في أسبوع واحد ، شهد الملايين في العالم حدثين لجرأة الفلسطيني التي تؤهله لوصفه ب " قلب الأسد " . الأول بطلته فلسطينية تقدمت في منطقة الأغوار من مجندة إسرائيلية حبشية مشيرة إلى سلاحها ، وقالت لها بالعامية الفلسطينية " الضفاوية ما مدلوله : " اتركي هذا ، وتعالي لأضربك ! " ، وتراجعت . كانت تحمل العلم الفلسطيني . واقترب كهل فلسطيني في يده علم من المجندة ، فدفعته ، وفي اللحظة تقدمت الفلسطينية الطويلة والمتينة البنية من المجندة ، ومست سلاحها مكررة طلبها الأول ، فدفعتها المجندة القصيرة الضئيلة ، فردت الفلسطينية الدفعة بأقوى منها بحكم فرق القوة الجسدية ، فاستغاثت المجندة بجنود لم نرهم في الفيديو . انهارت قواها فورا ، ولم يهبها سلاحها أي جرأة . حقا : " إن السيوف مع الذين قلوبهم = كقلوبهن إذا التقى الجمعان " . الحدث الثاني وقع في قرية ترقوميا غربي الخليل . دفع شرطي من حرس الحدود الشاب حسام الفطافطة الذي رفض إخلاء منطقة اعتبرتها سلطة الاحتلال الاستيطاني أرض دولة ؛ تهيئة لمصادرتها ، فلكمه حسام لكمات متتالية ، وتغلب عليه ، فأسرع زملاء الشرطي لنجدته ، وتغلبت كثرتهم على جرأته التي تشرف كل فلسطيني وكل عربي وكل إنسان يقاوم الظلم الهمجي المسلح الجبان ، و " الكثرة تغلب السباعة " مثلما يخبرنا المثل الفلسطيني . وتاريخ صراع الفلسطينيين مع المستوطنين الغرباء السُرَقاء زاخر بروائع البطولات الفردية والجماعية واستثنيائياتها المثيرة للثناء ، وهو تاريخ حقيق بالتدوين والحفظ لما فيه من عزة ومجد وشحن للمعنويات بطاقات القوة والثقة في النفس الوطنية ، ولما يوفره من ملهمات للأجيال التالية تقتدي بها في صراعها الوجودي مع أخس عدو ، وفي صراعات الحياة العادية حين يواجه الإنسان ظلما واعتداء على كرامته الشخصية وحقوقه ممن يحسب نفسه قويا قوة تؤهله لظلم الآخرين والاستطالة عليهم . والمظلوم منصور من الله _ جل عدله _ الذي حرم الظلم على ذاته العلية ، وجعله محرما بين عباده ، وتوعد الظالمين بالعقاب في الدنيا والآخرة . و " عباده " تقصد المؤمنين وغير المؤمنين . كل من خلقه الله _ تعالى _ ملزم باجتناب ظلم الآخرين من كل المخلوقات ، وعقوبته على ظلمه لا نجاة له منها . ويتوهم ، حتى بعض المسلمين ، أن عقوبة الظلم مقتصرة على المؤمنين الذين علموا ما في شريعة الله من نهي عنه وتحذير من عواقبه المرتدة حتما على الظالم . عقوبة الظلم الربانية لا تستثني أحدا . من علم شرع الله ومن لم يعلمه . ولنتأمل حال دولة مثل أميركا ! إنها أكبر ظالمة في تاريخ البشرية . أبادت في نشأتها شعوبا كاملة ، وسارت في طريق المظالم والعدوان والدماء والسطو على أرزاق وحقوق وحياة من تستضعفه من الشعوب الأخرى . وتقوم عقيدتها البروتستانتية على مبدأ : " لا أعرف ما الذي يرضي الله . " ، ومن لا يعرف ما الذي يرضي الله لا يعرف ما الذي يغضبه ، فيقترفه ، وهذا هو لب كل أفعال أميركا في العالم . سلاسل من المظالم والاعتداءات والسرقات تتوالى تزايدا وتضخما . لا ترحم من تستضعفه ولا تعف عن إثم ، وأقرب الحكام إلى قلبها وهواها الطغاة المستبدون الممقوتون من شعوبهم ، وتجد من حكام العرب من هذا الصنف المقبوح ما لا تجده في دول أخرى ، وهو ، الصنف ، وسيلتها السهلة للسطو على أرزاق هذه الشعوب وكرامتها . ولا تتحرك قطرة دم في وجهها حياءً من فريتها الكبرى بأنها أكبر حامٍ لحقوق الإنسان . أميركا هذه الجشعة المعتدية المنافقة ، لننظر إلى داخلها ! حوادث قتل متتابعة ، ضحاياها أحيانا عشرات . والناس في شوارعها وفي محلاتها يتوقعون قتلهم أو جرحهم في كل لحظة . والقتل أحيانا في الأسرة الواحدة ، والقاتل هو الأب أو الأم أو أحد الأبناء ، وحوادث الانتحار حبلها على الجرار . الله العادل يعاقب أميركا على مظالمها ودموياتها في العالم . وافعل ما شئت فإنك مجزي به . ما تحصده من جنس ما تزرعه . هذا شرع رباني كوني . الله _ عظم شأنه _ لا يحب الظالمين المعتدين ، ويظهر عجائب قدرته في معاقبتهم من حيث لا يحتسبون على ظلمهم واعتدائهم . المظلوم منصور ، والظالم مدحور مقهور ، وهذه الحقيقة القدرية يجب أن تحرض المظلومين على مقاومة ظالميهم بكل وسيلة يستطيعونها مهما صغرت إيمانا بأن الله _ سبحانه _ ناصرهم وهازم ظالمهم حتما ، وأنه ، الله ، يريد منهم أن يقاوموا ظالميهم منتظرين نصره لهم حين يصلون إلى حالة " المضطر " ، وهو الذي قدم أقصى ما يملك من جهد حتى نفدت طاقته ، هنالك يتدخل الله _ جل قدره _ لعونه ونصره تنفيذا لقوله : " أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ..." ( النمل : 62) . وفي نفس المعتدي ، مهما كثرت عناصر قوته المادية ، بذرة ضعف إذا نفذ إليها رصاص من يقاومونه أجبروه صاغرا مخذولا على التقهقر والاندحار . ويبرز المثل فلسطيني " كل معتدٍ خسران . " هذه الحقيقة الفطرية . ويجب أن يسرع مقاومو المعتدي به إلى هاوية هذه الخسارة وخزيها . وكل فلسطيني في ذاكرته قصة أو طائفة قصص عن بسالات فردية أو جماعية في صراع الحياة والموت مع من سطوا على وطنه وبيته وحياته آتين من كل جهات العالم . وسأجتزىء بقليل منها . الأولى وقعت في سني الاحتلال الباكرة . قال ضابط شاباك لشاب من دير البلح في التحقيق معه : " أنا وأنت وأي عربي ! " ، ويقصد ب" العربي " الفلسطيني ، وقبل الشاب التحدي ، قال : " اتفقنا ! خلِ مسدسك في المكتب ، وتعال للشارع ! " ، ولم يخلِ مسدسه ، ولم يبرز للشارع ، ولو برز لقتله خنقا أو دقا لرأسه على الأسفلت بعد بطحه عليه . كان شابا مشهورا بالشجاعة النادرة ، قوي البنية ، متحديا بخلق قويم وانضباط رزينٍ . وفي الانتفاضة الأولى ، اقترب عدة جنود من باب "مدرسة سكينة الثانوية للبنات " في دير البلح وقت خروج الطالبات ، فاشتبكت أولى الخارجات معهم ، وقبضت واحدة منهن على شعر جندي ، ودفعت رأسه نحو الأرض ، فسارع جندي آخر لطعنها بخنجر ، فاستشهدت . وفي يناير 2017 اقتربت عصابة مستوطنين من قرية القصرة في قضاء نابلس دون حراسة من الجنود ، فانقضت عليهم عصبة صغيرة من شبان القرية ، وضربتهم بالعصي والقبضات ضربا أسقطهم محطمي الوعي نازفي الدماء ، وكان بينهم مستوطن طويل القامة ، رشحه طوله للفوز بأوفى حظ من ضرب العصي ولكمات القبضات ، فارتمى بلا حركة ، ولم ينقذهم من الموت ضربا ولكما سوى مسارعة الجنود إليهم . والمستوطنون الأرذال الأنذال لا يهاجمون الفلسطينيين في الضفة والقدس إلا في حراسة الجنود أو الشرطة أو الاثنين معا ، وبعضهم ، في حماية هذه الحراسة ، يندفع أمام الكاميرات نحو الفلسطينيين في شجاعة مفتعلة مزورة يعلمها الجنود ورفاقه من المستوطنين .وشاهد الملايين في معركة الأعلام الأخيرة هروبهم مع عدد من الجنود أمام بعض الفلسطينيين الذين لم تكشفهم الكاميرات . كانوا يتلفتون خلفهم فزعين ، ويسرعون متدافعين متى شعروا باقتراب الفلسطينيين . مشهد حدد من انتصر حقا في معركة الأعلام . شعب بلا سلاح رجاله ونساؤه بهذه الجرأة الفريدة في صراعه مع عدو مسلح تسليحا كثيفا ، ومحمي من أكبر قوى التجبر والعدوان ومن غيلان الخيانة العربية وذؤبانها ؛ سيحرر وطنه يوما ما . وعدوه يعلم هذا ، ويفسر علمُه يأسَه من امتداد عمر دولته في وطن هذا الشعب ، وهو اليأس الذي تجهر به كل قيادات هذا العدو.