الانعكاسات الخطيرة على الحياة الاجتماعية بسبب سوء استعمال الهواتف الخلوية
من المعلوم أنه بقدر ما تنتفع البشرية بالمخترعات الجديدة في هذا العصر، فإنها في نفس الوقت لا تنجو من انعكاساتها السلبية إلى درجة الخطورة على استقرار حياتها. ولا يوجد مخترع من المخترعات استفادت منه البشرية كثيرا ، وخسرت في نفس الوقت بسببه الكثير كالهاتف الخلوي المحمول الذي قرب كل بعيد ، وأبعد في نفس الوقت كل قريب ، وبنى الجسور بين الناس، وهدمها في نفس الوقت ، وأحسن وأساء ، ونفع وأضرّ ... إلى غير ذلك مما اجتمعت فيه من متناقضات تحتار في أمرها العقول .
ومن المعلوم أن هذه الهواتف قد أسال الخوض في أمرها حبرا كثيرا لما أحدثته في حياة الناس من تغييرات جذرية في سلوكهم البشري ، وهي عبارة عن منعرجات أو انحرافات في غاية الخطورة، سنسرد بعضها على سبيل التمثيل لا الحصر ، وعلى رأسها استحواذ الاهتمام بها وملازمتها اليومية على أوقات الناس، وذلك على حساب اهتمامات أخرى حتى صاروا لا يرون في كل أحوالهم إلا وعيونهم مشدودة إليها بإدمان غير مسبوق ، وهو ما يدعو إلى القلق إن لم نقل الفزع ،وهم في ذلك لا يختلف صبيهم عن راشدهم ، ولا صغيرهم عن كبيرهم، ولا شبابهم عن شيبهم ، ولا ذكورهم عن إناثهم ، ولا تخلو شريحة اجتماعية منهم موسرة كانت أو معدمة من الإدمان عليها إلى درجة الهوس .
وأسوأ ما في هذا الإدمان السهر معها إلى ساعات متأخرة من الليل على حساب ما فطر الله عز وجل الناس عليه وقد جعل ليلهم لباسا وسكونا ،ونهارهم معاشا وحركة ، فاختلت بذلك حياتهم دون وعيهم منهم باختلالها، وبما يترتب عن ذلك من أسوأ الانعكاسات وأخطرها عليها .
ومعلوم أنه قد بدأت تظهر أعراض مرضية خطيرة على الكثير من المدمنين على استعمال الهواتف الخلوية تعزى إلى السهر الطويل معها ليلا ، الشيء الذي يؤثر على القسط الواجب من الراحة والنوم الضروريين ليلا من أجل صحة وسلامة الأبدان، والنفوس، والعقول .وإذا ما أضيف إلى هذه الآفة إهدار معظم الليل في متابعة الأمور التافهة والعبثية التي لا طائل معها ، فإن الخسارة تكون أفدح أو كما يقول المثل : " أحشفا وسوء كيلة " ، وهو مثل يضرب للتعبير عن الخسارة المضاعفة .
وإذا شئنا أن نقرب صورة هذه الخسارة من الأذهان ضربنا كمثال على ذلك ما يحدث في أسرة صغيرة مكون من أبوين وأبناء ذكور وإناث ، يأوي كل واحد منهم إلى ركن في البيت مختليا مع هاتفه الذي يتولى تنويمه إيحائيا أو مغناطيسيا بحيث يكون كل ما حوله خارج تركيزه ووعيه مع فارق ما بين هذا التنويم الخطير، والتنويم العلاجي أو الإكلينيكي الذي يعتمدهم المعالجون النفسانيون ، ذلك أن المدمنين على السهر مع هواتفهم الخلوية أغلبهم لا يسترخي ، ولا يخلد إلى راحة بل يكلف دماغه ما لا يطيق من اليقظة المتواصلة لساعات طويلة مما يؤدي إلى مضاعفات عقلية ونفسية في منتهى الخطورة تفضي غالبا إلى حالات من الهوس والاضطرابات النفسية التي يخضع أصحابها إلى مدد طويلة من العلاج ، واستهلاك الأدوية ذات آثار غير محمودة العواقب . وفضلا عن هذه المضاعفات السيئة ، تتعرض أواصر هذه الأسرة المدمنة على الاختلاء بهواتفها إلى خطر فتور الروابط العاطفية التي تربط بين أفرادها، والتي تحل محلها روابط غريبة أخرى يخلقها الإدمان على تلك الهواتف ، فكم من علاقات زوجية انفصمت عراها ، وكم من غرباء صاروا أقارب ، وكم من أقارب صاروا غرباء ، وكم من علاقات خفية نشأت ، وأفراد الأسرة الواحدة لا يعلم الواحد فيها شيئا عما انزلق إليه الآخر من تلك العلاقات المهددة لكيانها.
وليست العلاقات الأسرية وحدها المعرضة للخطر بسبب سوء استعمال الهواتف الخلوية بل الأنشطة والأعمال أيضا معرضة لذلك بحيث يتعثر المسار الدراسي للصغار ،كما يتعثر المسار المهني أو الوظيفي للكبار ، فتقل أو تغيب المردوديةعند هؤلاء وأولئك ، وهم سواء في ذلك .
و أخيرا نتساءل متى سيحصل الوعي بمخاطر سوء استعمال هذه الهواتف الخلوية ؟
وسوم: العدد 984