الإنسان وإمكانية خلوده رقميا ؟
قبل عشرات السنين توصل بعض المختصين في علوم البيولوجيا إلى حد تجميد الإنسان بعد الموت على أمل أن يكون العلم يومًا ما قد تقدم بما يكفي لبعثهم وإحيائهم من جديد .. فيما يعتقد البعض الآخر اليوم أن السبيل إلى الخلود يكمن حاليا في العالم الرقمي.
كانت النظرية القائلة بإمكانية رقمنة البشر والعيش ضمن الحدود الرقمية للوجود القائم على الكمبيوتر موضوعًا للنقاش . ولكن حتى وقت قريب لم يكن أحد قد أخذ الفكرة على محمل الجد إلى ما هو أبعد من البحث والمناقشة فقط .
السؤال العريض اليوم هو ما إذا كان من الممكن للإنسان أو أي كائن حي أن تتم رقمنته في المقام الأول وللإجابة على هذا السؤال برزت مدرستين فكريتين مختلفتين.
هناك المدرسة التي تؤيد بعض المفكرين مثل جيل دولوز و هنري برغسون حيث يقوم تفكيرهما الفلسفي على فكرة أن ازدواجية العقل والجسد ليسا من نفس الشيء. لذلك يبدو أنه من المستحيل رقمنة الإنسان ، بل كيف يمكن للمرء أن يضع جوهر الروح البشرية في الكمبيوتر مثلما يضع الساحر العفريت في زجاجة ؟
على العكس من ذلك يؤكد العديد من العلماء وجراحي الأعصاب البارزين أن الجسد هو كل ما هو قابل للوجود. حيث إذا كان بإمكان المرء نسخ دماغ الإنسان في شكل رقمي فسيكون تحقيق الباقي أمرا يسيرا . ورغم ذلك فإن نسخ الدماغ ليس بالأمر السهل بحيث تضمنت الاقتراحات صنع آلاف الشرائح الدقيقة من الدماغ ونسخ الشبكة العصبية التي تم الكشف عنها.
للقيام بذلك يجب إنشاء آلة يمكنها صنع هذه الشرائح ومن ثم يجب العثور بعد ذلك على شخص متطوع لإنجاز هذه التجربة . ثم ستكون هذه شرائح جسدية من دماغ تم الحفاظ به قبل الموت . في الواقع تقترح إحدى الشركات الناشئة القيام بذلك والحفاظ على عقل الإنسان حتى يوم رقمنته في المستقبل .
سوف يتم نقل محتويات دماغ الإنسان في النهاية إلى جهاز كمبيوتر وبالتالي يبقى على قيد الحياة أو ربما قد يولد من جديد. لقد تم إجراء تجارب مشابهة على دماغ فأر ولكن لم يحدث اختراق في رقمنة مجموع ذلك الدماغ .
بالانتقال من الآليات التي قد تجعلنا جميعًا مرقمنين ما الذي ينتظر البشرية بخصوص الخلود الرقمي؟ يقول أحد العلماء إن السياسيين والمفكرين والفنانين العظماء سوف يمكن للأجيال القادمة متابعة حياتهم المهنية لقرون عدة ، ولن نحتاج أبدًا في المستقبل إلى تشييعهم في جنازات وحفر قبور لهم تحت التراب.
ستنخفض أيضا الطلبات على موارد الأرض كثيرا إلى موارد جديدة خاصة فقط للبشر المتبقين على كوكب الأرض وبالطبع أجهزة الكمبيوتر التي تحمل بقاياهم. وربما قد يعود كوكب الأرض إلى حالته الطبيعية الأكثر نقاء ونظافة بيئية ... وسوف تختفي المجاعة والأوبئة والأمراض وبالتالي يمكن أن نستمر في الحياة إلى ما لانهاية ...
ربما يبدو هذا هدفا رائعا وحلما طوباويا فقط . ولكن إذا تم إطلاق العنان للتجارب البشرية في هذا العالم الرقمي على ما يبدو فهل سنستفيد من تلك الحرية أم ننتقل ببساطة إلى إعادة إنتاج جحيم رقمي على الأرض؟ وماذا عن الفيروسات الرقمية والتشوهات الأخرى للعالم الافتراضي نفسه؟
وسوم: العدد 942