كان على المندوب السامي للتخطيط نشر نموذج أسئلة الاحصاء عبر وسائل الإعلام أووسائل التواصل الاجتماعي دفعا لكل ارتياب فيها

تصفحت يوم أمس جريدة الصباح فأثار انتباهي أربعة عناوين بارزة الأول : " براءة الإحصاء من دم المؤشر " ، والثاني : " جدل نظرية المؤامرة " ، والثالث : " إشاعة اعتقال الدعم " ، والرابع : " غوغل الدرب في خدمة لحليمي " .  وخلاصة ما جاء  تحتها  ثلاثة منها حديث عن توجس  الحاصلين على الدعم من كشف الإحصاء عن حقيقة مؤشرهم خوفا من حرمانهم من الدعم ، وأما الرابع فقد جاء تحته حديث عن دور أعوان السلطة في عملية الإحصاء ،فضلا عن دور سيدات نعتن " بغوغل الدرب" نظرا  لدورهن في إمداد السلطات بمعلومات عن ساكنة أحيائهن .

ولقد كان الأجدر بالمندوب السامي الذي هدد الرافضين بالمشاركة في الاحصاء بغرامات مالية وبالتشهير بهم كما راج ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن يفعل فعل جهيزة وهي جارية كانت في الجاهلية ضرب بها المثل المشهور القائل : " قطعت جهيزة  قول كل خطيب " حين كشفت عن قتل أهل قتيل قاتله  في وقت كان أهل هذا الأخير  يدلجون الخطب في أهل الخطيب من أجل استرضائهم لقبول الدية عوضا عن القصاص. فلو أن السيد المندوب السامي نشر نموذج أسئلة أو مطالب الإحصاء  والمراد بكل سؤال أو مطلب في  زمن وفرة  التواصل العنكبوتي غير المسبوق، لقطع كل شك بيقين من شأنه أن يبعد كل المخاوف المحتملة  من عملية الإحصاء .

ولا شك أن المتوجسين من هذه العملية هم شريحة المستفيدين من الدعم ، وقد راج في الناس أن بعضهم قد حرموا من الدعم بعد حصولهم عليه بسبب الكشف عما غيّر مؤشرهم الذي خولهم الاستفادة من الدعم ، لهذا توجسوا من أسئلة الإحصاء التي من شأنها التأثير في مؤشرهم خوفا من  فقدان دعمهم ، كما حصل ذلك لغيرهم .

والأغرب هو ما جاء تحت العنوان الرابع  إذا ما صح  خبره ، وصدق صاحبه هو إقحام السيدات المنعوتات " بغوغل الدرب " ـ  وهو نعت لا يخلو من تندر ومن غمز وهمز ـ  مع أعوان  السلطة في عملية الإحصاء واستخدامهن كمخبرات عن ساكنة أحيائهن من أجل وصول المحصين إلى المعلومات التي يرومونها ، الشيء الذي  يطعن في مصداقية تلك  المعلومات التي تدلي بها تلك السيدات عن غيرهن  ، والتي قد تكون مخالفة للحقيقة والواقع  مع احتمال أن تكون محض وشايات وراءها دوافع غير معلنة من قبيل العداوات وتصفية حسابات أو تكون محض عبث يراد به التندر بالغير ، ولا يخفى ما في ذلك من اعتداء  على خصوصيات الأشخاص بالتدخل في شؤونهم ، والكشف عن أسرارهم  دون علمهم .

وخلاصة القول أن كل ثقة الناس التي ترجى في كل الأمور مهما كانت تقتضي ممن يحرص على كسبها أن يلتزم الصدق والوضوح والشفافية ، ويتجنب كل ما من شأنه تسرب الريبة إلى النفوس ، علما بأن الثقة أغلى ما عند الناس ، وما غلا يجب أن يصان ، ونحن في زمن يصدق عليه قول الشاعر أبي العلاء المعري :

قل الثقات فلا أدري بمن أثق          لم يبق في الناس إلا الزور والملق

وسوم: العدد 1093