كيري والحل الموعود
د.هاني العقاد
للمرة العاشرة خلال أشهر معدودة يجول كيري المنطقة باحثا عن تنازلات في المواقف التفاوضية لإنجاح مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتحقيق السلام التاريخي , وللمرة العشرين يجتمع كيري مع نتياهو وأبو مازن ولا تصريحات مفصلة للإعلام , فيما بدا أن مهمته معقده جدا وتزداد تعقيدا كلما اقتربت المفاوضات من السقف الزمني التي ألزمت فيها أمريكا نفسها وإعلان الفلسطينيين عدم إمكانية تجديد زمن أخر للمفاوضات ,كما وتزداد مهمة كيري تعقيدا بسبب تباين كبير في المواقف بين الطرفين وخاصة الطرف المحتل الذي يختطف الأرض والحقوق بالقوة العسكرية ويمارس كل موبقات العنصرية الحديثة , ويرغب بكل ما أوتى من قوة سياسية داخل الكيان وخارجة أي داخل أروقة الهيئات السياسية الأمريكية التأثير على إدارة اوباما للتخفيف الضغط على إسرائيل وتسهيل اعتراف فلسطيني وعربي بدولة يهودية في منطقة الشرق الأوسط , ومن خلال تعقيد الموقف على طاولة المفاوضات ورفع إسرائيل لسقف قبولها بدولة فلسطينية , وثبات الموقف الفلسطيني دون أي تنازلات تلبي لو جزء بسيط من الطموح الإسرائيلي ظهر أن كيري رجل دبلوماسية أمريكية خطرة وخبيثة لا تقوم على الوضوح ولا يمكن للمراقبين الوصول إلى تحليل دقيق لما تنوي أمريكا الوصول إليه مع الطرفين المفاوضين الفلسطيني والإسرائيلي .
خلال جولته الحالية زار كيري الأردن والسعودية كأطراف مؤثرة في المنطقة ولم تكن زيارته هذه هي الزيارة الأولى بل أن معظم جولات كيري كانت تتضمن لقاءات مع الدبلوماسية العربية لأنه يخطط بأنها ستكون بالمستقبل ضمن إطار الحل المتوقع وداعمة للحل النهائي , وعبر الجولة الحالية كانت لكيري محطات مع الدبلوماسية في الأردن والمملكة العربية السعودية واعتقد انه أراد من المستوي السياسي العربي تسهيل مهمته لدي الفلسطينيين وتفهم احتياجات أمريكا لحل النزاع في المرحلة الحالية لكن لا يبدو أن هناك أي ايجابيات تشير إلى إمكانية أن تقبل هاتان الدولتان الضغط على القيادة الفلسطينية لقبول ما ترغب به إسرائيل وهو اعتراف بيهودية دولة إسرائيل , وبقاء مستوطنات إسرائيلية بأراضي الضفة الغربية وإلا لسارعت هذه الدول بلقاء الرئيس أبو مازن للتباحث على الأقل , لكن أبو مازن غالبا ما يستبق الدبلوماسية الأمريكية وينسق مع العرب ويحصل على دعم عربي كبير للثوابت الفلسطينية خاصة في موضوع الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 وعدم الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وإيجاد حل يتوافق مع قرار 194 القاضي بحق العودة اللاجئين الفلسطينية والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة .
مهما كانت المفاوضات بين كيري والرئيس أبو مازن دقيقة وسرية إلا أن الكثير بدأ يتوقع بقاء موقف الرئيس أبو مازن على حالة دون ليونة تحقق لإسرائيل مأربها وهذا ما جعل أمريكا تحاول طرح أفكار تعتقد أنها وسط لتلف على الثوابت الفلسطينية حسب ما تسرب من تلميحات إخبارية ,وبدأت أمريكا تتفهم ضرورة قيام دولة فلسطينية معترف بحدودها وضرورة بقاء الأغوار الفلسطينية تحت الإدارة الفلسطينية مع اقتراح تواجد أمريكي لفرض حالة من الأمن الدقيق لتذليل مخاوف إسرائيل من أي اختراق إرهابي لهذه الحدود بالمستقبل, واعتقد أن كيري بدأ يتفهم ضرورة أن تكون القدس الشرقية عاصمة فلسطينية للأبد مع مساعدة بعض المراقبين العرب من الأردن والسعودية ومصر ضمن بعض التواجد الدولي , وتفهم كيري هذا لا يقابله أي إقناع أو ضغط من طرفه لتذليل تصلب إسرائيل تجاه سلام منقوص لا يفضي لاستقرار دائم في المنطقة , واخشي أن نتنياهو سيحاول خلق فيتو ما في المنطقة أن مارست أمريكا ضغطا ما عليه ليحرج دبلوماسيتها و يعيد لخبطة الأوراق من جديد عبر عمل عسكري إما بالضفة الغربية أو بقطاع غزة أو بإطلاق يد المستوطنين للعمل في الأغوار والقدس بسرعة متناهية وبدعم مبطن من الحكومة الإسرائيلية لاستباق أي خطة أمريكية أكثر قربا للحقوق الفلسطينية وتمكن من الحل النهائي للصراع.
حل كيري الموعود ليس على غرار حل بلفور لليهود لان أحدا ما مازال يعتقد أن الأمريكان قد يكونوا وسطاء تزهين في الصراع ويطرحوا أفكارا عملية تنهي الصراع ومن يعتقد ذلك فانه لا يعرف كم تعني إسرائيل لصانعي السياسة الأمريكية وبالتالي ما يعنيهم بقاء إسرائيل دولة فوق الجميع في المنطقة , مع أن تدخل أمريكا في الصراع بقوة وممارسة ضغط معين على إسرائيل للقبول بحل الدولتين يفهم على انه محاولة أمريكية لإنقاذ إسرائيل من القادم إذا ما فشلت المفاوضات , لكن اعتقد أن كيري مازال يسوق لإطار تفاهم يعتقد انه وسطي لكنه يرضي إسرائيل وغرورها الاحتلالى يبدأ هذا الإطار بقبول إسرائيل قيام دولة فلسطينية على حدود العام 1967 ويسمح بتبادل أراضي بنسب معينة مع وضع القدس الشرقية تحت الوصاية الدولية وتواجد أمريكي طويل الأمد في الأغوار الفلسطينية ,لكن هذا الإطار هو إطار تفاهم و الفلسطينيين لا يحتاجوا إلى هذا الإطار بقدر ما يحتاجوا إلى اتفاق قوي ومتين ينهي الصراع ويعيد الحقوق التي أقرتها الشرائع الدولية كاملة , وهذا الإطار مبني علي امن إسرائيل أكثر مما هو مبنى إعادة الحقوق الكاملة للفلسطينيين وتمكينهم من عناصر السيادة على الأرض وهذا ما افشل جولة كيري الحالية واحدث خلل في مساعيه أعاقت إحداث انفراجه في المفاوضات بين الطرفين , وهذا الخلل سيجعل كيري غير قادر في المستقبل على إيصال الفلسطينيين لحلول مقبولة يستطيعوا معها إقناع شعبهم بالحل التاريخي الذي يحقق طموحاتهم السياسية.