في شمال سوريا: شرطة عسكرية ضد الصحافيين
الاعتقال التعسفي في مناطق سيطرة الجيش الوطني دفعت بعدد من المؤسسات والكيانات الإعلامية والحقوقية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الصحافيين.
نظم اتحاد الإعلاميين السوريين، الأربعاء، وقفة احتجاجية على اعتقال «الشرطة العسكرية» التابعة للجيش الوطني، للناشط والمصور الصحافي بكر القاسم في مدينة الباب، كما طالبت الوقفة بالإفراج عن الصحافي كرم كلية المعتقل لدى نفس الجهات منذ أكثر من شهرين.
بالموازاة، وفي توسع التضامن مع الصحافيين والناشطين السوريين المعتقلين في تركيا وفي مناطق سيطرة الجيش الوطني الموالي لأنقرة، نظم ناشطون وصحافيون في مدينة إدلب وقفة احتجاجية طالبت بالإفراج الفوري عن الصحافيين القاسم وكلية وغيرهما ممن اعتقلتهم السلطات التركية داخل أراضيها، وحمل المحتجون لافتات كتب عليها عبارات استياء من ممارسات الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني، ومساهماتها في اعتقال الصحافيين والناشطين الإعلاميين السوريين وتسليمهم للسلطات التركية، وكتب على إحدى اللافتات «أين سيادة الدولة والقانون يا أدوات أجهزة الاستخبارات الخارجية؟».
وكانت الشرطة العسكرية المشكلة من فصائل الجيش الوطني، قد اعتقلت عصر الإثنين الفائت في مدينة الباب بريف حلب الشمالي، المصور الصحافي بكر القاسم وزوجته الصحافية مراسلة قناة «حلب اليوم» نبيهة طه، والتي أفرج عنها بعد ساعات قليلة من ذات اليوم، إلا أن القاسم سلمته الشرطة العسكرية إلى مركز للاستخبارات التركية بالقرب من الحدود، ولا يزال مصيره مجهولاً حتى الآن، ويعمل القاسم كمصور صحافي متعاون مع وكالات دولية ومحلية منها «وكالة الأناضول» التركية ووكالة الصحافة الفرنسية -AFP.
حول حادثة اعتقال الصحافي بكر القاسم، قالت زوجته الصحافية نبيهة طه في مقطعٍ مصور بثته على صفحتها الشخصية في منصة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» إن حاجزا تابعاً للشرطة العسكرية والاستخبارات التركية أوقفهما بعد خروجهما من تغطية صحافية في المعرض الصناعي في مدينة الباب، ووضع كل واحد منهما في سيارة مختلفة، مشيرة إلى أنها لا تعلم شيئًا عن زوجها منذ ذلك الوقت، في حين نقلت هي إلى مكتب رئيس فرع الشرطة العسكرية في الباب، المقدم راكان العسس وأفرج عنها بعد ما يقارب الساعتين بضغط شعبي ومحلي.
مصادر مقربة من عائلة القاسم، أكدت أن الشرطة العسكرية لم تكتف باعتقال القاسم وزوجته، إنما داهمت منزلهما، وصادرت أموال وأجهزة لابتوب وذواكر إلكترونية، أعيدت لزوجته في اليوم التالي.
من جهته قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الشرطة العسكرية، أوقفت القاسم وزوجته واعتدت عليه بالضرب والسحل بعد استفساره عن سبب الاعتقال، مشيرا إلى أن الاستخبارات التركية نقلت القاسم حينها لمركز الشرطة العسكرية في مدينة الباب، ومنذ ذلك الحين لم تصدر أي معلومات عنه.
وقالت مصادر محلية مطلعة لم ترغب في الكشف عن نفسها لـ «القدس العربي» إن القاسم اعتقل على مدخل سوق الهال في مدينة الباب مع زوجته التي أطلق سراحها بعد أقل من ساعتين، بينما نقل القاسم بطلب من جهاز الاستخبارات التركي إلى منطقة حور كلس.
لجنة حماية الصحافيين تواصلت مع رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، صاحبة السلطة السياسية في مناطق سيطرة الجيش الوطني، للاستفسار عن الصحافي بكر القاسم، ليرد بأن اعتقال القاسم قد يكون مرتبطًا بأمر جنائي، نافيًا علمه بالموضوع، مشيرًا إلى أن أمر الاعتقال في حال كان مرتبطا بحرية الصحافة والإعلام والرأي سينظر فيه ويعالج في أقرب وقت ممكن.
الجدير بالذكر، أن حملات وبيانات الإدانة والمطالبات بالإفراج الفوري عن القاسم، لا تزال مستمرة منذ يوم اعتقاله، فقد أعربت «لجنة حماية الصحافيين» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن قلقها إزاء اعتقال الشرطة العسكرية للصحافي بكر القاسم، وقالت المسؤولة المؤقتة لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة «نشعر بقلق عميق إزاء قيام فصائل المعارضة السورية باحتجاز الصحافي بكر القاسم من دون تفسير ونقله إلى حجز المخابرات التركية. على الجماعات السورية أن تتوقف عن تقليد النهج العدواني للرئيس بشار الأسد تجاه وسائل الإعلام». مطالبة السلطات المحلية بالإفراج عنه ووقف اعتقال الصحافيين.
بالمثل، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بيانًا يطالب بالإفراج الفوري عن القاسم، ووقف الانتهاكات والإجراءات التعسفية بحق الصحافيين والنشطاء الإعلاميين، وجاء في بيان الشبكة «تُدين الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان عملية احتجاز الإعلامي بكر قاسم، وتُطالب بضرورة الإفراج الفوري عنه، وتعويضه مادياً ومعنوياً عن الضرر الذي ألحق به، كما تدين كافة الانتهاكات الواقعة بحقِّ الكوادر الإعلامية». وقال مدير الشبكة فضل عبد الغني في اتصال مع «القدس العربي» أنه يتعين على الجيش الوطني «حماية الصحافيين بموجب القانون الدولي الإنساني، نظراً لدورهم في نشر الحقائق والوقائع في مناطق وجودهم».
من جهتها، طالبت شبكة «مراسلون بلا حدود» السلطات بالإفراج عن القاسم، وورد في بيان الشبكة «نطالب السلطات المحلية وكافة الأطراف التي لها علاقة باحتجازه أن تطلق سراحه فوراً وأن تُعيد كل المعدات المصادَرة. يجب أن يتوقف التضييق على الصحافيين في سوريا، فهي إحدى أخطر دول العالم للإعلاميين» وكانت الشبكة قد صنفت سوريا في المركز 179 من أصل 180 على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام الحالي.
نقابة المحاميين الأحرار، إحدى مكونات «اعتصام الكرامة» في شمال سوريا، أدانت الاعتقال، وانتقدت الحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع التابعة لها بسبب ممارساتهما في حق الصحافيين والإعلاميين، وسياستهما في ما وصفته النقابة بـ «كم الأفواه والتضييق على الإعلام وقمع الحريات والاعتقال التعسفي» وقال البيان «إننا في نقابة المحامين الأحرار نحمّل الحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع مسؤولية ذلك وندين اعتقال الإعلاميين والناشطين ونؤكد أنّ كل اعتقال خارج سلطة القضاء هو اعتقال مرفوض ومجرّم ونطالب بوقف هذه الأفعال غير القانونية ومحاسبة كل من يقوم ويشترك بها كما نطالب بإطلاق سراح المعتقلين فوراً».
الاعتقال التعسفي بحق الصحافيين والناشطين الإعلاميين السوريين في مناطق سيطرة الجيش الوطني دفعت بعدد من المؤسسات والكيانات الإعلامية والحقوقية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الصحافيين. فقد طالب اتحاد الإعلاميين السوريين منذ 26 حزيران (يونيو) الماضي، بالإفراج عن الناشط الصحافي كرم طلال كلية الذي اعتقل على يد الشرطة العسكرية في مدينة اعزاز، بعد خروجه من أحد مطاعم المدينة وسلم لمقر الاستخبارات التركية في حور كلس، وجاء في بيان مشترك للاتحاد مع رابطة الإعلاميين السوريين، واتحاد إعلاميي حلب وريفها ورابطة إعلاميي الغوطة الشرقية، بعد شهر على اعتقال كرم كلية «بناء على المعلومات التي حصلنا عليها مؤخرًا والتي تفيد بأن زميلنا محتجز لدى أجهزة الأمن التركية دون كشف مصيره أو سبب اعتقاله، أو عرضه على القضاء، وهو في وضع سيئ نتيجة تعرضه للتعذيب». وأشار البيان المشترك إلى أن الكيانات والمؤسسات الصحافية السورية كانت تتطلع منذ اليوم الأول لاعتقال كلية لأن تأخذ المؤسسات الوطنية السورية العسكرية والمدنية، الدور الأمثل لمناصرة السوريين وقضاياهم العادلة.
وفي التفاصيل، حمل محمد شقيق الصحافي المعتقل كرم، الشرطة العسكرية سلامة أخيه، وذكر أنه «من خلال اتصالاتنا، عرفنا أن دورية الشرطة العسكرية نقلت كرم لمعسكر حور كليس وسلم للأمن التركي، وما زال مصيره مجهولا». ولم تنته قضية آل كلية باعتقال كرم، فقد اعتقل الأخ الأكبر الملازم أول صالح وهو قيادي في الفرقة الساحلية الأولى أحد تشكيلات «الجيش الحر» في 8 تموز (يوليو) بعد استدراجه إلى معبر يلداغ الإنساني من مدينة الريحانية جنوب تركيا، ولم تتمكن قيادة الفرقة من معرفة مصير الملازم كلية.
وأردف محمد الشقيق الأوسط للمعتقَلَين في اتصال مع «القدس العربي» أن» زوجة أخي صالح علمت بعد مراجعتها لمخفر يلداغ، أن صالح موجود لدى جهاز الاستخبارات التركي». وهي المعلومة التي استطاعوا الحصول عليها بعد مرور أكثر من شهر على اعتقال شقيقه الملازم.
هذا ويعتبر الملازم أول صالح كلية من أوائل الضباط المنشقين عن جيش النظام في محافظة اللاذقية، حيث انشق الضابط الشاب عن الفرقة العاشرة بعد إرسالها مع تشكيلات عسكرية أخرى إلى جسر الشغور في أول عملية عسكرية واسعة عقب أحداث العنف في المدينة مطلع حزيران ( يونيو ) 2011 والتي انتهت بهجوم المحتجين على المفارز الأمنية وقتل من فيها من قوات الأمن بعد مواجهة دامية استمرت يومين متواصلين. ويذكر أن الملازم أول صالح من مواليد 1983 وخريج الكلية الحربية وتعرض لإصابة سابقة في فخذه، وأن والد المعتقلين طلال كلية، مبتور القدم الساق أيضا ومعتقل في سجون المخابرات السورية منذ العام 2013 من غير معرفة مصيره.
وسوم: العدد 1093