثناء التحضير قد تكون مصاحبة أولياء الأمور غير مناسبة بحيث يتشددون في كيفية التحضير والمذاكرة إما بحبس الأبناء والبنات لمدد طويلة دون الانتباه إلى حاجتهم إلى راحة أو استراحة كافية تخرجهم من حالة التركيز الشديد إلى حالة استراحة المحارب او استرخائه كما يقال ، وهي على غاية كبيرة من الأهمية بل هي ضرورية لمعاودة المذاكرة والتحضير بنفسية وإرادة جديدتين تحدو إليهما الرغبة المتجددة . ولا بد أن تكون فترات الراحة والاستراحة بالقدر المطلوب والكافي لبلوغ هدف الرغبة المتجددة لدى المتعلمين ، كما يجب أن تكون مما يرغب فيه هؤلاء وتعشقه نفوسهم ،وليس مما يفرضه أولياء الأمور .
ومن الأخطاء التي يقع فيها أولياء الأمور والمربون على حد سواء بعض التصرفات قبيل انطلاق الامتحانات والاختبارات حيث يوقظ الآباء والأمهات أبناءهم وبناتهم في ساعة مبكرة ولمّا ينالوا حظهم من النوم المريح للخوض في المذاكرة دون مراعاة فترة زمنية فاصلة بين المذاكرة والخضوع للامتحان والاختبار ، ويكون ذلك رغبة في نفوسهم خوفا من أن تنفلت منهم المعلومات ، وهذا خطأ كبير لأنه يتسبب في توتر نفسي وعصبي للمتعلمين ،خصوصا إذا توجه أولياء الأمور بأسئلة إلى أبنائهم وبناتهم فيما يشبه امتحانا أو اختبارا قبل الموعد فيحصل بعض الاضطراب لديهم في استحضار بعض المعلومات ، ويتعرضون بسبب ذلك للتوبيخ في وقت هم في أمس الحاجة إلى دعم نفسي يواجهون به هاجس الخوف من الامتحانات والاختبارات الفعلية ، وغالبا ما يكون ما يتعرضون له من لوم وعتاب وتوبيخ سببا مباشرا في تعذر استحضار معلوماتهم ، ومن ثم تعثرهم وفشلهم وانشغالهم بما ينتظرهم من مزيد عتاب ولوم وتوبيخ ، علما بأنهم يستطيعون استحضار كل معلوماتهم بمجرد مغادرة قاعات الامتحانات ،وهو ما يزيد من معاناتهم ويكرس لديهم عقدة الفشل .
وبناء على ما سبق لا بد من حرص أولياء الأمور والمربين على حد سواء على تقديم الدعم النفسي للمتعلمين، الشيء الذي يساعدهم على تجاوز لحظات القلق والاضطراب السابق لوقت خوض الامتحانات والاختبارات . وعلى المربين تحديدا حين يرتج على المتعلمين وهو استغلاق استحضار الأجوبة لديهم ، وهو ما يحصل لهم بسبب التوتر النفسي أن يقدموا لهم ما يحتاجون إليه من دعم نفسي يساعدهم على استعادة الثقة بالنفس ، ومن ثم تجاوز حالة الإرتاج أو الاستغلاق .
وفي الأخير نأمل أن يجد هذا النصح المتواضع آذانا صاغية من أجل ناشئتنا التي تحتاج إلى سند وعون ودعم منا في أصعب لحظات تمر بها في مسارها التعلمي في ظرف الامتحانات. والله عز وجل من وراء القصد .
وسوم: العدد 932