كل ما يأتي من أم الزوج تستقبحه الزوجة باستثناء إهداء فلذة كبدها لها
من المعلوم أن اشتراك امرأتين في محبة رجل واحد ،تترتب عنه بالضرورة عداوة، وتكون في الغالب صريحة وشرسة ، وفي بعض الأحيان تكون خفية دون أن تخف شراستها بل قد تكون هذه الأخيرة أشرس من الأولى .
وقد يتفهم المرء العداوة بين زوجتين أو أكثر يكنّ في عصمة زوج واحد بسبب غيرة خاصة ومعلومة إلا أن الذي يستعصي عليه فهمه هو العداوة بين أم الزوج وزوجته أو بينها وبين أخته أو أخواته ،لأن الأمر يتعلق بغيرة غير غيرة الزيجات اللواتي يجمعهن التعديد في بيت واحد أو حتى في بيوت متفرقة .
ومن النادر جدا أن نجد زوجة تحب أم زوجها ، والعكس يصح أيضا ، والسبب هو كما ذكرنا أعلاه التنافس في حب رجل واحد . ومع أن حب الأم لابنها أو الأخت لأخيها هو حب أمومة أو حب أخوة ، يختلفان عن حب الزوجية ، فإن التنافس يكون أشد احتداما بين الأم والأخت من جهة ، وبين الزوجة وبينهما من جهة أخرى.
وقلما تعترف زوجة بصنيع أم أو أخت الزوج ، والعكس يصح أيضا . وكل شيء بالنسبة للزوجة يصدر عن أم زوجها يكون موضوع ريبة بالنسبة لها ، وهو عندها مستقبح حتى وإن كان عبارة عن هدية ثمينة . ولئن قبلت الزوجة هذه الهدية وهي لا يقبل غالبا إلا على مضض، ولو كانت من الجوهرالنفيس ، فإن ذلك يكون من أجل إرضاء الزوج فقط ، والعكس يصح أيضا . والدليل على ذلك أنه عند حصول أول سوء تفاهم بين الزوجة والأم أو بينها وبين الأخت تكون الهدايا المتبادلة بينهن ضحية الإتلاف .
ولا يوجد في نظر الزوجة جميل تقدمه لها أم زوجها سوى هذا الأخير ، وما عدا ذلك، فكله سوء، وشر، وكيد ... وأكبر خسارة تشعر بها الأم هو إهداء فلذة كبدها بعد حمله ،وإرضاعه، وتربيته، وتعليمه لامرأة لم تتعب من أجله لكنها تحصل عليه مجانا لحسن حظها أو لحسن طالعها، وهي التي لا تقدر في والدته شيئا سوى هذه الهدية النفيسة ، وهي في الغالب لا تستحقها في نظرها .
ولقد سجل لنا التاريخ بيتا من شعر الجاهلية في شكل نصيحة قدمها زوج لكل الأزواج إلى قيام الساعة ، وهو للشاعر صخر بن عمر السلمي الذي أصيب بنصل ولزم الفراش مدة طويلة ، وكانت أمه ترجو شفاءه ، وزوجته تتعجل موته لتتزوج من ابن عمها كما تقول بعض الروايات فقال :
أرى أم صخر لا تمل عيادتي وملت سليمى مضجعي ومكاني
فأي امرىء ساوى بأم حليلة فلا عاش إلا في شقى وهوان
والشطر الثاني من البيت الثاني فيه دعاء على كل من يساوي بين أمه وزوجته ، وفيه أيضا نصيحة لكل من يؤثر الحليلة على الأم التي جنته تحت قدمها ، ورب جحيم يكون مصيره، وتكون الحليلة هي السبب.
وهذا الذي ذكرنا في هذا المقال لا يعمم بل لا بد له من استثناء إذا صحت العقيدة ، وسلم الدين ، وحسنت التربية والنية والطوية ، وكانت مع هذا وذاك عناية إلهية ، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم .
وسوم: العدد 993