مركز بحثي يدعو مجلس الأمن لإصدار قرار يتبنى التهدئة الاقتصادية ويعاقب المسؤولين عن الانقسام المالي في اليمن
دعا مركز صنعاء للدراسات (يمني غير حكومي) مجلس الأمن إلى إصدار قرار دولي يتبنى التهدئة الاقتصادية والعودة للمفاوضات الاقتصادية لتوحيد البنك المركزي اليمني، وفرض عقوبات على من يعرقل أو يتخذ إجراءات تعزز الانقسام المالي للمؤسسات الاقتصادية.
وحث المركز في إحاطة قدمتها الباحثة في المركز ميساء شجاع الدين خلال الجلسة التي عقدها المجلس، اليوم الخميس، بالضغط على السعودية من أجل فتح جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية لليمن بما فيها مطار صنعاء، ورفع القيود المفروضة على دخول وخروج السلع الأساسية.
وأكد المركز على المجلس بضرورة الضغط على السعودية للتوقف عن طرد وتضييق الخناق على العمالة اليمنية، واستثنائها من سياسات السعوّدة وتصحيح أوضاع العمالة اليمنية غير النظامية، مشيرًا إلى السياسات السعودية تجاه العمالة اليمنية، التي تمثّل المصدر الأول والوحيد للعملات الصعبة بعد التوقف شبه الكلي لتصدير النفط والغاز.
وقال إن "تراجع أعداد اليمنيين المقيمين في السعودية ومضايقة المتبقين في نشاطاتهم الاقتصادية أثر سلبًا على أوضاع ملايين اليمنيين في الداخل وبالتالي تفاقمت حدة الأزمة الإنسانية الحالية في اليمن".
وأشار إلى أن على دول الخليج مسؤوليات أخلاقية وسياسية مضاعفة تجاه جارهم اليمن في تحمل آثار الحرب. أقلها، فتح أبوابها للعمالة اليمنية.
الأزمة الإنسانية
وقال مركز صنعاء إن جماعة الحوثيين تستولي بشكل ممنهج على المساعدات الإنسانية وتسخّرها لصالحها، بينما تسبب ضعف المؤسسات الحكومية والعرقلة البيروقراطية لها في اختلالات على مستوى الإغاثة، بينما أعاقت التعقيدات الميدانية التي تفرضها الميلشيات سفر وتحركات موظفي الإغاثة.
وأوضح المركز أن منظمات الإغاثة الدولية فشلت في بذل جهد كاف وشفاف لضمان وصول الحد الأدنى من المساعدات لليمنيين المحتاجين.
وطالب المركز مجلس الأمن بالضغط على الحوثيين لرفع العوائق أمام العمل الإنساني والإغاثي، وحل مؤسسات اقتصاد الحرب، مثل المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية وهيئة الزكاة.
حدة المعارك
وحذر مركز صنعاء مجلس الأمن الدولي من أن تصاعد العمليات العسكرية في مأرب، شرقي اليمن، جراء هجوم جماعة الحوثيين المسلحة يوسّع دائرة الحرب في اليمن، ويقوّض فرص السلام المحدودة أصلًا.
وقال المركز إن نحو مليوني نازح في مدينة مأرب، جزء كبير منهم هُجِّروا عدة مرات منذ بداية الحرب، لن يجدوا ملاذًا آخر.
وأوضح أن اقتراب المعارك من حقول النفط والغاز يهدد الوضع الإنساني في كامل اليمن، مشددًا على أن ذلك يستدعي اهتماما وضغطا ملحا وعاجلا من المجتمع الدولي لوقف القتال.
وطالب المركز مجلس الأمن بفرض الإجراءات اللازمة على الحوثيين، وبالأخص عبر حلفائهم في طهران وأصدقائهم في مسقط، لوقف عملياتهم العسكرية في مأرب ورفع الحصار عن المدن والأماكن السكنية في مأرب وتعز والبيضاء.
ودعا إلى إعادة تفعيل الإطار الدولي للمساءلة والرقابة، ووقف شحنات الأسلحة لأطراف النزاع في اليمن، خاصة في أعقاب قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعدم تجديد ولاية فريق الخبراء المعني باليمن.
نص الإحاطة:
السيد الرئيس، أصحاب السعادة السفراء، المندوبون الدائمون، الحاضرون جميعا
أشكركم على إتاحة الفرصة لي للتحدث إليكم عن التطورات السياسية والاقتصادية في بلدي اليمن، البلد الذي تمزقه حرب داخلية وإقليمية متعددة الأطراف أشعلها انقلاب جماعة الحوثيين المسلحة في سبتمبر من العام ألفين وأربعة عشر، وزادها سوءا تدخل عسكري خارجي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مارس عام ألفين وخمسة عشر.
السادة الحضور،
في البداية أود لفت انتباهكم إلى تصاعد العمليات العسكرية بشكل غير مسبوق بسبب الهجوم الذي تشنه جماعة الحوثيين المسلحة على محافظة مأرب (شرقي اليمن) والتي يقترب عدد سكانها من مليوني نسمة جلهم من النازحين. جزء كبير من هؤلاء النازحين هجروا عدة مرات منذ بداية الحرب، واليوم تقترب منهم المعارك المسلحة وبعضهم لن يجد ملاذا آخر.
إضافة لذلك، فإن مدينة مأرب تمد عموم الجمهورية اليمنية بجزء كبير من الطاقة إضافة إلى غاز الطبخ؛ واقتراب المعارك من حقول النفط والغاز سوف يهدد الوضع الإنساني في كامل اليمن وليس فقط في حدود المدينة. إن خطورة استمرار هذه المعركة ليس فقط في تداعياتها الإنسانية الكارثية، بل أيضا له تداعيات سياسية وعسكرية، إذ قد تتسبب في توسيع دائرة الحرب نحو مناطق أخرى في اليمن وتقوض فرص السلام المحدودة أصلا.
إن كل هذا يستدعي اهتماما وضغطا ملحا وعاجلا من المجتمع الدولي لوقف هذا الاقتتال.
السيد رئيس المجلس،
منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل سبع سنوات صار من المعتاد والمتكرر وصف ما يجري باليمن كأكبر أزمة إنسانية شهدها العالم. مع استمرار الحرب تزداد حدة المعاناة الإنسانية بسبب انهيار النظام النقدي وتردي الأوضاع الاقتصادية. لذا اسمحوا لي بالتركيز على هذين المستويين الإنساني والاقتصادي، لأنه ما يزال هناك الكثير مما يمكن فعله لتخفيف المعاناة في اليمن.
إن اليمن، سيدي الرئيس، ليس فقط أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بل أيضا أسوأ استجابة دولية لأي أزمة إنسانية على الإطلاق. تشير أبحاثنا في مركز صنعاء للدراسات إلى مجموعة من الاختلالات الهائلة في عملية الإغاثة، حيث يقع جزء كبير من سكان اليمن تحت سيطرة سلطة جماعة الحوثيين المسلحة التي تستولي بشكل ممنهج على المساعدات وتسخرها لصالحها. أما في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، تتجلى إشكاليات أخرى منها ضعف المؤسسات الحكومية والعرقلة البيروقراطية كما التعقيدات الميدانية التي تفرضها الميلشيات المتعددة، مما يعيق سفر موظفي الإغاثة وتحركاتهم في تلك المناطق.
هذا كله يترافق مع فشل منظمات الإغاثة الدولية في بذل جهد كاف وشفاف لضمان وصول الحد الأدنى من المساعدات لليمنيين المحتاجين، إضافة للمعوقات التي تتسبب بها قواعد الأمم المتحدة وآلياتها.
لذلك، فإن العملية الإغاثية في اليمن تحتاج لإعادة تقييم ومساءلة ملحة لتقليل فرص هدر وإساءة استخدام أموال المساعدات الإنسانية. كما أننا بشكل عام بحاجة لمقاربة تنموية في كافة تدخلات العمل الإنساني بما يضمن إيجاد فرص عمل تحد من البطالة التي تعصف بالبلاد وتعد وقودا ومحركا أساسيا للصراع الدائر.
السادة الحضور،
منذ أشهر أصدرت السلطات السعودية قرارا يقضي بتسريح العمالة اليمنية في مناطقها الجنوبية دون تفسير واضح أو مقنع لهذا الاستهداف الجماعي.
تراجعت السعودية جزئيا عن هذا القرار، لكنه للأسف جزء من سياسات سعودية متتابعة خلال الأعوام الماضية تجاه العمالة اليمنية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه في ظل الحرب الحالية أصبح المغتربون هم المصدر الأول وتقريبا الوحيد للعملات الصعبة بعد التوقف شبه الكلي لتصدير النفط والغاز. معظم هؤلاء المغتربين في دول الخليج وبالأخص السعودية التي يعمل فيها أكثر من مليون يمني على الأقل.
إن تراجع أعداد اليمنيين المقيمين في السعودية ومضايقة المتبقين في نشاطاتهم الاقتصادية أثر سلبا على أوضاع ملايين اليمنيين في الداخل وبالتالي تفاقمت حدة الأزمة الإنسانية الحالية في اليمن.
لا يفوتني هنا التذكير، إن جميع دول الخليج انخرطت في حرب اليمن بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يفرض عليها مسؤوليات أخلاقية وسياسية مضاعفة تجاه جارهم اليمن في تحمل آثار الحرب. أقلها، بأن على هذه الدول أن تفتح أبوابها للعمالة اليمنية، خاصة إنها دول ما تزال تعتمد بشكل كبير على الملايين من العمالة القادمة من الخارج.
سيدي الرئيس، السادة والسيدات، الحضور الأكارم،
طول أمد الصراع نتج عنه تشكل اقتصاد الحرب، الذي خلق بدوره شبكة هائلة من المنتفعين من استمرار هذه الحرب. لقد أدى تجاهل هذا الجانب من الحرب اليمنية لمزيد من التردي الاقتصادي والمعيشي. ومن المهم الإشارة بهذا الصدد إلى أن آخر جولة من المفاوضات الاقتصادية عقدها مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن كانت في مايو من العام ألفين وتسعة عشر بالعاصمة الأردنية عمان.
ما يزال هناك الكثير مما يمكن عمله لإيجاد حلول اقتصادية مستدامة توفر لجزء من السكان احتياجاتهم بكرامة، حيث يستطيع مجلسكم الموقر الضغط نحو خطوات اقتصادية فاعلة تساهم بشكل كبير في تخفيف معاناة الناس في اليمن.
هذه قضايا ملحة لا يمكنها الانتظار حتى تنتهي الحرب.
لهذا اسمحوا لي أن أضع مجموعة من التوصيات العملية التي قد تساهم في وقف تدهور الوضع الإنساني والاقتصادي باليمن:
بخصوص مجلسكم الموقر، اقترح الآتي:
أولا: إصدار قرار دولي يتبنى التهدئة الاقتصادية ويكلف المبعوث الأممي بالعودة للمفاوضات الاقتصادية على الفور من أجل إعادة توحيد البنك المركزي اليمني، وكذلك فرض عقوبات ذكية على كل طرف يعرقل أو يتخذ إجراءات تعزز الانقسام المالي للمؤسسات الاقتصادية في البلد.
ثانيا: تقييم وإنشاء آليات تنسيق ورقابة للعمليات الإغاثية وتمويل عملياتها. حتى الآن لم يدفع سوى خمسة وخمسين بالمائة من هذه الالتزامات. كذلك إلزام المنظمات الدولية بمخرجات القمة الإنسانية المتعلقة بتوطين المساعدات الإنسانية.
ثالثا: تخفيف قيود العزلة المالية عن البنوك اليمنية للاتصال بالنظام المالي العالمي من أجل تسهيل استيراد المواد الأساسية وقطع الطريق على التحويلات المالية غير الرسمية.
رابعا: اتباع نهج شامل لدعم نظام الرعاية الصحي الهش في اليمن، وضمان إيصال جرعات لقاح فيروس كورونا لكافة أنحاء البلد، وأذكر أن واحدا بالمائة فقط من سكان اليمن تلقوا لقاح كوفيد تسعة عشر، وهو أمر معيب يعكس ضعف التزام المجتمع الدولي نحو اليمن.
خامسا: التوقف عن دعم الأطراف المنخرطة في حرب اليمن بالأسلحة، وإعادة تفعيل الإطار الدولي للمساءلة والرقابة، خاصة في أعقاب القرار الأخير والمؤسف لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعدم تجديد ولاية فريق الخبراء المعني باليمن.
كما يجب على هذا المجلس عبر قراراته وأدواته الضغط على المملكة العربية السعودية وحلفائها بالتالي:
أولا: التوقف فورا عن طرد وتضييق الخناق على العمالة اليمنية في سوق العمل الخليجي وسوق العمل السعودي على وجه الخصوص، واستثنائها من سياسات السعودة وغرامات الإقامة المضاعفة وتصحيح أوضاع العمالة اليمنية غير النظامية، أخذا بعين الاعتبار الاتفاقيات التاريخية بين البلدين. هذا كله يجب أن يسري ضمن إطار شامل لسياسات تفضيلية للعمالة اليمنية في السعودية وبقية دول الخليج.
ثانيا: فتح جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية لليمن بما فيها مطار صنعاء فورا، ورفع القيود المفروضة على دخول وخروج السلع الأساسية.
ثالثا: تصميم وتنفيذ استراتيجية بالشراكة مع دولة الإمارات العربية المتحدة لإعادة إعمار المناطق الخاضعة لسيطرة القوات اليمنية الحليفة لهما، وبناء مشاريع حيوية في القطاعات المختلفة وبالتحديد في قطاع الطاقة، وكذا وضع وديعة في البنك المركزي تساعد على استقرار العملة اليمنية.
وبالتزامن مع ذلك، يجب أن تعمل الجهود الدولية للمجلس نحو إلزام الحكومة اليمنية بالتالي:
أولا: دفع كافة الرواتب لجميع القطاعات المدنية في اليمن بما في ذلك رواتب السكان في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين. فمنذ نقل البنك المركزي إلى مدينة عدن عام ألفين وستة عشر، لم تف الحكومة بوعودها في عدم انقطاع رواتب الموظفين الحكوميين.
ثانيا: القيام بإصلاحات حقيقية في هيكلية وقيادة البنك المركزي وكذلك المؤسسات الإيرادية، واتخاذ إجراءات تعزز من الشفافية والمساءلة للحد من الفساد الهائل في بنية هذه الحكومة.
كما يجب على هذا المجلس فرض الإجراءات اللازمة على جماعة الحوثيين، وبالأخص عبر حلفائهم في طهران وأصدقائهم في مسقط، وبالتالي:
أولا: الوقف الفوري لعملياتهم العسكرية في مأرب ورفع حصار المدن والأماكن السكنية في تعز ومأرب والبيضاء.
ثانيا: رفع العوائق أمام العمل الإنساني والإغاثي وتحديدا المتعلق بوباء كورونا وقبول جرعات التطعيم المقدمة من كوفاكس وتوزيعها بشكل عادل على شرائح المجتمع اليمني.
ثالثا: حل مؤسسات اقتصاد الحرب التي أنشأتها أقطاب في الجماعة، مثل المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية (المعروفة بالسكامشا) وهيئة الزكاة وغيرها، بشكل فوري.
السادة والسيدات الأفاضل، أشكركم مجددا على الدعوة وفرصة الحديث اليوم. سأكون سعيدة بتبادل النقاش مع ممثلي وممثلات دول المجلس خلال الأيام القادمة حول التطورات السياسية والعسكرية بشكل عام، وتحديدا التصور الذي عملت عليه، والمتعلق بتشكيل مجلس رئاسي كمدخل للحل السياسي في اليمن.
في نهاية المطاف، لا يجب أن ننسى أن الإغاثة الأنجع لعموم اليمنيين هي في الواقع إنهاء هذه الحرب والتوقف عن الانخراط فيها.
لا يجب أن ينسى هذا المجلس ذلك أبدا.
شكرا جزيلا.
وسوم: العدد 951