كتائب عبدالله عزّام والمخابرات الإيرانية

بدر الدين حسن قربي

بدر الدين حسن قربي /سوريا

[email protected]

1/2

المعروف أن كتائب عبدالله عزّام قُدمت لنا إعلامياً كتنظيم جهادي تكفيري قريب من تنظيم القاعدة، تأسس فيما هو معلوم وسمعنا عنه لأول مرة عام 2004 من خلال قيامها بثلاث تفجيرات في منتجع طابا وشاطئ نويبع المصريَيْن، وكانت وراء قصف بارجيتين أمريكيتين في ميناء العقبة عام 2005 .  ثم وفي يوم الإثنين الثاني من أغسطس/آب 2010 قام عناصر من الكتائب بقصف مدينتي إيلات والعقبة بخمسة صورايخ غراد.  ثم كان تبنيها عملية صواريخ متوسطة المدى 40 كم، التي انطلقت من لبنان وسقطت في منطقة الجليل المحتلّة في 22 آب/أغسطس الماضي 2013.  وأخيراً التفجير المزدوج في 19 تشرين ثاني/نوفمبر 2013 الذي كان أمام السفارة الإيرانية.

اللافت فيما عرضناه أنّ عملياتها خلال عشر سنوات تعدّ على رؤوس الأصابع وكأنها عمليات نوعية عند الطلب، وأنها استخدمت صورايخ متوسطة المدى في عملية آب 2013 مما لايمكن توفره لمثل هكذا تنظيم محدود، ثم العملية التفجيرية النوعية الأخيرة، مما مؤداه استعانة التنظيم بجهة ما تقدم له المطلوب من السلاح النوعي فضلاً عن الدعم اللوجستي.

مؤسس هذا التنظيم هو السعودي/ صالح عبدالله القرعاوي، وهو من المطلوبين بشدة لسلطات بلده، وكان يستوطن إيران مقرّاً له، رغم تنقّلاته المحدودة بين إيران ووزيرستان.  وبالجمع بين مكان الإقامة وتحركات القرعاوي، ومهمة الكتائب وطبيعة عناصرها، فهذا يؤكّد كلاماً يتداول عن هذه الكتائب منذ نشأتها، بأنها تنظيم أسسته إيران، ويديره سعوديون ليُستخدَم من قبل الإيرانيين في ضرب خصومهم في عموم منطقة الشرق الأوسط.

انتقلت قيادة التنظيم من القرعاوي السعودي إلى مواطنه الآخر ماجد الماجد عقب الإصابة البالغة للأول في ذراعة صيف عام 2012 نتيجة قصف طائرة أمريكية في منطقة وزيرستان، والتي تسببت في القبض عليه وتسليمه للسعودية لأنه مطلوب إليها بشدّة.  وفي نفس العام، فقد أدرجت الولايات المتحدة الكتائب على لائحة المنظمات الارهابية.

يلفتنا في تأريخ عمليات هذا التنظيم، أنها توقفت ثلاث سنوات كاملة من آب 2010 وحتى آب 2013 . وأن عملياتها استؤنفت بعملية الخميس 22 آب 2013، التي سُبقت بعملية إرهابية في دمشق ولحقتها عملية إرهابية تالية في طرابلس أيضاً. فقد سبقتها مجزرة الأربعاء 21 آب التي قصف فيها النظام الجزّار الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي والتي تسببت بمقتل ألف وخمسئة مواطن كان عدد الأطفال فيهم قرابة 400 طفل، ولحقتها عملية إرهابية بشعة بتاريخ 23 آب/أغسطس 2013 ، كانت بتفجير سيارتين مفخختين في طرابلس/ لبنان، أولاهما أثناء خروج المصلين عقب صلاة الجمعة من مسجد التقوى، وثانيتهما بعد دقائق من الأول عند مدخل جامع السلام، واللتان أوقعتا قرابة خمسين قتيلاً و 500 جريح.  ومن ثمّ، فليس من قبيل الصدفة أن يأتي قصف الصورايخ على منطقة الجليل وتفجير السيارتين في طرابلس لاحقاً مباشرة لأم جرائم النظام بارتكابه المجزرة التي أوقعته في شرّ أعماله التوحشية وأربكته.  ولعل قصف عدد من الصورايخ على الجليل من الجنوب اللبناني وتفجيرات طرابلس التي تلتها، والتي أكّدت اعترافات مجرميها أنها كانت بترتيب وإعداد وتنسيق المخابرات السورية، يجعلنا ننظر للأمر بأنه ليس مصادفة بل هو عمل مدبّر ومقصود لإشغال المنطقة والعالم عن أقبح جرائمه، ولاسيما الضجة الإعلامية الواسعة في العالم التي ترتب عليها تهديده بالضربة الأمريكية ومن ثم موافقته فيما بعد على تسليم سلاحه الكيماوي كاملاً للمجتمع الدولي.

 2/2

تمّ الإعلان، من خلال حساب تويتر للشيخ اللبناني سراج زريقات عبر تغريدتين محدودتين، عن تبّني التفجيرين الضخمين اللذين استهدفا السفارة الإيرانية في منطقة بير حسن من الضاحية الجنوبية في بيروت يوم الثلاثاء 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، وتنسيبهما أيضاً لما يُسمّى كتائب عبدالله عزّام، وإعلامنا أنّ من قام بالتفجيرين هما من أهل السنّة، والتهديد بالاستمرار حتى سحب عناصر حزب الله من سورية، وفكاك أسرانا من سجون الظلم في لبنان.

وهكذا من دون مقدمات وبهاتين التغريدتين، عاد حساب الشيخ زريقات الذي قدّم نفسه ناطقاً باسم كتائب عبد الله عزام الى موقع تويتر مرة ثانية بعد توقفه عقب إعلانه عن تبني ضرب الصواريخ على إسرائيل في 22 آب 2013، وإنما أيضاً اختفى مجدداً من دون مقدّمات بعد أن أدّى إعلانه عن تفجيري السفارة الإيرانية.  إشكالية التغريدتين الأخيرتين والتي قبلها كانت في تفعيل حساب تويتر وتوقيفه في السابق واللاحق.  فمَنْ علّق هذا الحساب، هل هو نفسه الشيخ زريقات ومِن تلقاء نفسه، أم أن هناك من يتحكم بالحساب تفعيلاً وتعليقاً ومِنْ أين ؟ أو بالحساب وبالرجل لأن الشيخ لم يُر منذ بضعة أشهر؟  ثم إذا كان ما كتبه زريقات صحيحاً، فكيف تُعلَن المسؤوليات عن عملية ضخمة على تويتر من دون أن ترفق بفيديوهات تشرح وتفسر كالعادة؟  على كل حال، يبقى ماذكرناه مجرد أسئلة بلا إجابة حتى تاريخه.

وبمناسبة الإشارة لكتائب عزّام، فإني أُذكّر ببيان سابق لها، نشرت بعضه جريدة القبس الكويتية بتاريخ 17 آذار/ مارس 2012 تردّ فيه على ماصدر وقتها عن وزير الدفاع اللبناني فايز غصن ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول زعمهم باكتشاف خلية أصولية إرهابية تعدّ لتفجير ثكنة عسكرية تابعة للجيش اللبناني، وتزعم بأن ماصدر عن الاثنين ليس إلا ترداداً لما أملاه عليهما أسيادهما من حزب الله ؛ بل وتوجه البيان فيما نشرته القبس إلى من سمّاهم أجراء الحزب الإعلاميين بالقول: إذا لم تنتهوا عن صنع الأحاديث، سنكشف للرأي العام العروض التي قدمها لنا حزب الله ومخابرات النظام السوري لضرب أهداف في لبنان مقابل ما نريده من المال والخدمات.  وزاد البيان في قوله: إننا تكتفي بمثال واحد، وهو عرضهم علينا أن نغتال النائب وليد جنبلاط مقابل إطلاق بعض قيادات المجاهدين من سجون النظام السوري.  وعليه، فإن هذا البيان يلفتنا بوضوح إلى صلةٍ ما وتواصل بين الكتائب المزعومة والمخابرات السورية وحلفائها الحزب اللاوية، ويشير إلى أن المخابرات السورية وحلفاءها يمكن أن يستيعنوا بآخرين عند الحاجة للقيام بأعمال إرهابية لمصلحتهم، وتُسجّل مسؤوليتها عليهم باعتبارهم منفّذيها.  ومن ثم فليس من المبالغة البحث عن أصابع النظام السوري وراء الكثير من عمليات القتل والإرهاب النوعية، وسيجد من يتابع ويبحبش، ولاسيما ممّن يمتلكون الأدوات والمعلومات والتكنولوجيا، أنه على علاقة بها بطريقة ما، وبشكل خاصٍ منها العمليات ذات الحرفية العالية أو النظيفة كما تسمّى أحياناً، مما معناه صعوبة الوصول من الجريمة المشهودة إلى حقائقها وخفاياها في وجهها المظلم.  يُمكّن النظامَ من أداء هذه العمليات أجهزةٌ أمنية متغوّلة ومتوحشة، ومخبرون أمنيّون، وشبكات من رجال مالٍ وأعمال وتنظيمات جهادية مُختَرَقة ومعتقلون منها، وشركات ومكاتب تغطي الأعمال والمهمات والعمليات، تتعدد جنسياتهم بتعدد حلفائه ومحازيبه.  وعليه، فإنه لا يوجد مكان في العموم خلواً من متابعاته وعملياته وآثامه.

وبمناسبة التفجيرين أيضاً، فإننا نذكّر بأن العملية جاءت موافقةً لانعقاد مؤتمر الأحزاب العربية الاستثنائي الطاريء في دمشق لمواجهة الفكر التكفيري المتطرف والمؤامرة المزعومة التي يواجهها النظام الكيماوي.  فهل جاءت هذه التفجيرات مصادفة في هذا التاريخ أم أنها كانت مرسومة، وتستهدف شد الأنظار إلى أن ماتواجهه عصابة الأسد هو من صنف الإرهاب الذي يتهدد المنطقة، وليس ثورة شعبية لها مطالبها واستحقاقاتها برحيل بشار الجزّار القاتل ونظامه الإجرامي، كما نذكّر أيضاً بأن عموم المشهد في إخراجه يلفتنا فيه كثرة شبهه بسيناريو أحمد أبوعدس عقب العملية الإرهابية في مقتل الحريري

انتهاءً، أياً كانت تفجيرات السفارة في خفاياها وظواهرها، فإن البشر الأسوياء ينكرون القتل والتفجير ويتقززون منه فطرةً وطبعاً. وإذا كان هناك من كلام يمكن قوله، فهو تشديد الإدانة والاستنكار لجرائم كبرى ومجازر غاية في القبح والبشاعة ترتكبها إيران وحزب الله على الأرض السورية حدّ دعوة حسن نصرالله لخصومه السياسيين اللبنانيين بأن من أراد أن يقاتله فليأت إلى سوريا، والتأكيد أيضاً على أنه لا ينبغي لعقلاء الناس أن يتوقعوا أن يكون نتاج جرائمهم إلا مزيداً من القتل والدمار، فطبّاخ السمّ لازم يذوقه، ومن يزرع الريح يجني العاصفة، ومن يزرع الشوك لايجني العنب.