الغُولُ

dsdhd1090.jpg

(1)

     من أشهر الشخصيات الخرافية في موروثنا العربي شخصية الغولة؛ الجاهزة دوماً لخطف الأطفال أو التهامهم. وقصة الغولة من الأساطير الشائعة جداً ، وهو كائن خرافي يرد ذكره في القصص الشعبية والحكايات التراثية. ويتصف هذا الكائن بالبشاعة والوحشية والضخامة، وغالبا ما يتم إخافة الناس بقصصه. وهو أحد المستحيلات الثلاثة عند أهل الجزيرة العربية. في الجاهلية، لم تسافر العرب بسبب الغول. ولكن عندما جاء الإسلام نزع تلك الأفكار. وقيل هو أحد أنواع الجن.

   "غولٌ" : مشتقة من غالو، وهي كائنات شيطانية في الأساطير السومرية والأكادية، كلمة رائجة في المجتمع العربي وموجودة أيضًا في اللغتين الإنجليزية والألمانية عن العربية لوصف وحش خيالي أو فوبيا أسطورية لشيء مفترس، عادة ما يستخدم هذا المصطلح في قصص الأطفال الشعبية أو لوصف كائن مجهول مخيف في العادة، اعتادت الأمهات والجدات أن يخفن بها الأطفال ليخلدوا للنوم مبكرا قائلين «الآن سيظهر الغول إذا لم تنم. والمستحيلات عند العرب ثلاث: الغول والعنقاء والخل الوفي

والغُولُ بينَ يديَّ يخفى تارة

ويعودَ يَظْهَرُ مثْلَ ضَوْءِ المَشْعَلِ

بنواظر زرقٍ ووجهٍ أسودٍ

وأظافر يشبهنَ حدَّ المنجلِ

فَيَوْماً يُوافِيني الهَوى غير حاضر

ويوماً ترى منهنّ غُولاً تَغَوَّلُ

الغول في الإسلام

   الغول هو مخلوق عربي يرد ذكره في القصص الشعبية ويوصف بأنه يغول المسافرين والمبتعدين عن الطريق، المتعمِّقين في الأحراش. وهو يصفر صفرة شيطانية من أمامك ثم من خلفك. ويستطيع التمثل للإنسان بشكل صديقه وهو مشهور عنه هذا الفعل. قال ابن سيده: هكذا أَنشده سيبويه، ويروى: فيوماً يُجارِيني الهَوى، ويروى: يوافيني الهوى دون ماضي. وكلّ ما اغتال الإِنسانَ فأَهلكه فهو غُول. وتَغَوَّلتهم الغُول: تُوِّهوا. وفي حديث النبي: عليكم بالدُّلْجة فإِن الأَرض تطوى بالليل، وإِذا تَغَوَّلت لكم الغِيلان فبادروا بالأَذان، ولا تنزلوا على جوادِّ الطريق، ولا تصلّوا عليها، فإِنها مأْوى الحيات والسباع، أَي ادفعوا شرّها بذكر الله، وهذا يدل على أَنه لم يرد بنفيها عدمَها. وفي تحفة الأحوذي، للمباركفوري باب ما جَاءَ في سُورَة الْبقَرَةِ وَآيَةِ الكُرْسِي.

   وعن أَبي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ: أَنّهُ كَانَتْ لَهُ سَهْوَةٌ فِيهَا تَمْرٌ، فَكَانَتْ تَجِيءُ الغُولُ، فَتَأْخُذَ مِنْهُ، فَشَكَى ذَلِكَ إِلَى النبيّ، فَقَالَ: اذْهَبْ فإِذَا رَأَيْتَهَا فَقلْ: بِسْمِ الله أَجِيبِي رَسُولَ الله، قالَ: فَأَخَذَهَا فَحَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ فَأَرْسَلَهَا، فَجَاءَ إِلَى النبيّ فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قَالَ: حَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ قالَ: كَذَبَتْ وَهِيَ مُعَاوِدَةٌ لِلكَذِبِ، قَالَ: فَأَخَذَهَا مَرّةً أُخْرَى، فَحَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ، فَأَرْسَلَهَا فَجَاءَ إِلَى النبيّ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قَالَ: حَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ، فَقَالَ: كَذَبَتْ، وَهِيَ مُعَاوِدَةٌ لِلْكَذِبِ. فَأَخَذَهَا فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَاركِكِ، حَتّى أَذْهَبَ بِكَ إِلَى النبيّ، فَقَالَتْ إِنّي ذَاكِرَةٌ لَكَ شَيْئَاً. آيَةَ الكُرْسِيّ اقْرَأْهَا فِي بَيْتِكَ، فَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ، وَلاَ غَيْرُهُ، قال فَجَاءَ إِلَى النبيّ فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قالَ: فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ. قالَ: صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وفي الباب عن أُبّي بن كعبٍ.

   قال المناوي في الغيلان: أي ظهرت وتلونت بصور مختلفة - قال في الأذكار: الغيلان جنس من الجن والشياطين وهم سحرتهم ومعنى تغولت تلونت وتراءت في صور. وقال القزويني: وقد رأى جمع من الصحابة منهم عمر بن الخطاب حين سافر إلى الشام قبل الإسلام فضربه بالسيف، ويقال: إنه كخلقة الإنسان لكن رجلاه رجلا حمار . وقال الجزري: الغول أحد الغيلان وهي من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولاً، أي تتلون تلوناً في صور شتى، وتغولهم، أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فنفاه النبي وأبطله، يعني بقوله: لا غول ولا صفر، وقيل قوله لا غول ليس نفياً لعين الغول ووجوده، وإنما فيه إبطال زعم العرب في تلونه بالصور المختلفة واغتياله. فيكون المعنى بقوله لا غول أنها لا تستطيع أن تضل أحداً، ثم ذكر الجزري حديث: إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان. وقال: أي ادفعوا شرها بذكر الله، وهذا يدل على أنها لم يرد بنفيها عدمها، ثم ذكر حديث أبي أيوب: كان لي تمر في سهوة فكانت الغول تجيء فتأخذ.

وفي الحديث: "لا عَدْوى ولا هامَة ولا صَفَرَ ولا غُولَ".

   وكانت العرب تقول إِن الغِيلان في الفَلَوات تَراءَى للناس، فتَغَوَّل تَغَوّلاً أَي تلوّن تلوّناً، فتضلّهم عن الطريق وتُهلكهم، وقيل: هي من مردَة الجن والشياطين، وذكروها في أَشعارهم، فأَبطل النبي، ما قالوا؛ قال الأَزهري: والعرب تسمي الحيّات أَغوالاً؛ قال ابن الأَثير: قوله لا غُولَ ولا صفَرَ، قال: الغُول أَحد الغِيلان وهي جنس من الشياطين والجن، كانت العرب تزعم أَن الغُول في الفَلاة تتراءَى للناس فتَتَغَوّل تَغوّلاً أَي تَتلوَّن تلوّناً في صُوَر شتَّى وتَغُولهم، أَي تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فنفاه النبي، وأَبطله؛ وقيل: قوله لا غُولَ ليس نفياً لعين الغُول ووُجوده، وإِنما فيه إِبطال زعم العرب في تلوّنه بالصُّوَر المختلفة واغْتياله، فيكون المعنيّ بقوله لا غُولَ أَنها لا تستطيع أَن تُضل أَحداً.

(2)

 

أما غول غزة فهو كائن إنساني حقيقي، لطيف يُؤنس، يحب الأطفال ويحبونه، وإذا ما سقط سقف بيت عليهم بفعل صاروخ لئيم شئيم هتلري؛ فيبادر مع المنقذين لانتشالهم وتغطية أخبارهم، وبثها إلى العالم الحر المتنور الذي يمحض الحقيقة الصادقة، وهؤلاء هم من غير المغسولة أدمغتهم من قبَل الصهيونية الكذوبة.

   ظل هذا الغول يبث الأخبار الحمراء من غزة، ويوعي العالم السكران على مأساة فلسطين، فما كان من كشوح أحفاد القردة والخنازير إلا أن اغتالوه حقيقة مع زميله المصور - حقيقةً - لا كما تغتال الغيلان الأطفال على سبيل الأسطورة والمجاز.

   وكما جاء في وكيبيديا: " إسماعيل ماهر خميس الغول (14 يناير 1997 – 31 يوليو 2024) صحفي فلسطيني ومراسل قناة الجزيرة في غزة، ويُعتبر من أبرز الصحفيين الذين غطّوا العدوان الصهيوني على قطاع غزة. اغتالت إسرائيل الصحفي الفلسطيني الشاب عشيّة الـ 31 من تموز/يوليو 2024 رفقة زميله المصوّر  "رامي الريفي "  بقصفٍ إسرائيلي استهدفهما في مدينة غزة وذلك بُعيد تغطيتهما لاغتيال إسماعيل هنية في إيران من منزل هنية المدمَّر في القطاع. كانَ إسماعيل قد ظهر في بثّ مباشرٍ على شاشة الجزيرة سويعات قليلة فقط قبل اغتياله من إسرائيل، ورغم استجابة الصحفي للتهديد الإسرائيلي بقصف المنطقة التي كان يتواجدُ بها فضلًا عن ارتداءه لسترة الصحافة فقد تعمَّدت طائرة مسيرة إسرائيلية مطاردة السيّارة التي كان يستقلّها رفقة صديقه المصوّر وأطلقت عليهما صاروخًا موجّهًا ما تسبب في مقتلِ الاثنين على الفور وفي عينِ المكان.

   حصل إسماعيل على درجة البكالوريوس في الصحافة من الجامعة الإسلاميّة، وبدأ عمله في مجال الصحافة المكتوبة مراسلًا لصحيفتي الرسالة وفلسطين المحليتين. اتجه في وقتٍ لاحقٍ إلى العمل التلفزيوني من خلال عمله مع العديد من شركات الإنتاج الإعلامية في غزة.

   مع بداية عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 والحرب الإسرائيلية الفلسطينية التي شبَّت عقب العمليّة وقَّع إسماعيل على عقدٍ معَ قناة الجزيرة الفضائية. كانت البداية من خلالِ نقل الأخبار عبر مداخلات هاتفية من غزة، قبل أن يبدأ في إعداد تقارير تلفزيونية ثم صار مع مرورِ الأسابيع يظهر في بثوث مباشرة من قلبِ مدينة غزة ومناطق الشمال.

   اعتُقل في صباح يوم الاثنين 18 آذار/مارس 2024 من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي هو وعشرات آخرين إثر اقتحام القوات المحتلَّة لمجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة. تعرّض إسماعيل لاعتداءٍ من الجنود الإسرائيليين لحظة الاعتقال ثمّ اقتيدَ إلى مكان مجهول، قبل أن تُفرجَ عنه القوات الإسرائيلية في اليوم التالي بعد 12 ساعة من الاستجواب والتحقيق.

   استمرَّ إسماعيل في البروز كمراسلٍ رئيسي للقناة القطرية وكان يظهرُ على شاشتها كل يوم تقريبًا في تغطيات مباشرة وحصريّة، بل عمل هو ورفيقه المصّور الريفي في ظروف صعبة للغاية لنقل الأخبار المهمة كما ذكر ذلك نادي الصحافة في واشنطن. عانى إسماعيل مثله مثل باقي الغزيين من المجاعة التي ضربت الشمال ومنطقة الوسطى كما عانى من النقصِ الشديد في المياه ومع ذلك فقد استمرَّ في تغطياته وتوثيقه للأحداث في الوقت الذي كان في إمكانه النزوح أو حتى مغادرة القطاع عبر معبر رفح وواجهَ مخاطر جمّة وتهديدات متواصلة من الاحتلال الإسرائيلي.

   جديرٌ بالذكرِ هنا أنّ إسماعيل واصل التغطية وفضّل البقاء في قلبِ غزّة رغم تحديات الجوع والمرض بل إنه فقد والده خلال الحرب بسببِ مرض السرطان الذي لم يجد مكانًا لاستكمال العلاج فيه بسبب التدمير الإسرائيلي لمستشفيات القطاع، كما فقد في وقتٍ سابقٍ شقيقه في قصفٍ إسرائيلي على الشقة التي كان يتواجدُ بها.

     كان إسماعيل متزوجًا وله طفلة صغيرة ظلّ ينشر عنها منشورات بين الفينة والأخرى على حساباته الرسميّة في مواقع التواصل الاجتماعي وكيف أنها تعيشُ سنيها الأولى بعيدًا عنه وتكبر دون أن تُتاح له الفرصة لرؤيتها. لم يُشاهد إسماعيل – بسببِ الاستهدافات الإسرائيليّة المتكررة والمتعمّدة لكل من يتحرّك بين المحافظات – ابنته منذ بداية الحرب فهي ووالدتها في المحافظة الوسطى بينما ظلَّ هو في محافظة الشمال مرتبطًا بعمله ومستمرًا في تغطية ما يحدث من أحداث متواليّة ومتسارعة".

فهل علمتم أرأف وأحنَّ من هذا الغول الشهيد الجميل؟! هذا الغول لم تكن أنيابه – كما قال امرؤ القيس- كرماحٍ زرقٌ:

أيقتلُني والمَشرَفِيُّ مُضاجعي           ومَسنونَةٌ زُرقٌ كأنيابِ أغوالِ

وليسَ بذي رُمحٍ فيطعَنَني بهِ          وليسَ بذي سَيفٍ وليسَ بنَبّالِ

أيقتُلُني وقد شَغَفتُ فُؤادَها        كما شَغَفَ المَهنوءةَ الرجلُ الطالي

وقد عَلِمَت سلمىٰ وإن كان بَعلَها      بأنّ الفتىٰ يهذي وليس بفَعّالِ

   رحمك الله يا غولنا الجميل الحبيب، وتقبلك في عليين مع "أبي العبد"، والنبيين والصالحين ... وحسُن أولئك رفيقاً، وطوبى لك شرف الشهادة.

وسوم: العدد 1090