هل سلطة الشارع الجزائري بيد المراهقين؟

عثمان أيت مهدي

أتذكر يوم كانت الجزائر بخير وعافية بمنطقة القبائل، أنّ نظام القبيلة يستند إلى حكمة الشيوخ الذين يجتمعون دوريا بمكان يسمى "تجماعث" وهو مكان مخصص للرجال وأصحاب الرأي، تناقش فيه كلّ مشاكل القبيلة الماضية أو الحاضرة أو المستقبلية. لا مكان فيها للصغار ولا المراهقين، ولا مكان للحماقة والتزلف، كلّ شيء يدرس بحكمة وبصيرة. حين يقبل الصيف على سبيل المثال وقبيل نضج التين، يجتمع أهل القرية ويتفقون على منع عملية قطف الفاكهة، إلا بعد نضجها تماما، فيرضخ الكبار والصغار، لهذا القانون الصادر من "تجماعث"، وعندما يرفع المنع ترى القوم متوجهين إلى حقولهم تغمرهم الفرحة والسرور..

والآن، وبعد هذا التقدم التكنولوجي الكبير، والتطور العلمي الباهر، عدنا ثانية بمحض إرادتنا إلى عصور الجاهلية المظلمة، تحت سلطة المراهقين الجدد. قد يبدو هذا المصطلح غريبا عند البعض، لأن المراهقة بالجزائر تمتد إلى سن متأخرة، وفيها يبقى المراهق تحت رعاية والديه، ينام بجوار والده ويقتات من عرقه، ومن حين إلى آخر تندلع حروب كلامية بينهما يصل صداها آذان الجوار والأصدقاء، وتنتهي عموما باستسلام الوالد ورضوخه لسلطة الابن. وتحدد مرحلة المراهقة المتأخرة ما بين سنّ الخامس عشرة والثلاثين سنة.

أبناؤنا أكبادنا تمشي على الأرض، يضحي الوالد بما لديه تلبية لمطالب ابنه، يريده بأحسن الثياب ملبسا، وبأشهى الطعام مأكلا، جميل المحيا، صحيح البدن، يسود أقرانه أمردا. وما يقوم به الوالد اتجاه ابنه، تقوم به الأم أضعافا، فهي تريده غزالا لا كبقية الغزلان، ابنا لا كبقية الأبناء، إن مسته قطرة من المطر حملته إلى الطبيب خوفا على سلامته. ويكبر المراهق في هذا الجوّ المليء بالدلال والعنجهية، أمّ مستسلمة، راضخة لمطالب ابنها خوفا من غضبه دون تهديد ولا وعيد، وأبّ لا يملك نفسا طويلا للمقاومة، سرعان ما ينهار ويستسلم للأمر الواقع من ابنه. يكبر هذا السلوك عند المراهق وينتقل معه إلى الشارع حيث يفرضه قهرا على سكان الحي.

 لك أن تختار بين الرضوخ أو دفع ثمن التعنت. هذا شعار رفعه المراهقون الجدد في السنوات الأخيرة، يظهر لك هذا السلوك مليّا بالمدرسة، حيث لا يستطيع الأستاذ تقديم ملاحظات أو تنبيه لطالب ارتكب خطأ، لأنّ الطالب سيكيل من الألفاظ السوقية للأستاذ كيلين، وإن استدعى والديه فلن يفعلا شيئا سوى التأسف والتأفف من هذا الجيل الذي خرج عن سيطرة المجتمع، وأصبح سيّدا على نفسه. ويظهر هذا السلوك جليّا في الحيّ الذي تسكنه، فإن رغب المراهقون السهر إلى ساعة متأخرة من الليل لعبا وقهقهة وصراخا، فلا تعارض، ولا تأمر بالمعروف أو تنهى عن المنكر، لأن بعد أيام تجد زجاج سيارتك مهشما، أو هاتفك الثابت معطلا، أو شيئا آخرا لا تفكر فيه الآن. وإن طلب أحدهم بحراسة السيارات ليلا ورفضت، فاعلم أنّه بعد أيّام تسرق قطعة من سيارتك ولا يهم إن كان مذياعا أو إحدى عجلات السيارة.

الشارع في السنوات الأخيرة بالجزائر تحت سيطرة المراهقين، حيثما توقفت بسيارتك لشراء مستلزمات وحاجيات لك، أو كان ذلك للراحة والتفسح، لا بدّ أن تدفع ثمن الوقوف لأحد المراهقين، وأيّاك الاعتراض والرفض، لأنك قد تنال منه ما لا يحمد عقباه. إلى جانب احتلالهم لمواقف السيارات، احتلوا كذلك الأرصفة التي تقاسموها بينهم، وحوّلوها إلى أسواق جوارية وفوضوية، يجد فيها المواطن حاجياته بأثمان معقولة مقارنة بالأسواق النظامية والرسمية، فاتحين بذلك بابا للتجارة الموازية التي يديرها بارونات الاستراد.. وإيّاك أن تمنعهم من مزاولة هذه التجارة لأنهم سيقيمونها حربا ضروسا ضد الشرطة.

الملاعب يملأها المراهقون، بعد نهاية المقابلة، كان ذلك بالفوز أو الهزيمة، يحدثون في الشوارع والمحلات المجاورة للملعب حالة من الذعر والفوضى، يكسرون، يحرقون، ينهبون ولا أحد يردعهم، وكثيرا ما شاهدنا رجال الشرطة يولّون القهقرى خوفا من اتساع رقعة الشغب إلى جماعات أخرى من المراهقين. إذا طالب سكان حيّ من الأحياء إقامة ممرات علوية لقطع الطريق، أو طالبوا من الدولة توفير الغاز الطبيعي لحيهم، أو كان مطلبا آخر، وتماطلت الدولة في الاستجابة، فإنّ المتحدث الرسمي باسم الحي، سيكون المراهقون بإشعال العجلات المطاطية وإغلاق الطريق، والاشتباك مع الشرطة. وفي كلّ هذه الأحداث يبقى الأولياء ملتزمين بيوتهم وكأنّ الأمر لا يعنيهم، أو يقولون لك: هذا جيل قبيح صعب المراس، لا نستطيع فعل أيّ شيء له.

لقد احتفظت الدولة بسلطة الجيش والإدارة الرسمية، وتركت سلطة الشارع بيد المراهقين، أمّا المواطنون النزهاء فإنهم بين مطرقة الدولة وسندان المراهقين.